صحيفة إيطالية: جواسيس وأسرار.. في كينيا مفتاح حقيقة جريمة مقتل ريجيني

Demonstrators from Amnesty International hold placards outside the Egyptian embassy in support of Giulio Regeni, who was found murdered in Cairo two years ago, in London, Britain, February 2, 2018. REUTERS/Simon Dawson
مظاهرة تطالب بالكشف عن قتلة ريجيني أمام السفارة المصرية في لندن (رويترز-أرشيف)

كتب الصحفيان الاستقصائيان كارلو بونينو وجوليانو فوسكينو من العاصمة الكينية نيروبي تحت عنوان "جواسيس وأسرار.. في كينيا مفتاح حقيقة جريمة مقتل جوليو ريجيني"، وقالا إن أحد الشهود على مقتل الباحث الإيطالي موجود في كينيا.

وأضافا أن الشاهد الذي استمع لرواية أحد مرتكبي الجريمة هو أحد الضباط في جهاز الشرطة الكينية، لكن الأمر الذي يعيق تعاونه مع المدعين العامين الإيطاليين هو العلاقات الوثيقة جدا بين نيروبي والقاهرة.

ويقول التقرير إن المفتاح القادر على فتح بوابة القلعة التي يتحصن داخلها النظام المصري وكبار الضباط في جهاز الأمن الوطني المتورطين في اختطاف وتعذيب وقتل ريجيني موجود على بعد 5200 كيلومتر جنوب العاصمة المصرية القاهرة، وتحديدا في العاصمة الكينية نيروبي شرق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

فهنا تحديدا يوجد أحد ضباط الشرطة الكينية الذي أشار إلى سماعه مباشرة من الرائد في جهاز الأمن الوطني المصري (جهاز أمن الدولة سابقا) مجدي إبراهيم عبد العال شريف قصة اختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر.

عنصر مفصلي
وتضيف الصحيفة أن الضابط المصري -الذي يعتبر عنصرا مفصليا في كافة المراحل التحضيرية لارتكاب الجريمة- هو من أجرى على وجه التحديد التحقيقات الأولية التي كانت من المفترض أن تثبت أن ريجيني كان جاسوسا يعمل لصالح البريطانيين، ولهذا السبب فإن عبد العال شريف يخضع حاليا للتحقيق الذي تجريه النيابة العامة في روما مع أربعة آخرين من كبار ضباط جهاز الأمن الوطني المصري بتهمة الاختطاف.

وأوضحت الصحيفة أنه في فصل الصيف الماضي كان المدعي العام الإيطالي سيرجو كولايوكو قد ذهب إلى نيروبي واستمع لشهادة الشرطي الكيني، ثم أرسل مذكرة قضائية إلى السلطات المعنية هناك للتحقق من ملابسات ووقائع تلك الشهادة ومن موثوقية الشاهد نفسه.

ولفتت الصحيفة إلى أن النيابة في روما لم تكشف عن هوية الشاهد للسلطات الكينية ولا حتى فحوى محضر الشهادة التي جمعتها منه، لأسباب تتعلق بسلامته وعدم كشف هويته من قبل جهاز الأمن الوطني المصري.

وسردت الصحيفة الإيطالية تفاصيل رواية الشاهد الكيني، حيث قال إنه في أغسطس/آب 2017 تم تنظيم اجتماع أمني في نيروبي لممثلين عن أجهزة الاستخبارات الأفريقية الملتزمة بمكافحتها للأنشطة الإرهابية، وكان اختيار مكان عقد ذلك الاجتماع ليس عرضيا على الإطلاق، خاصة أن كينيا وإثيوبيا كانتا تعتبران بؤرة للحرب التي فتحها تنظيم الشباب في القرن الأفريقي الذي يعد بدوره البوابة الشرقية للقارة، ولا سيما أنه خلال الفترة الواقعة بين عامي 2013 و2017 تكبدت كينيا نحو 373 هجوما إرهابيا أسفرت عن مصرع نحو 929 شخصا، وإصابة 1149 آخرين، فضلا عن اختطاف نحو 666 شخصا.

شاهد كيني
وتابع الشاهد الكيني أنه في ذلك الاجتماع كان الضابط الذي اختاره جهاز الأمن الوطني المصري للمشاركة في الاجتماع هو الشاب مجدي عبد العال شريف (35 عاما) الذي تم توثيق أوراق اعتماده ببطاقة الهوية رقم 505.

