بعضهم لا يملكون قوت يومهم.. ثورة الجياع في مدينة الصدر
ويضيف الرجل المفجوع علي قاسم -وحوله نحو عشرة من الأقارب جاؤوا لتقديم العزاء له- إن هذه كانت أول مظاهرة لولده أمير الذي يبحث عن عمل.
مشهد في تقرير لمراسلة صحيفة لاكروا الفرنسية فيرجيني لوبورن، قالت فيه إن منطقة الصدر الفقيرة والمكتظة في بغداد لا تزال تندلع فيها الاشتباكات العنيفة رغم أن العاصمة استعادت بعض الهدوء بعد المظاهرات التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري وخلفت مئة قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح.
وأضافت المراسلة أن الشوارع المتوازية في مدينة الصدر، وهي ضاحية في شمال شرق بغداد، تظهر فيها صور للشباب الذين فقدوا حياتهم في المظاهرات يوما بعد يوم.
ثورة الجوع
وتقول المراسلة إن حمزة غندوس (29 عاما) قرر مع أصدقائه تنظيم حفل تكريم للقتلى، ثم وزعوا بعض المنشورات قبل السير عند الساعة الثالثة إلى ميدان التحرير، موضحا أن النشاط سيكون "النزول من بداية الشارع للمطالبة بحقنا في حياة مزدهرة وفي الكرامة، إنها ثورة الجوع".
ويقول حمزة -الذي توقف عن الدراسة في سن السادسة عشرة عام 2006 بعد مقتل معلمه أمام المدرسة- إنهم بعد الغزو الأميركي عام 2003 فقدوا مفهوم المستقبل، مضيفا أن أي شاب حتى لو كان خريجا سينتهي به الأمر إلى العمل نادلا في مقهى لأنه لا يوجد عمل.
وتشير المراسلة إلى شاب آخر مصاب بجروح يدعى موسى إبراهيم قال إنه لم يجد الوقت أبدا ليسأل نفسه عن العمل الذي يريده، لأن الحاجة تدفعه إلى القيام بأي عمل يجده، وهو الآن يبيع الشاي، مضيفا أن هذه ثاني مرة يصاب فيها في المظاهرات.
ويقول موسى إن "الناس لديهم انطباع سيئ عني لأنني قادم من مدينة الصدر، وكلما حدث شيء سيئ يقولون إنه آتٍ من هناك"، في إشارة إلى أن هذا الحي الشيعي المحروم الذي يربو سكانه على مليونين تميز تاريخه بالصدامات المتكررة -خاصة بعد الغزو الأميركي- حين أصبح يمثل غياب الخدمات العامة والوظائف، خاصة مع استشراء الفساد في البلد.
يأكلون من القمامة
وفي تقريرها، التقت المراسلة بمديحة سالم التي لا تهتم كثيرا بالتطوير الذي يجري في الشارع حولها، فقالت "أنا بحاجة إلى كل شيء إلا هذا، الحكومة تعطينا كل شهر القليل من الطعام ولكن في الآونة الأخيرة لم نجد سوى النفط والأرز والسكر".
وتقول الستينية -التي تقيم في الحي منذ أكثر من خمسين سنة والتي مات زوجها الجندي السابق عام 1995، وقتل صهرها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية بالموصل- إنها لا ترغب في رؤية التاريخ يعيد نفسه، وإنها تتفهم غضب العراقيين.
وتضيف مديحة "إنهم متعبون، بعض الشباب ليس لديهم فلس، هناك بعض الناس يبحثون عن الطعام في القمامة"، مضيفة "لدي معاش شهري قدره 264 دولارا يجب أن أعيل منه تسعة أطفال، منزلي قديم يتسرب الماء من خلال سقفه، وعلي دفع 49 دولارا شهريا للمولد الكهربائي لأن الكهرباء الحكومية تقطع كل ساعتين".
وتعدد المراسلة بعض الحالات المشابهة لمديحة، مشيرة إلى صعوبة الوصول للعلاج الطبي في مدينة الصدر بسبب غلاء الفاتورة وقلة ذات اليد، مشيرة إلى أن القضايا السياسية تنسحب إلى الخلفية في مواجهة هذه الصعوبات اليومية.
وفي هذا الحي يتعايش سياسيا بعض الشباب الذين يزعمون أنهم بلا زعيم ديني رغم الدعم الكبير للزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يعترف بعض الناس بأنه أصبح "محبطا تجاهه بسبب نقده للحكومة التي هو في نفس الوقت جزء منها".
تحضير لمظاهرة جديدة
وتلفت المراسلة النظر إلى أن الطبيعة التلقائية وغير السياسية وغير الطائفية للمظاهرات أثارت الكثير من العراقيين الذين يؤكدون على الجانب المبتكر فيها.
ويقول علي شاسب (29 عاما) إن "المشكلة الرئيسية في مجتمعنا هي أن الدين يختلط بالسياسة، ولا يتم الحكم عليك كمواطن ووفقا للقانون بل وفقا لعدالة دين معين".
وتشير المراسلة إلى ما قاله أحد الشباب عن أنهم سيتظاهرون مجددا للإشادة بالضحايا وللتعبير عن إرادة الانتقام، مضيفا "شبابنا يموتون، والسياسيون جالسون على كراسيهم".
وتختم المراسلة بأنه من هنا وحتى يتغير النظام فإن جميع الأجيال تستعد لمظاهرة جديدة بعد انتهاء الشيعة من زيارة أربعينية الإمام الحسين .