مباراة "المضرب" و"العمامة" في باكستان.. خان في مواجهة فضل الرحمن

Pakistani Prime Minister Imran Khan speaks during a news conference with Iranian President Hassan Rouhani in Tehran, Iran, October 13, 2019. Official Presidential website/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. NO RESALES. NO ARCHIVES
عمران خان يتعهد بالمضي قدما في تعقب الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة (رويترز)

مجدي مصطفى

صعب على نجم اعتاد هتاف الجمهور إشادة وتشجيعا له أن يرى جمهورا آخر يردد هتافات تطالب بخروجه وإبعاده رغم خلو الملعب من المنافسين التقليديين. 

من الرياضة ونجوميتها إلى السياسة وتقلباتها احتاج نجم الكريكت السابق عمران خان نحو ربع قرن ليصبح نجما سياسيا "أولا" بعد أن اعتزل الرياضة وهو في قمة نجوميته في لعبة الكريكيت.

لكن نجومية الرياضة لا تضمن بالضرورة استمرار نجومية السياسة، ومهارة التصدي للكرة بالمضرب لا تعني بالضرورة القدرة على امتصاص الصدمات السياسية أو صدها في دولة تسبح في محيط من الأزمات الداخلية والخارجية منذ نشأتها وحتى اليوم، فبعد أقل من عام من توليه رئاسة الوزراء يواجه عمران خان أول حركة احتجاجية تطالب بالإطاحة به وبحكومته وتمهله 48 ساعة. 

الخصم الأبرز في "النزال السياسي" الذي تشهده باكستان حاليا هو زعيم جمعية علماء الإسلام "مولانا" فضل الرحمن، والرجل عمامة من "الوزن الثقيل" ورمز من رموز "التدين الشعبي" في البلاد.

لا تقل نجومية فضل الرحمن "الدينية" بين أصحاب العمائم ونفوذه على مناصريه عن نجومية خان الرياضية السابقة في الكريكيت، وتعد الاختبار الأول والأصعب لنجومية السياسة.

‪فضل الرحمن يمهل عمران خان للتنحي‬ (رويترز)
‪فضل الرحمن يمهل عمران خان للتنحي‬ (رويترز)

انقلاب سياسي
لم يكن فوز عمران خان في الانتخابات التي أجريت العام الماضي فوزا عاديا، بل اعتبره المتابعون للشأن الباكستاني "انقلابا سياسيا" عبر صناديق الاقتراع كسر احتكار الحزبين الرئيسين (الشعب والرابطة الإسلامية) للسلطة.

كان فوز عمران خان وحزبه "حركة إنصاف" سابقة تاريخية لم تشهدها باكستان منذ نشأتها، فالانقلابات التي شهدتها من قبل كانت انقلابات عسكرية وكانت وحدها القادرة على كسر هذا الاحتكار، الأمر الذي دفع معارضي عمران خان إلى القول إنه جاء عبر رغبة الجيش.

وتقول أحزاب المعارضة إن الانتخابات العامة في البلاد العام الماضي -التي أتت بعمران خان إلى سدة الحكمة- أجريت تحت تأثير الجيش، وإنها شهدت تزويرا من أجل تنصيب حكومة يفضلها العسكريون.

ويستند أصحاب الرأي السابق إلى أن الجيش الباكستاني حكم باكستان لنحو نصف الفترة التي تلت حصول البلاد على استقلالها عن بريطانيا في عام 1947.

كما يستشهد هؤلاء بالتاريخ السياسي المتقلب في باكستان وفصول من الصراع طويل الأمد بين القادة العسكريين والمدنيين، حيث لم يكمل أي رئيس وزراء فترة ولاية كاملة منذ 70 عاما هي عمر البلاد كدولة مستقلة. 

وتعيد مسيرة المعارضة الحالية لعمران خان التي حشد لها سميع الحق إلى أذهان الباكستانيين مسيرة رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو لدى عودتها إلى البلاد عام 1986.

وجابت بينظير العائدة أرجاء البلاد بالقطار لإحياء شعبية حزب الشعب في مواجهة الرئيس ضياء الحق الذي سمح لها بحرية الحركة، ثم ما لبث أن قتل في حادث تحطم طائرة غامض في أغسطس/آب 1988.

المسيرة التي قادتها بوتو قبل 30 عاما كان هدفها إظهار شعبيتها أمام الجنرال الذي انقلب على أبيها وقدمه إلى محاكمة انتهت بإعدامه، أما مسيرة فضل الرحمن فالغرض منها الإطاحة بحكومة عمران خان.

‪القائمون على الاحتجاجات يرفضون مشاركة المرأة‬ (الأناضول)
‪القائمون على الاحتجاجات يرفضون مشاركة المرأة‬ (الأناضول)

للرجال فقط  
وإذا كنت مسيرة بوتو في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي قد قادتها امرأة والتفت حولها الجماهير رجالا ونساء فإن "مسيرة الحرية" التي يقودها فضل الرحمن هذه الأيام ترفض مشاركة النساء فيها.   

