سيدي بوزيد.. قطار التنمية لم يتحرك في مدينة الثورة

محمد علي لطيفي.. صورة محمد البوعزيزي تزين الشارع الرئيسي لسيدي بوزيد
صورة محمد البوعزيزي تزين الشارع الرئيسي لسيدي بوزيد (الجزيرة نت)

محمد علي لطيفي-سيدي بوزيد

لا تبتسم محافظة سيدي بوزيد كعادتها، فجرحها الدفين لم يلتئم بعد الثورة، وقطار التنمية توقف منذ عقود، ووعود التشغيل لم تغادر سجلات الحكومة، هذه المدينة الفقيرة لم تتغير ملامحها رغم مرور ثمانية أعوام على اندلاع الثورة، فكل ما جنته هو دموع أمهات الشهداء وانتشار الفقر والدماء.

الاحتجاجات والمواجهات الساخنة لم تنته منذ بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2010، وخيمات الاعتصامات منتشرة في كل مكان، حتى أن مرور الذكرى الثامنة لأحداث 17 ديسمبر/كانون الأول بدت باهتة في قلوب الأهالي، رغم أن المدينة العروس لبست كل حليها للاحتفال، في حين بقي مطلب التنمية معلقا إلى إشعار غير مسمى.

‪بلال الغربي من شباب الثورة أمام مجسم لعربة البوعزيزي‬ (الجزيرة نت)
‪بلال الغربي من شباب الثورة أمام مجسم لعربة البوعزيزي‬ (الجزيرة نت)

غياب التنمية
في هذه المحافظة المنسية، حيث تعج المقاهي بدخان سجائر آلاف المعطلين عن العمل، يجلس بلال الغربي أحد شباب الثورة، في ركن أحدها، رفقة أصدقائه العاطلين عن العمل، الذين اعتادوا على قتل وقتهم في هذا المقهى أو غيره من المقاهي التي ملأت المدينة.

بنظرات متثاقلة تحمل خيبة سنين انتظار الوظيفة، يشير بأصبعه إلى نصب تمثال محمد البوعزيزي ملهم الثورة التونسية، وهو يقول للجزيرة نت لقد سرقوا الثورة منا، مثلما سرقوا أحلامنا، هنا كل الأجساد ما زالت تمسك أعواد ثقاب الكبريت لإشعال الثورة من جديد، بشكل قد يكرر حادثة إضرام محمد البوعزيزي.

يراقب الغربي وجوه المارة الشاحبة التي غابت عنها البسمة وحل محلها القلق والكآبة، وهو يستحضر الأحداث التي عاشتها سيدي بوزيد خلال الثورة، وبنبرة يأس في حديثه يضيف للجزيرة نت أن المطالب التي ثار لأجلها التونسيون ما زالت صعبة المنال، فالشباب اليوم يفضل أن يكون طعاما لأسماك البحر على البقاء في تونس.

‪صورة عملاقة لمحمد البوعزيزي رمز الثورة التونسية‬ (الجزيرة نت)
‪صورة عملاقة لمحمد البوعزيزي رمز الثورة التونسية‬ (الجزيرة نت)

زخم ثوري
تبدو حركة الشارع وسط الاكتظاظ المروري في هذه المدينة الفقيرة دون زخم ثوري، فالسكان هنا لا يشعرون بتغييرات جذرية في حياتهم، وإن أجمعوا على أنهم أصبحوا يتمتعون بالحرية عن حق في هذه المدينة الفقيرة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي وألهمت عددا من البلدان العربية بالانتفاض ضد القمع والدكتاتورية.

بالقرب من ساحة الثورة يقف الناشط الحقوقي زهير غنيمي يتأمل عربة محمد البوعزيزي، ذلك الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده أمام مقر المحافظة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، احتجاجا على مصادرة شرطية لمصدر رزقه الذي كان عبارة عن عربة صغيرة لبيع الخضروات والفواكه.

يقول الغنيمي للجزيرة نت إن محافظة سیدي بوزيد حققت الكثير من الإنجازات بعد الثورة، لعل أهمها مكسب حرية التعبير، لكن رياح الأوضاع الاقتصادية لم تأت بما تشتهي سفن أهالي المدينة بتحسين الظروف المعيشية، وتوفير فرص عمل للعاطلين، لعل أبرزها تراجع الزخم الثوري، رغم تحقيق بعض الإنجازات.

على مسافة تناهز عشرات الأمتار يجوب المثقف المسرحي ساحة البوعزيزي، هو يدرك أن شرارة الثورة التي جسدها في أحد أفلامه الوثائقية ما زالت مستمرة، ومطالب التنمية حلم قد تحققه الأجيال القادمة، يقول للجزيرة نت إن الثورة حمراء كالجمر يقودها الشجعان، لكن يجني ثمارها الانتهازيون.

‪الأسعد البوعزيزي: المطالب الشعبية لم تتحقق رغم مرور 8 سنوات على الثورة‬ (الجزيرة نت)
‪الأسعد البوعزيزي: المطالب الشعبية لم تتحقق رغم مرور 8 سنوات على الثورة‬ (الجزيرة نت)

تنمية وعدالة
على وقع الدعوات التي تنادي بالتنمية تنتشر على جدار مدخل المدينة كتابات عدة، خطّها شباب سيدي بوزيد الحزينة، حملت شعارات كثيرة تنادي بالشغل والتمييز الإيجابي بين المناطق، وتحمّل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة المسؤولية لأنها لم تنجح في تحقيق مطالب ثورتهم.

ويرى الناشط السياسي محمود الغزلاني في تصريح للجزيرة نت أن انهيار قيمة الدينار الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، أوجد قلقا لدى الفئات محدودة الدخل، في ظل تفاقم الاحتكار والتھريب، مما سبب أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة خاصة في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة.

وشدد الغزلاني على ضرورة تثبيت جملة من المبادئ وتفعيلها بعد مرور هذه السنوات، هي بالأساس الحق في التشغيل والتمييز الإيجابي وتقليص الفوارق بين الجهات وإعطاء جهة سيدي بوزيد حقها على مستوى التنمية العادلة.

أما الأسعد البوعزيزي الناشط في الحراك الثوري، بعد خروجه من سجون بن علي، فيؤكّد للجزيرة نت أن المطالب الشعبية لم تتحقق رغم مرور ثماني سنوات من اندلاع الثورة، التي نادت بالحرية والتشغيل والعدالة الاجتماعية مما ولد خيبة أمل لدى المناطق الفقيرة التي تفاقمت فيها البطالة والتهميش.

وبحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء بلغت ارتفاع نسبة البطالة في تونس 15.5%، أي 639 ألفا من مجموع السكان النشطين، في حين ارتفع عدد المقاهي إلى حدود 25 ألف مقهى، وفق ما تؤكده بيانات المعهد الوطني للإحصاء.

المصدر : الجزيرة