حائط صد بشري.. عندما تقرر العراقيات حماية الرجال في المظاهرات

صور حائط صد نسوي في النجف
نساء النجف شاركن بشكل لافت في المظاهرات رغم الطابع الديني المحافظ في المدينة (الجزيرة)

منار الزبيدي 

"وقفنا حائطا مرصوصا مترابطا يشد بعضه بعضا، كالسد المنيع لصد المتظاهرين وحمايتهم من الأذى والصدامات التي من المتوقع اشتدادها بمجرد اجتيازنا"، بهذه الكلمات بدأت الناشطة النسوية إيمان الأمين من محافظة ذي قار حديثها إلى الجزيرة نت.

وقالت إيمان إنه "بعد المجازر التي ارتكبت بحق المتظاهرين في محيط مقر قيادة الشرطة وعدم وجود أي مبادرات لإيقاف نزيف الدم أطلقت نداءً عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوت فيه النساء إلى النزول الفوري عند المنافذ الثلاثة المؤدية إلى مكان الصدام".



وما هي إلا دقائق حتى بدأت جموع النساء تحتشد في المناطق المحددة أعلاه وكان للأمهات وجود مَهيب، بحسب إيمان التي استطاعت مع رفيقاتها إقناع عدد كبير من المتظاهرين بالرجوع إلى مكان المظاهرات الآمن، رغم أن الأمر لم يكن سهلا على الإطلاق "هناك متظاهرون عنيدون جدا أعمار بعضهم تقارب اثنتي عشرة سنة وكانوا مندفعين إلى أبعد الحدود".

تقول إيمان إن الجهد مضاعف عند حائط الصد ولم يكن بمقدور النساء مقاومة مشاعر الحزن أو البكاء، وتضيف "أحد الشباب كان مصرا على العبور إلى مقر قيادة الشرطة بشكل غريب، وعندما اقترب منا صرخ بصوت عالٍ استشهد ثلاثة من إخوتي أريد الثأر لهم".

في تلك اللحظات بالكاد حبست إيمان دموعها حتى أجحظت عيناها وردت عليه بغصة "وما ذنب أمك هل تريد أن تقتلها باستشهاد ولدها الرابع؟ عندها تراجع الشاب واحتضنه أصدقاؤه وأجهشوا بالبكاء معا".

إن مهمة التفاوض مع الشباب المتظاهرين وإقناعهم بعدم العبور إلى مكان "الموت" من أصعب المهام التي واجهت النساء في ساحة المظاهرات، فقد كان المتظاهرون غاضبين جدا، إنه "جيل لا يهاب الموت"، بحسب إيمان الأمين.

النساء بذلن جهودا كبيرة في توعية الشباب للحفاظ على سلمية المظاهرات (الجزيرة)
النساء بذلن جهودا كبيرة في توعية الشباب للحفاظ على سلمية المظاهرات (الجزيرة)
السيناريو يتكرر بالنجف
لم يكن الأمر مختلفا بالنسبة لمحافظة النجف التي شهدت صدامات دامية وسط ساحة ثورة العشرين راح ضحيتها عدد من المتظاهرين، الأمر الذي دعا المجاميع الشبابية والنساء إلى تشكيل نسخة أخرى من حائط صد ذي قار لمنع المتظاهرين من الذهاب إلى الساحة المذكورة.

ورغم تحفظ النساء في المجتمع النجفي ذي الطابع الديني وغياب دورهن في المظاهرات الشعبية السابقة، فإنهن شاركن بشكل لافت للانتباه ونصبن خيمة تحت عنوان "المرأة ثورة".

لم تكتفِ النجفيات بالمشاركة في المظاهرات والهتافات المنادية بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين بل كان لهن دور بارز في حماية المتظاهرين السلميين من القتل الذي شهدته ساحة ثورة العشرين (اندلعت ضد الاحتلال البريطاني سنة 1920).

تقول الناشطة المدنية سهاد الخطيب إنه "بعد أن تأزمت الأمور وحصلت المجزرة الدموية بحق المتظاهرين لم نستطع أن نقف مكتوفات الأيدي والتحقنا فورا بالشباب لإقامة حاجز بشري يمنع المتظاهرين من العبور إلى ساحة الصدام".

كانت تلك الساعات بالنسبة للنساء -بحسب سهاد الخطيب- من أصعب ما يكون، فالقلق والترقب والحذر كان سائدا أمام تدفق السيل البشري من المتظاهرين الغاضبين.

"الثورة بحاجة إلى شبابها فلا تكونوا وقودا لنار الفتنة فمن لها بعدكم" و"أمك بانتظارك "، بهذه الكلمات المؤثرة وغيرها خاطبت النجفيات جموع الشباب المنتفض، بعدها وزعت النساء رسائل مطبوعة بين صفوف المتظاهرين دعتهم فيها إلى الالتزام بالسلمية وحثتهم على البقاء في ساحة المظاهرات الآمنة، بعيدا عن مناطق العنف.

وترى سهاد أن المظاهرات أتاحت للنساء فرصة كسر حاجز الخوف من العادات والتقاليد، فقد شهد حائط الصد مشاركة نسوية واسعة من مختلف الشرائح والفئات العمرية، مما أسهم برفع مستوى الاستجابة لدى المتظاهرين، وتعتبر النجفيات هذه المشاركة منجزا إنسانيا كبيرا، لما لها من دور في حماية الأرواح ودرء الفتن.



الأمن والسلم
ما حصل في العراق خلال الأشهر الماضية ومشاركة النساء والفتيات بمختلف صورهن وبأنواع متباينة من الفعاليات والمشاركات، يؤكد أن المرأة العراقية نجحت في تطبيق بنود قرار مجلس الأمن (1325) الذي اعتبر المرأة عنصرا فاعلا في السلام والأمن بشكل عفوي أفضل من أي حكومة أخرى في العالم، كما تقول علياء الأنصاري رئيس منظمة بنت الرافدين.

فقد كانت مشاركتها الكبيرة والفاعلة عنوان فخر لجميع العراقيين -رجالاً ونساءً- وما حدث في الأيام الأخيرة في محافظتي ذي قار والنجف هو أكبر مصداق لتطبيق القرار المذكور، إذ كان للنساء دور كبير في حفظ الأرواح فقد قمن بالعديد من الفعاليات أبرزها وأهمها تشكيل حاجز بشري من أجسادهن لمنع المنتفضين من الوصول إلى نقطة الصدام مع حاملي السلاح، بحسب الأنصاري.

ولم ينتهِ دور النساء عند الحاجز البشري فقد بذلن جهودا كبيرة في توعية الشباب للحفاظ على سلمية المظاهرات وعدم الانجرار وراء ما يسعى إليه الآخرون من جرهم إلى العنف.

وتكمل الأنصاري "لقد جعلت المرأة العراقية من عام 2019 عاما حقيقيا للمشاركة الفعّالة في بناء السلام وحفظ الأمن، بعيدا عن الحكومات والسياسات وقرارات الأمم المتحدة.. حقا كانت هي الأقوى من بين كل هؤلاء".

وبهذا فقط، سجلت المظاهرات العراقية إصلاحات أخرى على مستوى العادات والتقاليد وكسر الصورة النمطية التي طالما حجّمت دور المرأة وقيدت مشاركتها في الحراك الجماهيري على مدى أعوام طويلة، فلم يعد الميدان الآن حكرا على الرجال.

المصدر : الجزيرة