تقول إحدى المحتجات -وتدعى شفاء يوسفزاي- تنديدا بهذا الموقف إنها "بينما بدأت تتحدث أمام كاميرا جاء رجل وبدأ يقول إن النساء لا يمكنهن المشاركة، وإنهن لا يستطعن البقاء وعليهن الرحيل".
    
وأضافت "خلال دقيقة واحدة طوقنا حشد من الرجال وبدؤوا يرددون شعارات، مما اضطرنا لمغادرة المكان"، معبرة عن استيائها من نظرة الحشد إليها "ككائن قادم من الفضاء".
    
أما الحقوقية الباكستانية مارفي سرمد فتقول إنه "بالنظر إلى مسيرة الحرية من بعيد يمكنني أن أرى بوضوح أن لا مكان للنساء في الديمقراطية التي يناضل مولانا في سبيلها"، متوجهة بسؤال إلى الديمقراطيين "هل هذا ما نريده؟".

‪السلطات الباكستانية تحول دون وصول المتظاهرين إلى المنطقة الحمراء في العاصمة إسلام آباد‬ (رويترز)
‪السلطات الباكستانية تحول دون وصول المتظاهرين إلى المنطقة الحمراء في العاصمة إسلام آباد‬ (رويترز)

التنحي
وفي خطابه للمتظاهرين الليلة الماضية، تعهد فضل الرحمن بمواصلة احتجاجه حتى يتنحى خان، وقال "إن خان هو الحاكم الأقل كفاءة في التاريخ السياسي للبلاد، وإن الإطاحة به ضرورية لإنقاذ باكستان وإنقاذ الناس من المزيد من المصاعب".

وأضاف أن تجمعه كان سلميا، لكنه زعم أن أنصاره يتمتعون بالقدرة على إخراج خان من السلطة عن طريق الدخول إلى مقر إقامته الرسمي، كما طلب من الجيش في البلاد أن يبقى حياديا "لأننا لا نريد أي مواجهة مع المؤسسات".

كما خاطب أنصاره قائلا "يجب أن نحرر الشعب من هذا النظام، لذلك أمامكم يومان للاستقالة"، مضيفا وسط هتافات الحشد "إذا لم يتحقق ذلك فسنتخذ إجراءات إضافية"، مؤكدا "لن نتسامح أكثر من ذلك"، دون أن يضيف تفاصيل.

خان يرد

وبالتزامن مع وصول مسيرة فضل الرحمن إلى العاصمة إسلام آباد أمس الجمعة بعد حصولها على دعم معارضي عمران خان من حزبي الرابطة (جناح نواز شريف) وحزب الشعب كان رئيس الوزراء الباكستاني يخاطب جمهوره في جلجت شمالي البلاد.

ومن تلك المنطقة الحدودية بدا عمران خان واثقا بنفسه، مؤكدا بشكل قاطع أنه لن يستقيل ولن يبرم اتفاق مصالحة مع "السياسيين الفاسدين".

وانتقد خان أحزاب المعارضة قائلا "خصومي يستخدمون الدين ضدي، لديهم أفكار مفككة وليس لديهم أي أجندة". 

كما هدد خصمه فضل الرحمن بملاحقات بتهم فساد، وقال إن "الزمن الذي يستخدم فيه الناس الإسلام ليكونوا في السلطة قد ولى، وكل الفاسدين يخافون بسبب فسادهم في العقد الأخير، إنهم يعرفون أنهم سيسقطون في النهاية".

كما أكد في كلمته أن معدلات الفساد في باكستان زادت خلال فترة حكم حزبي المعارضة "الرابطة الإسلامية"، و"حزب الشعب"، وأن حكومات الحزبين دمرت اقتصاد ومؤسسات البلاد.

‪القفر والبطالة يتزايدان في ظل الأزمة الاقتصادية بباكستان‬ (رويترز)
‪القفر والبطالة يتزايدان في ظل الأزمة الاقتصادية بباكستان‬ (رويترز)

الجانب الاقتصادي
وتعتبر المسيرة أكبر تحدٍ حتى الآن تواجهه حكومة رئيس الوزراء الباكستاني التي تحاول التصدي لتنامي النقمة الشعبية جراء التعثر الاقتصادي وارتفاع نسب التضخم التي ورثها خان وتزايدت بشكل ملحوظ خلال عام من حكمه.

ووصل عمران خان إلى السلطة السنة الماضية على أساس وعود بالاستثمار في البنى التحتية والبرامج الاجتماعية، لكن التباطؤ الاقتصادي وإجراءات التقشف تعيق جهوده.

ومقارنة موقفه الحالي وهو في السلطة بما كان عليه قبل توليه منصبه تكشف حجم المعضلة الاقتصادية التي يجد خان صعوبة بالغة في التعامل معها، فعندما كان في المعارضة وقبل توليه المنصب كان يدعو دوما إلى التوقف عن طلب دعم صندوق النقد الدولي، وكان يرى في محاربة التهرب الضريبي في باكستان السبيل الوحيد لزيادة الإيرادات والحيلولة دون "مد اليد" لطلب الدعم المالي من الخارج عموما، والدول الغربية خصوصا.

