المسيحيون المغاربة.. بين اتهامات بالتنصير ومزاعم التضييق

المسيحيان المغربيان فرح بن القايد وآدم الرباطي في الكنيسة المنزلية التي توجد في بيتهما/ ضواحي الرباط
آدم وفرح طالبا بتشريع الزواج الكنسي وإلغاء إجبارية مادة التربية الإسلامية بالتعليم (الجزيرة)

سناء القويطي-الرباط

قرر زوجان مغربيان التحول للمسيحية والخروج للعلن بوجه مكشوف من أجل الدفاع عن حقوق المسيحيين المغاربة.

آدم -واسمه السابق محمد- قس "كنيسة المجد" التي يحتضنها منزله بضواحي الرباط، قال للجزيرة نت إنها ليست مكانا للتعبد فقط، بل لاجتماع الأقلية المسيحية من أجل تبادل الهموم ودعم بعضهم بعضا.

وبعد أن ارتدا عن الإسلام حوّل الزوجان فرح وآدم بيتهما إلى كنيسة يستقبلان فيها المسيحيين المغاربة لإقامة صلوات جماعية وتلاوة الكتاب المقدس وترديد الترانيم.

وأشار آدم الرباطي إلى بطن زوجته الحامل بشهرها الخامس، وقال إن انتسابهما إلى الجمعية المغربية للحقوق والحريات الدينية ليس من أجلهما فقط، بل من أجل الجيل الأول من المسيحيين المغاربة الذي ولد لآباء وأمهات مسيحيين.

آدم الرباطي وفرح بن القايد تزوجا وفق مدونة الأسرة في المغرب التي تستند إلى الشريعة الإسلامية. ويقول الزوج "لا توجد سوى هذه الطريقة ليكون زواجنا رسميا، رغم أنها تخالف معتقداتنا".

ولفت لعدم تعرضه لأي مضايقات خلال استخراجه وثائق عقد الزواج، لكنه يشكو من أن جل تحركاته تتم تحت أعين السلطات ورقابتها اللصيقة.

أما فرح فتحمل صفة المتحدثة الرسمية باسم لجنة المسيحيين بالجمعية، وتلخص مطالبهم في "حق ممارسة الطقوس الدينية بالكنيسة والزواج الكنسي وتسمية الأبناء بأسماء مسيحية ودفن موتاهم في مقابر خاصة ثم إلغاء إجبارية مادة التربية الإسلامية بالتعليم".

تمييز أم فتنة؟
وكثف المسيحيون المغاربة تحركاتهم في الآونة الأخيرة ترقبا لزيارة البابا فرانشيسكو للمملكة أواخر مارس/آذار المقبل وفق ما أعلن الفاتيكان.

وأطلقوا بهذه المناسبة "دينامية مارس من أجل حقوق المسيحيين المغاربة"، ويعتزمون خلالها إقامة صلاة علنية أمام كنيسة القديس بطرس بالعاصمة المغربية، ومراسلة سفارة الفاتيكان بالرباط بشأن مطالبهم.

ومن المقرر أن تزور المغرب هذا الشهر المقررة الأممية الخاصة بالتمييز العنصري والكراهية، وينتظرها تقرير أعدته جمعية الحقوق والحريات الدينية، يتضمن مزاعم بالترهيب وضغوطات تتعرض لها الأقليات الدينية.

هذه التحركات يقابلها حذر من السلطات في التعامل مع ملف الأقليات الدينية. ويرى مراقبون أن الحديث عن مضايقات تمس حرية المعتقد ينطوي على كثير من التهويل والتضخيم ومحاولة لافتعال مواجهة بين المسلمين وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى على قلتهم لصالح أجندات خارجية.

وتضمن "إمارة المؤمنين" بالمغرب لجميع المواطنين حرية ممارسة معتقداتهم وشعائرهم الدينية، وفق ما أوضح للجزيرة نت عضو المجلس العلمي الأعلى لحسن بن إبراهيم السكنفل.

وأوضح أن هذه الحرية مقرونة بأن لا يكون معتنقو المذاهب والديانات الأخرى أداة في يد من يريد إحداث الفتنة في البلاد والمس بالأمن الروحي والنظام العام.

وبهذا الصدد، اتهم السكنفل "جماعات التنصير التي تريد جر البلاد لفتنة" باستعانتها بمغاربة لنشر المسيحية "ونحن لا يمكننا السكوت عنها".

‪كاتدرائية القديس بطرس تقع بساحة الجولان بالعاصمة الرباط ويعود تأسيسها لعام 1921‬ (الجزيرة)
‪كاتدرائية القديس بطرس تقع بساحة الجولان بالعاصمة الرباط ويعود تأسيسها لعام 1921‬ (الجزيرة)

بين الحرية والجريمة
وبينما لا يمنع القانون تغيير الدين، فإنه يعتبر التنصير جريمة يعاقب عليها القانون، وتنص المادة 220 من القانون الجنائي على السجن من ستة أشهر لثلاث سنوات وغرامة بحق كل من "استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، أو استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم".

غير أن المنصرين يلجؤون إلى حيل للالتفاف على هذا القانون، وفق ما كشفت عنه برقية سرية للسفارة الأميركية بالرباط نشرها موقع ويكيليكس عام 2011، ونقلتها مصادر إعلامية مغربية.

وتكشف البرقية أن الإستراتيجية الجديدة للتنصير تعتمد على المنصرين المحليين من أجل استقطاب معتنقين جدد عوض الحملات التي كان يقودها أجانب.

خط أحمر
وكان وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد قد صرح في البرلمان العام الماضي بأن حرية المعتقد محسومة من الناحية الحقوقية والدينية، إلا أنه حذر من الناحية السياسية من أن "تتحول البلاد إلى شعوب وطوائف مقسّمة".

ويرى النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية (الذي يقود الائتلاف الحكومي) خالد البوقرعي أن التحركات التي يقوم بها من يطلقون على أنفسهم المسيحيين المغاربة تهدف لإظهارهم بمظهر الأقلية المضطهدة، وهو مدخل قد يوظف مستقبلا من أجل الضغط على المغرب والتدخل في شؤونه الداخلية وفرض أجندات عليه، على حد قوله.

وقال للجزيرة نت إن كل مغربي حر في الإيمان بالمعتقد الذي يقتنع به، لكن أن يكون في تواصل مع جهات خارجية توجهه وتدعمه وتموله "فهذا لا نقبل به وخط أحمر، وعلى الدولة أن تنتبه إليه وأن تعمل على محاصرته لأن الأمر يرتبط بأمن الدولة".

واعتبر النائب أن النشاط العلني للمسيحيين في المملكة امتداد لتحركات تجري على قدم وساق في الدول العربية لتوسيع رقعة المنتسبين لبعض الأقليات.

ولا توجد إحصائيات رسمية عن أعداد المسيحيين المغاربة، غير أن التقرير السنوي للخارجية الأميركية بشأن الحريات الدينية الصادر العام الجاري قدر عددهم ما بين 2000 و6000 موزعين على جميع أنحاء المملكة.

المصدر : الجزيرة