عيناه في الجامعة أمه.. يحيى الجاعوني كفيف بدرجة الامتياز

الجاعوني مقبلا يد أمه . الجزيرة . مسجد السويلميين في منطقة الجبيهة شمال العاصمة الاردنية عمان
يحيى الجاعوني: خلال مرحلة الثانوية العامة تفرغت أمي لتدريسي حتى تمكنت من النجاح والحصول على معدل عال أهلني لدخول الجامعة الأردنية لدراسة الشريعة (الجزيرة)

اعتنت به فتى صغيرا، ثم درّسته شابا كفيفا في الثانوية العامة ليحصل بعدها على معدل مرتفع، لترافقه بالجامعة أعواما طوالا، درست له صفحات وصفحات من الكتب، وجهزت له الأبحاث تلو الأبحاث.

لم تتوقف الستينية أم يحيى والدة الشاب الكفيف يحيى الجاعوني عن الاهتمام بابنها الضرير طوال 26 سنة مضت، فصحبته منذ الطفولة وحتى حصوله على درجة الماجستير في الحديث قبل أيام.

كانت تصطحبه لمدرسة المكفوفين، ثم لقاعات المحاضرات في الجامعة الأردنية، ومنها للمكتبة لجمع الكتب والمراجع الضرورية، بعدها تتوجه لطباعة الأبحاث وتصويرها، وصولا إلى قاعة الامتحانات.

حفّظته كتاب الله كاملا بالتلقين، فرغم مرضه وفقده للبصر، فإنها أصرت على أن يحفظ القرآن الكريم، وخلال سنوات عدة أتمّ الشاب يحيى حفظ القرآن حتى بات إماما للمصلين في أحد مساجد منطقة الجبيهة شمال العاصمة الأردنية عمان.

دراسة وحفظ

"كنت في صغره أصور له الكتب المدرسية بخط كبير حتى يتمكن من رؤية الحروف، وأحرص على أن يكون في الصفوف الأولى بصفه"، تقول أم يحيى الجاعوني للجزيرة نت.

وتتابع عندما فقد يحيى نظره بشكل كامل وعمره آنذاك 15 عاما، اضطررت لتدريسه بمدرسة المكفوفين، وأحضرت له مدرسة خصوصية لتعليم القراءة على طريقة بريل.

وخلال مراحل دراسته في مدرسة المكفوفين، كانت أمه تدرّسه كل المواد، وتلقنه المعلومات لحفظها.

"وخلال مرحلة الثانوية العامة تفرغت أمي لتدريسي حتى تمكنت من النجاح والحصول على معدل عال أهلني لدخول الجامعة الأردنية لدراسة الشريعة"، يقول يحيى الجاعوني للجزيرة نت.

الجاعوني في مسجده. الجزيرة . مسجد السويلميين في منطقة الجبيهة شمال العاصمة الاردنية عمان
الجاعوني في مسجده بمنطقة الجبيهة في العاصمة الأردنية عمان (الجزيرة)

البكالوريوس والمدينة المنورة

كان والده لا يزال على قيد الحياة، وكان يتكفل بتنقلاته للجامعة، وبعد عودته من الجامعة تقوم أمه بمراجعته محاضراته ودروسه وامتحاناته، تقضي معه الساعات الطوال، تجهز له الأبحاث التي يطلبها الأساتذة وتقرأ عليه الكتب.

في السنة الأخيرة من دراسته الجامعية حصل يحيى على منحة تعليمية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، يقول يحيى "أصررت على الذهاب للمدينة النبوية رغم معارضة الجميع وصعوبة التنقل والحركة في بلاد الغربة علي ككفيف".

ويضيف "قضيت أربعة أعوام في المدينة المنورة من أجمل الأيام في حياتي، حفظت فيها كتب الحديث وتدارسنا العلوم الشرعية، وراجعت حفظ القرآن، كانت مرحلة صعبة ومليئة بالتحديات والصعوبات، لكن الله أعانني عليها".

وقبل عودة يحيى للأردن بأيام مات والده.

أم يحيى والماجستير

بعد حصوله على شهادتين، الأولى من الجامعة الأردنية شريعة وأصول دين، والثانية من المدينة المنورة في الحديث النبوي، تابع يحيى دراسته للماجستير في الحديث النبوي في الأردن، حيث رافقته والدته للجامعة في كل محاضراته.

"كنت أقضي ساعات انتظاري في كافتيريا الجامعة، أبحث له عن عروس تليق به، أو في المكتبة أجهز له الكتب التي يحتاجها للدراسة في البيت، أو كنت أدخل معه إلى قاعات المحاضرات لتسجيلها ومراجعتها عند عودتنا"، تقول أم يحيى.

لم تصبها ساعات دراسة يحيى الطويلة بالملل أو اليأس، بل كانت تصابر وتضغط على صحتها ووقتها من أجل أن ترى ابنها أستاذا مدرسا بالجامعة في قادم الأيام.

كانت تستيقظ من قبل الفجر للدراسة، تذاكر معه كل شيء، وخلال فترة الامتحانات كانت ترافقه لقاعة الاختبارات و تقرأ له الأسئلة، ثم تكتب له الإجابات التي يمليها عليها، تقضي في ذلك الوقت الطويل.

الجاعوني مقبلا رأس أمه . الجزيرة . مسجد السويلميين في منطقة الجبيهة شمال العاصمة الاردنية عمان
يحيى في دراسته للماجستير في الحديث النبوي رافقته والدته إلى الجامعة في كل محاضراته (الجزيرة)

الدكتوراه وتسليم الراية للزوجة

ويتجهز يحيى لاستكمال دراسة الدكتوراه، لكنه في هذه المرحلة سيعتمد على زوجته، فوالدته تعبت من التنقل بالسيارات ومرافقته لساعات طوال في الجامعة والبيت.

وخلال دراسته، سعت أم يحيى لحصوله على وظيفة في وزارة الأوقاف إماما لأحد المساجد، وعملت على تجهيز أوراقه الرسمية المطلوبة للتعيين وتصديق الشهادات الرسمية وغيرها حتى حصل يحيى على الوظيفة.

يختم يحيى حديثه بالدعاء لوالده بالرحمة والمغفرة، ولوالدته بطول العمر وحسن العمل، ويقول "لا أجد بين يدي ما أكافئ به أمي على مجهودها معي طوال هذه السنين".

المصدر : الجزيرة