لكن بعدما وصل إلى السلطة بات أمام الواقع الصعب، ويحاول جاهدا إنقاذ الاقتصاد من براثن الركود ويسعى لتنفيذ جملة خطط متوازية على أكثر من صعيد، مع إبقاء الأمل معقودا على "جرعة الأكسجين" التي لم تضخ بعد بالصورة المأمولة.

وفي منتصف مايو/أيار الماضي أعلن صندوق النقد الدولي اتفاقا مع إسلام آباد لإقراضها ستة مليارات دولار تصرف خلال ثلاث سنوات.

وتطلب ذلك الاتفاق مفاوضات لمدة ثمانية أشهر تغير خلالها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، وذلك لتسهيل الاتفاق الذي كان مشروطا بإصلاحات، وهذا القرض يعزز احتياطات النقد الأجنبي التي لا تغطي أكثر من شهري استيراد.

وتعد الحكومة الباكستانية بأن القرض الجديد سيكون آخر قرض تأخذه من الصندوق، لأن الآمال معلقة على الاستثمارات الصينية الضخمة التي أعلن عنها في 2015 وتبلغ 60 مليار دولار وتندرج في سياق مسارات طريق الحرير أو ما باتت تسمى مبادرة الحزام والطريق العابرة للقارات.

لكن الشركات الباكستانية نفذت إضرابا الأسبوع الماضي على مستوى البلاد ضد الضرائب المفروضة مؤخرا، والتي تقول المعارضة إنها فرضت كجزء من خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي البالغة قيمتها ستة مليارات دولار لباكستان.

وفي اطار دفاعه عن تلك الخطوة، يصر عمران خان على أنه يتخذ إجراءات لتحسين الاقتصاد، لكن خصومه السياسيين يريدون انتخابات جديدة فورية، قائلين إن حكومة خان تخلق المزيد من المشاكل لحياة الرجل العادي.

كشمير
وإلى جانب الأزمات الداخلية، بلغت قضية كشمير التي تتصدر أولويات السياسة الخارجية الباكستانية مرحلة جديدة في الصراع مع الهند بعد أن أقدمت حكومة ناريندرا مودي على إلغاء الوضع الخاص لولاية جامو كشمير الذي كان يضمنه الدستور الهندي.

وأقر البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الهندوسي القومي المتطرف الخطوة، متضمنة قرارا بتقسيم الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير إلى منطقتين خاضعتين مباشرة لسلطة نيودلهي، كما أرسلت الهند ذلك مزيدا من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة.

ومع هذه النذر الحادة بالتهاب خط التماس مع الجارة اللدود الهند حذر عمران خان من اندلاع نزاع واسع، وانهمك الجنرالات الباكستانيون في تحديث الخطط العسكرية المعدة سابقا.

يضاف إلى ما سبق أن مكانة الهند لدى الولايات المتحدة تسبق باكستان بمراحل، وتجسد ذلك في مواقف واشنطن من أزمة كشمير والمساعدات التي كانت تقدمها لباكستان.

والعام الماضي ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساعدات عسكرية لباكستان بقيمة 300 مليون دولار قائلا "إن إسلام آباد لم تعطِ واشنطن إلا الأكاذيب والخداع اعتقادا منها أن قادتنا أغبياء". 

المصير
وتشي الأجواء الداخلية في باكستان والسياق الإقليمي والدولي التي تأتي فيه "مسيرة الحرية" التي يتزعمها فضل الرحمن بأن المسيرة التي قطعتها داخل البلاد من الشمال إلى الجنوب سيتم احتواؤها حتى لو امتدت أسبوعا أو أسبوعين.

ويعزز ذلك أن المعارضة الباكستانية ليست على قلب رجل واحد ورمال التحالفات بينها دائمة التحرك، وحديث الفساد الذي تعهد عمران خان عن مواجهته يطال الجميع، كما أن قطاعا كبيرا من الشعب الباكستاني لا يزال يراهن على عمران خان ويرى أن العام الذي أمضاه في السلطة ليس كافيا للوفاء بما تعهد به. 

المشهد الباكستاني حتى الآن لا يزال بعيدا عن العنف وخاليا، والمأمول أن يظل كذلك في ظل التدابير الأمنية من قبل قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية التي تعمل للحيلولة دون وصول المسيرة المناهضة للحكومة إلى المنطقة الحمراء، حيث توجد المكاتب الحكومية والبرلمان والسفارات الأجنبية.

أما الصورة التي بدا عليها فضل الرحمن ومناصروه فإنها قد تصب في مصلحة عمران خان، خصوصا أمام الجهات المانحة التي ترى فيه وجها أكثر قبولا من آخرين في الساحة الباكستانية، وأن تجعل المانحين الممتنعين يعيدون النظر في مواقفهم.

المصدر : الجزيرة