لنفوس أنهكها الحجر.. "مسجد أون لاين" يعيد روحانيات رمضان إلى مسلمي العالم

تركيا - إسطنبول - الدكتور عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك يتحدث عبر تطبيق زووم في منصة مسجد أون لاين- خليل مبروك - حسابات التواصل - صفحة
الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك يتحدث عبر تطبيق زوم في منصة مسجد أون لاين (مواقع التواصل)

خليل مبروك-إسطنبول

من منزله في فلسطين المحتلة، يتفاعل الشيخ عكرمة صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك مع متابعيه في وسائل التواصل الاجتماعي في "نفحات التراويح" التي تعرض على الهواء مباشرة في بث إلكتروني على منصة "مسجد أون لاين".

ويتابع المصلون خاطرة صبري باهتمام خاص، فهو جزء من القدس التي يشتهون صلاة التراويح في أقصاها، كما أن رؤيته تبعث فيهم الطمأنينة بعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة التي تلقاها وآخرها تهديده بأنه "لن يرى المسجد الاقصى إلا في الصور".

يستقطب "مسجد أون لاين" كبار الوعاظ والأئمة والدعاة من مختلف دول العالم، ويجمعهم مع المسلمين من كل مكان أيضا في الفضاء الافتراضي عبر تطبيق "زوم" وحسابات التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك.

وللمنصة طابع عالمي، فالوعاظ والمحاضرون فيها من دول مختلفة، وكذلك المستمعون والمتلقون، الأمر الذي يقول عنه الشيخ عكرمة صبري إنه "يعكس طبيعة الإسلام وشموليته بوصفه دينا إنسانيا عالميا تتسع رقعة انتشاره في مختلف أرجاء العالم".

المسجد البديل
وفي اليوم الأول لإطلاق المنصة، فوجئ القائمون عليه بارتفاع عدد متابعيه إلى 10 آلاف متابع، وهو ما يقول عنه الشيخ صبري إنه دليل على الجدية والجاهزية التي تحلى بها منفذو المشروع.

وقال في حديث للجزيرة نت إن هذا الاهتمام يعود أيضا لتعطش الناس لكلمة الحق والخير التي اعتادوا على الاستماع لها في أيام شهر رمضان المبارك في المساجد التي انقطعوا عنها بسبب إجراءات الحجر الصحي ومنع التجول الذي يفرض في كثير من مدن العالم الإسلامي ضمن تدابير الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

تمنح المنصة التفاعلية التي انطلقت بداية شهر رمضان، الناس الفرصة لتلاوة القرآن الجماعية، والتذاكر والاستماع للمواعظ، وتلاوة المأثورات من الأدعية، والبقاء على اتصال عن بعد (أون لاين) من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.

وبرأي الشيخ عكرمة صبري، فإن مشروع "مسجد أون لاين" يعكس الإيجابية والمرونة التي يتحلى بها الإسلام وأتباعه وجاهزيته لتوظيف عناصر الحضارة البشرية في الدعوة إلى الله والخير ونشر المحبة بين الناس.

الفكرة والتأسيس
ولدت فكرة تأسيس "مسجد أون لاين" في أول أيام الشهر الفضيل من قبل مجموعة من الشبان المصريين المقيمين في مدينة إسطنبول التركية، الذين أخذوا على عاتقهم إطلاق منصة إلكترونية تحقق تلاقي المصلين مع الأئمة والوعاظ في منطقة سكناهم بحي أسنيورت غرب إسطنبول.

وقال أحمد رمضان، أحد مؤسسي المنصة، إن المسلمين حرموا الأجواء الرمضانية من أذان وتواشيح وقرآن المغرب ومدفع الإفطار وحركة الشوارع وصلاة التراويح وصلاة القيام ودروس المساجد والخواطر واعتكاف العشر الأواخر بفعل انتشار جائحة كورونا.

وأضاف للجزيرة نت أنه اهتدى مع زملائه إلى فكرة تعويض جزء من هذه الشعائر والجو الروحاني لرمضان بفكرة جديدة تتماشي مع الجو العام وتصل بين الجمهور في بيوتهم وبين المساجد والدروس والمحاضرات.

