كيف تسللت الكلمات العربية إلى لغة الشباب الفرنسي؟

استخدام الكلمات العربية أصبحت طريقة يعبّر بها الشباب الفرنسي عن ذاته، مثلما يستخدم كثيرون اللغة الإنجليزية للظهور بشكل جذاب.

كيف تسللت الكلمات العربية إلى لغة الشباب الفرنسي؟
آخر التقديرات تشير إلى وجود حوالي 500 كلمة في اللغة الفرنسية يستخدمها الشباب الفرنسي (شترستوك)

سواء كنت تعيش في ضواحي باريس أو في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية، فمن الطبيعي أن تسمع يوميا كلمات عربية على ألسنة الشباب الفرنسي. فما أصل هذه الظاهرة؟ ولماذا يستخدم الفرنسيون عبارات من اللغة العربية؟

في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية، تقول الكاتبة ماري ليفين ميشاليك إن كلمات مثل "والله" (Wallah)، و"خلّص" (khallass) و"خبطة" (khapta)، أصبحت عبارات متداولة ومنتشرة بين الشباب الفرنسي، ويفهمها الجميع تقريبا رغم أنها كلمات غير فرنسية.

كيف تسللت الكلمات العربية إلى لغة الشباب الفرنسي؟
الكلمات العربية تسللت أيضا إلى الشباب الفرنسي من أبناء الطبقة البرجوازية (شترستوك)

يقول الشاب الفرنسي ديجونيه -الذي لم يسبق له أن زار الجزائر أو المغرب أو تونس- عن أصل تلك الكلمات "إنها عربية على ما أعتقد. هذه هي الطريقة التي نتحدث بها، إنها لغة الشباب اليوم". وتؤكد مواطنته بارتي (20 عاما) أنها تستخدم يوميا عبارات مثل "خبطة" و"خذ بالك".

وحسب الكاتبة، فإن الأمر الملفت للنظر أن هذه العبارات لا تُستخدم فقط في ضواحي باريس، حيث يعيش أبناء الجالية المغاربية، لكنها تسللت أيضا إلى أبناء الطبقة البرجوازية.

ظاهرة قديمة

يقول عالم اللسانيات الفرنسي جان بروفوست -مؤلف كتاب "أسلافنا العرب"- إن اللغة الفرنسية استوعبت في الماضي الكثير من الكلمات من الإيطالية والإسبانية، وأيضا من العربية، مثل "Café" (قهوة)، و"orange" (برتقال)، و"épinard" (سبانخ)، و"tasse" (فنجان).

كيف تسللت الكلمات العربية إلى لغة الشباب الفرنسي؟
التلاقح بين اللغتين الفرنسية والعربية بدأ خلال الحروب الصليبية (شترستوك)

وحسب بروفوست، فإن التلاقح بين اللغتين الفرنسية والعربية بدأ خلال الحروب الصليبية، ثم ظهرت كلمات كثيرة في اللغة الفرنسية من أصل عربي، مثل "visir" (الوزير)، و"emir" (الأمير)، والمنتجات مثل "café" (قهوة) و"argan" (الأرغان)، وكلمات أخرى خلال الحرب مع الجزائر مثل "bled" (بلاد)، واستمر الأمر من خلال التجارة الموازية وأغاني الراب وغيرها من العوامل. وتشير آخر التقديرات إلى وجود حوالي 500 كلمة في اللغة الفرنسية من أصل عربي.

يقول الشاب الفرنسي آرثر "نحن نستخدم هذه العبارات في حياتنا اليومية ونعبّر من خلالها عن مشاعرنا". هناك العديد من الأمثلة، مثل "La hchouma" (الحشومة) وتعني "الحشمة"، و"la moula" وتعني المال، و"bsahtek" (بصحتك) التي تعني أحسنت.

وتعتقد الكاتبة أن استخدام الكلمات العربية أصبحت طريقة يعبّر بها الشباب الفرنسي عن ذاته، مثلما يستخدم كثيرون اللغة الإنجليزية للظهور بشكل جذاب. وتقول بارتي في هذا السياق "إنها موضة، نستخدمها فقط لمواكبة العصر".

ويوضح لوك بيشلي -عالم اللسانيات الاجتماعية والمحاضر بجامعة "أفينيون" (Avignon)- أن العربية المُستخدمة في فرنسا "هي بالأساس اللغة العربية المغاربية، ونادرا ما تُستخدم اللغة العربية الأدبية في فرنسا".

ويستخدم الشباب الفرنسي الكثير من العبارات العربية المتعلقة بالعائلة والأصدقاء، مثل "les khouyas"، أي الإخوة، و"sahbi"، ومعناها صديقي. ويضيف بيشلي أن الكثير من العبارات المتعلقة بالإهانات أصبحت مستوحاة من العربية، مثل عبارة "miskin"، والتي تعني مسكين.

كيف تسللت الكلمات العربية إلى لغة الشباب الفرنسي؟
الكلمات العربية يستخدمها الشباب الفرنسي نتيجة لاندماج المهاجرين وبخاصة من شمال أفريقيا (شترستوك)

الراب ووسائل التواصل

يتابع بيشلي -الذي كتب أطروحة حول اللغات ومسارات الاندماج للمهاجرين من شمال أفريقيا في فرنسا- أن الكثير من العبارات ذات الخلفية الدينية وغيرها من الكلمات تأتي من أغاني الراب.

ومن بين الأغاني التي أخذت رواجا كبيرا بين الشباب الفرنسي، أغنية "بوند أورغانيزي" (Bande Organisée)، التي جمعت المغني جوليان ماري مع 157 مغني راب من مرسيليا وباريس، وقد استخدم فيها كلمات عربية مثل "خبطة" و"الحمد لله".

وتقول بارتي إن "هذه العبارات تأتي من موسيقى الراب، لكن أيضا من مواقع التواصل الاجتماعي وتلفزيون الواقع وكرة القدم والأنشطة الترفيهية مثل الألعاب عبر الإنترنت".

ويرى بيشلي أن مصادر تلك العبارات متعددة فعلا، ومنها أغاني الراب ومواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يلتقطها جيل الشباب، لكن الكثير منها لا يدخل إلى القاموس الفرنسي.

ويتابع بيشلي -في هذا السياق- "سيبقى البعض، وسيختفي البعض الآخر، هذا أمر طبيعي" لكن انتشار هذه العبارات لا يدل حسب رأيه على مدى تأثر اللغة الفرنسية بالعربية رغم "أن هذه الكلمات تشكل فهمنا للعالم".

المصدر : لوفيغارو