ويبدو أن الرائد المصري كان لديه ميول للدردشة، حيث كان يتحدث بافتخار عن الأساليب التي تتبعها المخابرات المصرية مع المشتبه بهم في الضلوع بالخلايا التجسسية والإرهابية.

وأضاف الشاهد الكيني أنه على مائدة العشاء -الذي أقيم في أحد الفنادق الكبرى في نيروبي- استمعت بوضوح لرواية الرائد المصري بخصوص مشاركته في مطاردة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني واختطافه مساء يوم 25 يناير/كانون الثاني 2016 بينما كان ريجيني سائرا على الأقدام ومتجها نحو مترو الأنفاق في حي الدقي الذي كان يعيش فيه للتوجه إلى موعد غير بعيد عن ميدان التحرير.

وتابع الشاهد أن شريف كان قد كشف في تلك المناسبة عن أكثر من ذلك، حيث قال إن ريجيني كان يخضع منذ أشهر لرقابة جهاز الأمن الوطني المصري، وإن قرار توقيفه واختطافه قد اتخذ في مساء ذلك اليوم نفسه، لأن جهاز الاستخبارات المصرية كان على قناعة بأن ريجيني كان على وشك مقابلة أحد المشبوهين.

ولفتت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية إلى أن الاعتراف الذي أدلى به الرائد شريف يتناسب مع التوتر الذي أثاره في روما ونيروبي والقاهرة، فالعلاقات المصرية الكينية تعتبر فولاذية بسبب الصداقة القديمة بين البلدين، خاصة أن الروابط الاقتصادية تجعل مصر محورا حيويا لطرق استيراد المواد الغذائية اللازمة لتلبية احتياجات كينيا الغذائية.

مأزق وعدالة
وأضافت الصحيفة أن مساعدة روما لتتمكن من وضع القاهرة في مأزق أمام العدالة الإيطالية ستترتب عليها اضطرار كينيا لمواجهة انتقام محتمل من أجهزة الأمن المصرية، وأن اتخاذ مثل هذا القرار ليس بالشيء الهين على الإطلاق، إلا أن من سيقع على كاهله مثل هذا القرار المحتمل هو أحد القضاة في نيروبي الذي تسلم قبيل أربعة أشهر مذكرة قضائية من النيابة العامة في روما، وهو تحديدا مدير النيابة العامة نور الدين حاجي (46 عاما) الذي يمثل أعلى سلطة تحقيق في البلاد، والذي نشأ في واحدة من أكثر الأسر نفوذا في كينيا.

يذكر أن حاجي قد درس قانون الأمن الدولي في ويلز وأستراليا، وعُين مديرا للنيابة العامة في نيروبي من قبل البرلمان.

وفي غضون بضعة أشهر استحوذ حاجي على اهتمام الصفحات الأولى في الصحف الأوروبية بسبب مكافحته الفساد في بلاده، والتحقيقات التي أجراها بحق بعض أعضاء الحكومة والمسؤولين في الهيئات العامة بكينيا.

وينحدر حاجي من أجهزة المخابرات الكينية، وتحديدا جهاز الأمن الوطني، وكان حتى ربيع عام 2019 يتولى منصب نائب المدير العام.

إن ما حدث في أغسطس/آب 2017 من المفترض أن يكون مدير النيابة العامة في نيروبي حاجي مطلعا على تفاصيله، وإذا ما أخذنا بصحة أقوال ما ذكره مصدر مطلع في جهاز المخابرات الكينية لصحيفة لاريبوبليكا إزاء ما حدث في ذلك الشهر بفندق نيروبي فإنه من المؤكد أن الوقائع تتطابق تماما مع قاله ضابط الشرطة الكينية -الذي أصبح يخشى على حياته الآن- للمدعي العام في نيابة روما.

ومع ذلك وكما هو من المعتاد فإنه عندما تتشابك مسؤوليات أجهزة المخابرات لا تكون هناك معلومات مؤكدة، وستكون هناك حاجة إلى الكشف عن الألقاب والأسماء بشكل صريح.

تعليق الجرس
واستخلصت الصحيفة الإيطالية بأنه لدينا الآن عنوان موجود في نيروبي، وإن كان هناك من يرغب في تعليق الجرس ففي تلك العاصمة يوجد باب مدير النيابة العامة نور الدين حاجي.

وخلصت الصحيفة إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما التفاصيل التي يعرفها نور الدين حاجي عن اعتراف الرائد في جهاز الأمن الوطني المصري مجدي عبد العال شريف بخصوص مطاردة واختطاف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني؟

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإيطالية