"نازل آخذ حقي".. مظاهرات العراق زحف نحو التغيير

Demonstrators gather as they take part in a protest over unemployment, corruption and poor public services, in Baghdad, Iraq October 2, 2019. REUTERS/Thaier al-Sudani
جانب من المظاهرات التي شهدتها بغداد اليوم الأربعاء (رويترز)
 
كثيرة هي المظاهرات وأسبابها في بلاد الرافدين، فحتى الأحزاب باتت تحتشد للتظاهر والخروج بأعداد ضخمة لاستعراض القوة، غير أن المظاهرات الأخيرة خلعت عباءة التحزب واتخذت لنفسها طابعا مدنيا مستقلا.
 
منذ انبلاج فجر أمس الثلاثاء وساحة التحرير في وسط بغداد كانت على موعد مع شبيبة وحدهم حب الوطن رغم تفرقهم في المطالب والغايات، مظاهرات دعا لها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل انطلاقها بأسبوع عمت أغلب محافظات العراق رافعة وسم "نازل آخذ حقي".

منظمو المظاهرات والمنخرطون فيها توافدوا بكثافة من أحياء ومناطق العاصمة المختلفة وهم يحملون الأعلام العراقية ويتوشحون بها، ولا تعرف لهم وجهة سياسية داعمة، فخروجهم أتى عفويا بعد أن أصبح السكوت جريمة وفق بعضهم.

المتظاهرون تجنبوا رفع أي رايات حزبية واكتفوا بالعلم العراقي (الأناضول)
المتظاهرون تجنبوا رفع أي رايات حزبية واكتفوا بالعلم العراقي (الأناضول)

الإصلاح ليس بالشعارات
حشود المتظاهرين التي أخذت بالتزايد والتمدد وسط إجراءات أمنية مشددة حملت مطالب تدعو لإصلاح المنظومة الحكومية، والعزوف عن الشعارات التي ترفعها الأحزاب، ولم تغير واقع تفاقم البطالة، وانعدام الخدمات وهبىوط مستوى التعليم واستشراء الفساد الذي بات موازيا لمنظومة الدولة وهم يهتفون "باسم الدين باكونا (سرقونا) الحرامية".

ويبدو أن تعاطي الحكومة مع الأزمات التي تعصف بالبلاد، وسياسة التسويف التي اعتاد عليها المواطن قد فاقمت معاناته وزادت الشارع غليانا، بعد أن أيقن الجمهور أن الطبقة السياسية القابضة على السلطة غير قادرة على إنتاج الحلول.

إجراءات أمنية مشددة في مواجهة المظاهرات (رويترز)
إجراءات أمنية مشددة في مواجهة المظاهرات (رويترز)

العنف بدل الحماية
القوات الأمنية الموجودة لحماية المظاهرات لم تتورع عن استخدام خراطيم المياه والقنابل الصوتية والغاز المدمع، إضافة إلى الرصاص المطاطي والحي لتفريق جموع المتظاهرين التي حاولت الزحف نحو المنطقة الخضراء عبر جسر الجمهورية حيث مقار الحكومة العراقية.

علي عماد أحد المتظاهرين الذين تعرضوا لرضوض نتيجة الدعس بإحدى مركبات قوات مكافحة الشغب التي كانت تندفع بسرعة كبيرة لتفريق الحشود المتدافعة على جسر الجمهورية، مؤكدا للجزيرة نت أن العشرات من رفاقه أصيبوا بالطريقة ذاتها.

الناطق باسم العمليات المشتركة يحيى رسول أكد أن التظاهر حق كفله الدستور، وأن واجب المؤسسة العسكرية حماية المواطن.

وأضاف رسول في حديثه للجزيرة نت "لا نتمنى أن تذهب المظاهرات بعيدا إلى أعمال التخريب والإخلال بالنظام، فالعراقيون يحبون بلدهم، وهم على درجة كبيرة من الوعي". 

المندسون من جديد
مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أصدر بيانا أوضح فيه أن لا فرق بين المتظاهرين الذين يمارسون حقهم في التظاهر السلمي وبين القوات الأمنية التي تحفظ أمنهم، لكن ثمة فرق بين الضحايا من المتظاهرين ومن يحميهم وبين المعتدين غير السلميين الذين رفعوا شعارات يحاسب عليها القانون.

تصريحات عبد المهدي كانت مثار جدل لدى الأوساط الشعبية، لا لكشفها عن معلومات جديدة ولكن لتكرارها وجود متظاهرين غير سلميين يعملون على حرف المظاهرات والعبث بأمن الدولة كما جردت العادة في المظاهرات الماضية، دون الكشف عن كنه تلك الرواية وتسمية المندسين والجهة التابعين لها.

ويرى الباحث في الشأن السياسي العراقي إحسان الشمري في حديثه للجزيرة نت "أن اتهام المتظاهرين بأنهم جزء من مشروع فوضوي أو أجندة خارجية سببه عدم قدرة القيادات السياسية على تقديم التنازلات أو استيعاب المطالبين بالحقوق، وأنهم كانوا سببا في وصول هذه الجموع لحالة اليأس".

علي سلام أحد منظمي المظاهرات أكد أنها ستستمر ولا عودة للوراء، فالشعب الذي لم يلمس أي منجز على أرض الواقع لم يعد قادرا على الصبر أكثر.

وأضاف علي في حديثه للجزيرة نت "إننا نؤمن بأن المرجعية ستدعمنا بعد دعوتها للإصلاح والثورة على الفاسدين".

وسائل الاعلام المحلية هي الأخرى لم تكن بمنأى عن الاعتداء والاعتقال من قبل عناصر الأمن، وتعرض مراسلو قنوات محلية ودولية للمضايقة والضرب على يد تلك القوات، وطالب المرصد العراقي للحريات الصحفية السلطات الأمنية بالكشف عن مصير مصور قناة الرشيد الذي اعتقل صباح الأربعاء أثناء النقل المباشر لمظاهرة وسط بغداد.

وفي خضم الأحداث المتسارعة، بدأ القلق يدب لدى الأوساط السياسية بشأن ما ستؤول إليه المظاهرات غير المؤدلجة، هل هي الشرارة الأولى نحو تغيير الواقع برمته، أم أنها ستنتهي بفورة غضب ويبقى الواقع قائما؟

المصدر : الجزيرة