"كايرو بايك".. هل تنقذ الدراجات الهوائية القاهرة من التلوث والزحام؟

مشروع "كايرو بايك" يهدف إلى تخفيف الازدحام المروري وخفض التلوث البيئي في العاصمة المصرية (مواقع التواصل)

القاهرة- أعادت مصر إحياء مشروع الاستخدام التشاركي للدراجات الهوائية في شوارع القاهرة التي أنهكها التلوث والزحام، بالتزامن مع استعداد البلاد لاستضافة قمة المناخ (COP27) في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

المشروع الذي يحمل اسم "كايرو بايك" (دراجات القاهرة) يهدف -حسب التصريحات الرسمية- إلى تعزيز استخدام الدراجات الهوائية في القاهرة للمساعدة على تخفيف الازدحام المروري، وخفض التلوث البيئي الذي تعاني منه العاصمة المصنفة ضمن أكثر مدن العالم تلوثا وازدحاما.

وأعلنت السلطات المحلية في العاصمة المصرية قبل أيام أن المشروع -الذي طُرح للمرة الأولى عام 2017- سيبدأ تشغيله رسميا منتصف يوليو/تموز القادم، بدعم أممي وتمويل سويسري.

كيف يعمل المشروع؟

  • يقوم المشروع على نظام مشاركة الدراجات، حيث يقوم المواطن باستئجار الدراجة من إحدى المحطات وتركها في محطة أخرى.
  • يبدأ تطبيق المشروع في مناطق وسط المدينة وغاردن سيتي والزمالك بعدد 500 دراجة على مرحلتين: الأولى منتصف يوليو/تموز والثانية منتصف سبتمبر/أيلول المقبلين.
  • توزع الدراجات على 45 محطة تعمل بالطاقة الشمسية في أماكن إستراتيجية بهذه المناطق تتكامل مع محطات المترو وخطوط النقل العام.
  • يتم تتبع الدراجات عبر نظام التموضع العالمي (جي بي إس).
  • يستطيع المستخدم الوصول إلى الدراجات المتاحة عبر تطبيق على هاتفه الذكي يسمح له بفتح قفل الدراجة واستخدامها، بأسعار تبدأ من جنيه واحد للساعة (الدولار يساوي 18.7 جنيها).
  • تم تنفيذ المشروع بدعم من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وتمويل من مؤسسة دروسوس السويسرية بقيمة 1.4 مليون دولار، ودعم فني وإشراف معهد سياسة النقل والتنمية.
    إطلاق مشروع "كايرو بايك" يأتي بالتزامن مع استعداد مصر لاستضافة قمة المناخ (مواقع التواصل)

التجمل لقمة المناخ

لم يذكر الإعلان الرسمي سبب تأخر إطلاق المشروع خلال السنوات الماضية، وتراجعه لحساب مشروعات أخرى لبيع الدراجات بواسطة الدولة.

لكن التصريحات الرسمية أشارت إلى أن إطلاق المشروع مرتبط باستعدادات مصر لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP27) الذي سيعقد في مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويأمل المواطنون أن يتم تعميم المشروع بشكل واسع، وألا يكون خطوة تجميلية مؤقتة تصاحب المؤتمر ويتم إهمالها لاحقا.

وكانت السلطات المصرية أطلقت عام 2019 مبادرة بعنوان "دراجة لكل مواطن" لتوزيع الدراجات على المواطنين وطلاب الجامعات بأسعار مخفضة، وقالت وزارة الشباب والرياضة وقتها إن المرحلة الأولى ستشمل توزيع 100 ألف دراجة.

ولكن وبعد مرور نحو 3 سنوات لم يتم توزيع سوى 9600 دراجة على 3 مراحل عبر مبادرة "دراجتك صحتك".

وشهدت المرحلة الأولى توزيع ألف دراجة فقط، رغم أن العدد الذي تقدم للحصول على الدراجات بلغ 53 ألف طلب حسب وزارة الشباب والرياضة، في حين ازدادت الطلبات في المراحل التالية.

عدد متواضع

ويرى خبراء أن 500 دراجة التي سيبدأ بها مشروع "كايرو بايك" عدد محدود لإحداث فارق مروري أو بيئي في مدينة كبيرة مثل القاهرة، ولكن الرقم قد يكون مقبولا على نحو تجريبي، على أن يكون بداية لسلسلة واسعة من المراحل اللاحقة.

وتظهر ضآلة العدد إذا تمت مقارنته بدول أخرى تتبنى مشروعات النقل التشاركي بالدراجات الهوائية، وعلى رأسها الصين التي قُدّر عدد الدراجات التشاركية فيها عام 2017 بـ30 مليون دراجة يستخدمها نحو 300 مليون صيني.

رسم تخيلي لمسارات الدراجات الهوائية المفترضة في شوارع وسط القاهرة (مؤسسة ندى لطرق مصرية آمنة)

الأمان والبنية التحتية

باستثناء الحديث عن المحطات، تجاهل الإعلان عن المشروع أي تفاصيل تتعلق بالبنية التحتية وعوامل السلامة اللازمة لنجاح المشروع، وعلى رأسها تخصيص مسارات آمنة لسير الدراجات أو تركيب إشارات مرورية ووضع علامات لراكبي الدراجات الهوائية، أو توزيع قبعات (خوذات) أمان.

وتشكل الشوارع المصرية تحديا كبيرا لراكبي الدراجات لأنها غير مهيأة لوجود الدراجات ومصممة في الأساس لخدمة السيارات.

وبالنظر إلى تجارب العديد من الدول في هذا المجال، نجد اهتماما متزايدا بتوفير ممرات خاصة للدراجات؛ ففي باريس أعلنت السلطات العام الماضي أنها ستضيف 180 كيلومترا من ممرات ركوب الدراجات، لتصبح المدينة صديقة بالكامل للدراجات بحلول عام 2026.

وفي عام 2015، أعلنت تركيا تقديم حوافز واسعة للمؤسسات المحلية الخدمية التي تقوم بإنشاء ممرات لسير الدراجات الهوائية، حيث يتم منح المؤسسة دراجة واحدة عن كل متر من الممرات تقوم بإنشائه.

رئة القاهرة المنهكة

وتبرز أهمية التوسع في هذه المشروعات التي تقلل استخدام وسائل النقل الآلية في العاصمة المصرية بالنظر إلى أن القاهرة تعد واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا وازدحاما.

واحتلت القاهرة عام 2018 المركز الأول كأكثر المدن تلوثا في العالم، وفقا لتقرير شركة "إيكو إكسبرتس" للطاقة (Eco Experts) الذي يقيس تلوث الهواء والضوء والضوضاء في المدن حول العالم.

وأحدث التقرير الذي نشرت مجلة "فوربس" (Forbes) نتائجه وقتها ضجة واسعة، ولاقي انتقادات كبيرة من السلطات المصرية التي قالت إن التقرير يشوبه "عدد من العيوب في المنهجية والنتائج".

وأوضحت وزارة البيئة في ردها على التقرير أن أغلب نسب تركيزات الملوثات لا تتعدى النسبة القانونية.

لكن الوزارة تجاهلت الإشارة إلى أن النسب القانونية في مصر تعادل أضعاف المعايير المسموح بها عالميا، حيث تصل إلى 14 ضعفا بالنسبة للجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكروغرام، و6.6 أضعاف بالنسبة للجسيمات العالقة أقل من 10 ميكروغرامات.

ولكن في الأعوام التالية حققت القاهرة بعض التحسن في ما يتعلق بتراجع التلوث، واحتلت المركز 34 في تقرير إيكو إكسبرتس الأخير لعام 2021.

وأسهمت في ذلك بشكل كبير عملية الإغلاق الجزئي التي بدأت عام 2020 خلال تفشي فيروس كورونا، الذي أدى إلى تحسن جودة الهواء في القاهرة الكبرى بنسبة 36%، بعد شهرين من الإغلاق وفقا لتصريحات وزارة البيئة المصرية وقتها.

ولعب الارتفاع المتكرر لأسعار الوقود دورا في دفع كثير من المصريين إلى التخلي عن استخدام السيارات الخاصة قدر المستطاع، بجانب التوسع في عمليات النقل الجماعي ونشر الحافلات الكهربائية وزيادة محطات الخط الثالث لمترو القاهرة.

الازدحام المروري في القاهرة الكبرى يكلف الاقتصاد 8 مليارات دولار كل عام وفق تقديرات البنك الدولي (أسوشيتد برس)

ازدحام وتلوث

وتشير بيانات إدارة مرور القاهرة إلى أن أكثر من 3 ملايين سيارة وشاحنة وحافلة تزدحم بها شوارع القاهرة كل يوم.

واحتلت القاهرة المرتبة 41 عالميا والأولى أفريقيا في قائمة المدن الأكثر ازدحاما عام 2021، وفقا لمؤشر "توم توم ترافيك" (Tomtom Traffic).

وتعد عوادم السيارات التي تزيد مع الازدحام المروري من أكبر ملوثات الهواء في مصر بشكل عام والقاهرة بشكل خاص.

ويزيد الوضع سوءا بسبب الطبيعة المناخية والطبوغرافية للقاهرة بمبانيها المرتفعة وشوارعها الضيقة التي تحبس الملوثات في الهواء الضبابي الكثيف فوق العاصمة، في ظل ندرة الأمطار والمناخ الجاف.

تكاليف باهظة

للازدحام المروري والتلوث فاتورة باهظة يدفعها المصريون من أعمارهم وصحتهم وأموالهم. ويلجأ نحو مليوني مصري سنويا إلى العلاج الطبي في عيادات الصدر والجهاز التنفسي بسبب الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء، التي تشمل الالتهابات الرئوية والسكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة، حسب وزارة الصحة المصرية.

وقدرت دراسة للبنك الدولي عام 2019 عن تكلفة تدهور البيئة في مصر أن متوسط الوفيات المبكرة السنوية بسبب التعرض للجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكروغرام في القاهرة الكبرى وحدها يصل إلى 12 ألفا و600 حالة، بالإضافة إلى نحو 3 مليارات يوم عمل ضائع بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء.

في حين بلغت تكلفة تلوث الهواء في القاهرة الكبرى 47 مليار جنيه، أي ما يعادل 1.35% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2016-2017، وتشمل هذه التقديرات تكاليف الرعاية الصحية، وخسائر دخل الموظفين، وانخفاض الإنتاجية نتيجة الأمراض المزمنة.

وفي الوقت نفسه، فإن الازدحام المروري في القاهرة الكبرى يكلف الاقتصاد ما يصل إلى 8 مليارات دولار كل عام (نحو 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر عام 2014)، وفقًا لدراسة حول زحمة السير في القاهرة أعدها البنك الدولي في مايو/أيار 2014.

المصدر : الجزيرة