يعرف رمضان "مسجد أون لاين" بأنه مساحة افتراضية عبر الإنترنت، تحاكي واقع المساجد الحقيقية التي أُغلقت بعد انتشار كورونا، موضحا أن فكرة تأسيسه راودت مجموعة شبابية حرصت على أن يستمر تجمعهم في رمضان بشكل اعتيادي لكن بطريقة مختلفة حفاظا على الصحة العامة للجميع.

تقوم فكرة "مسجد أون لاين" على نشر المحاضرات والخواطر والأذكار من قبل مجموعة من العلماء والمشايخ والدعاة عبر التطبيق الأشهر حاليا للاجتماعات العامة والخاصة زوم (zoom)، وسرعان ما تم فتح حساب لها في فيسبوك يشمل صفحة مع مجموعة خاصة لمتابعة الأنشطة، وكذلك بات للمسجد الإلكتروني 10 مجموعات "واتسأب" وقناة يوتيوب تعرض كافة الفعاليات فيها يوميا.

برامج متنوعة تفاعلية
يقدم المسجد برنامج عبادات متنوعة يوميا، يبدأ بخاطرة الفجر بعد الصلاة مع أحد الدعاة، ثم يتبعها تلاوة الأذكار والأدعية المأثورة المتعارف عليها من السنة النبوية، وفي منتصف اليوم تقدم محاضرة علمية حول أحكام الصيام وموضوعات متنوعة.

ويعقب ذلك بساعة زمنية أذكار المساء بصحبة المنشد محمد عباس، ويختتم اليوم بخاطرة بعد صلاة التراويح التي يشارك فيها مجموعة من الدعاة من دول مختلفة كفلسطين المحتلة وأميركا وبريطانيا ومصر وقطر وتركيا والأردن.

ويقول رمضان إن المبادرة تميزت بأنها جامعة لمفهوم المسجد الواقعي لكن بطريقة سهلة ويسيرة على الجمهور والمتابعين، مضيفا "أنت لا تحتاج سوى لهاتف ذكي والاتصال بشبكة الإنترنت لتكون حاضرا بشكل مباشر مع العلماء والدعاة، ويمكن لأي متابع طرح تساؤل بشكل مباشر، مما سهل اتصال الجمهور بالعلماء، كما أننا نستعد قريبا لنطلق دعوة لحوار تفاعلي بين الجمهور والشيخ عكرمة صبري وبعض الدعاة".

ويشير إلى أن نجاح الفكرة شجع الفريق على العمل لإنشاء 100 ألف مسجد إلكتروني على مستوى العالم، كي يعود للمسجد دوره الحقيقي في التوعية والإرشاد والترويح عن النفوس التي أنهكها البعد عن بيوت الله في هذه الظروف.

فكرة مميزة
وعن هذه المبادرة، يعتقد الدكتور أكرم كساب أن تميز فكرة "مسجد أون لاين نبعت من نجاح الشبان الذين بادروا لها في إقامة المنصة في العالم الافتراضي واستثمار النفحات الروحانية والإيمانية العالية لشهر رمضان المبارك".

ويقول للجزيرة نت إن النجاح تمثل أيضا في الإعداد الجيد، والتنسيق الفاعل للفكرة مع العلماء والدعاة ذوي الشهرة الذين يتطلع الناس للاستماع لهم والتعلم منهم، خاصة أنهم نجحوا في دعوة محاضرين متعددي التوجهات الفكرية والتخصصية ومن بلدان مختلفة.

ويرى الأكاديمي والباحث الجامعي المصري المقيم بالولايات المتحدة أن رواد المسجد الإلكتروني يتطلعون بشغف إلى الرقائق من المواعظ التي تلامس شغف القلوب وتقربها من الله تعالى في شهر الصيام، مشيرا إلى أن اغلب الفعاليات الرمضانية صبت عبر المنصة في إطار ملء الفراغ الذي خلفه إغلاق المساجد وانقطاع المصلين عن أجوائها.

وأكد كساب أن فكرة "مسجد أون لاين" لا تتعارض مع الشرع الإسلامي لأن المنصة لم تشهد إقامة أي صلاة أو جماعة عن بعد، بل ركزت على اللقاءات والمحاضرات التي تعد من العبادات الراقية لكنها ليست من العبادات المقصودة.

المصدر : الجزيرة