عريقة تاريخيا ويتجاور فيها المسلم والمسيحي.. "صمد" القرية المنسية

أيمن فضيلات-قرية صمد محافظة إربد

يضفي بساط الربيع الأخضر وأزهاره المتفتحة جمالا على جمال قرية صمد الرومانية الأثرية القديمة؛ فالحلة الخضراء تحيط بالآثار المترامية هنا وهناك إحاطة السوار للمعصم.

فعلى بقايا القرية الرومانية القديمة التي نشأت قبل ألفي عام، ما زال يعيش سكان قرية صمد (شمال غربي الأردن).

أجيال وأجيال حطت في القرية العريقة، يتجاور فيها المسيحي والمسلم جنبا إلى جنب، فلا تكاد تفرق بينهما في اللباس والحديث والعادات، حتى الكنيسة الرومانية القديمة في القلعة كان يدرس فيها طلاب الكتاتيب قبل سبعين عاما القرآن الكريم والحديث النبوي، بعد انتهاء موعظة الأحد، وفق أهالي القرية.

ويتبادل أهالي قرية صمد في محافظة إربد -التي تبعد عن العاصمة الأردنية عمان نحو تسعين كيلومترا- حراسة قلعتهم القديمة من نبش الباحثين عن الذهب والدفائن، والحيوانات الضالة.

ويعاني سكان القرية من الإهمال الرسمي وقلة العناية بقلعتهم الأثرية، وتجاهل المعنيين بالقطاع السياحي من أجل الترويج للقرية كمعلم سياحي مهم، ويربط الطريق الواصلة بين قلعة عجلون جنوبا ومدينة أم قيس أقصى شمال الأردن.

وتفتقر القرية للمقومات السياحية إذا دخلها السائح للاستمتاع بهدوء المكان وروعة زخرفة بنائه، مما دفع أبناء القرية لإطلاق مبادرات تطوعية ذاتية لإنقاذ القرية، ووضعها على خريطة المسار السياحي الأردني.

رئيس المجلس المحلي للقرية سميح أبو دلو قال للجزيرة نت إن الآثار الرومانية والإسلامية القديمة في القرية تتعرض للسرقة من قبل الباحثين عن الذهب والدفائن القيمة، ولا يخلو شهر من شهور السنة إلا ويتم ضبط مجموعة من هؤلاء.

والمشكلة الثانية التي يسببها هؤلاء هي تخريب وتكسير القطع الأثرية القيمة خلال نبشهم أرض القلعة، مما يضيع الكثير من التحف الأثرية التي تعود لألفي عام.

في القرية الأثرية ما زال يعيش نحو عشر عائلات (الجزيرة)
في القرية الأثرية ما زال يعيش نحو عشر عائلات (الجزيرة)

صيانة
قال أبو دلو "قمنا بعمل صيانة لبعض الشوارع الداخلية في القلعة، خاصة تلك التي يستخدمها سكان القلعة الأثرية، ولضعف القدرات المالية لدى المجلس المحلي، توقفت مشاريعنا في صيانة القلعة. بانتظار وزارة السياحة والقطاع الخاص لإدراج هذه القرية الأثرية على خريطة السياحة الأردنية، ووضعها ضمن البرامج السياحية".

صالحة متمسكة ببيتها
في القرية الأثرية ما زال يعيش نحو عشر عائلات، منهم الشقيقتان صالحة وهدى البدور، بعدما رمم جدّهما المنزل ليصبح صالحا للسكن.

صالحة البدور قالت للجزيرة نت "مع قرب انتهاء فصل الصيف كل عام نقوم بصيانة سقف المنزل الذي نسكنه منذ ستين عاما، بعدما ورثته عن أبي وجدي وعائلتي التي سكنته قبل 170 عاما".

وتتابع "أقوم بخلط الإسمنت مع مواد البناء لعمل الصيانة الضرورية للأسقف والجدران كل عام، وقبل قدوم الشتاء، وقامت وزارة الطاقة بتركيب ألواح خلايا شمسية لتوليد الكهرباء للمنزل بمبادرة منهم".

أما أبو خالد البدور -أحد سكان القرية- فأخذنا بذكرياته إلى أربعينيات القرن الماضي. لقد أمضى طفولته وشبابه في بيوت القلعة الأثرية المرممة، منذ أكثر من 150 عاما.

يقول للجزيرة نت "جدي وأبي وأجدادهما عمروا هذه القرية الأثرية بعدما تهدمت على مر الزمن، نعيش فيها منذ القرن 18".

مبادرات تطوعية
لا يقتصر عمل الشباب المتطوعين في القرية على صيانة وحماية ما تبقى من الآثار، بل يقومون بحملات ترويج على صفحات وسائل التواصل للقرية الأثرية، وزيارة أصحاب القرار والمسؤولين لتقديم الخدمات السياحية الضرورية للقرية.

الطالب الجامعي عبد الرحمن البدور (21 عاما) تطوع للعمل في حملة أطلق عليها "ميّل على صمد"، تهدف إلى تعريف الأردنيين وزوار المملكة من السياح بهذه القرية المنسية، حسب وصفه.

ويسعى عبد الرحمن لإدراج القرية على الخريطة السياحية للأردن، وفق حديثه للجزيرة نت، والقيام بالصيانة اللازمة والضرورية للحفاظ على القرية الأثرية، خاصة أنها تربط قلعة عجلون التاريخية مع منطقة أم قيس الأثرية المهمة أقصى شمال المملكة.

‪قرية صمد التراثية قيمة مهمة للسياحة الأردنية في شمال المملكة‬  (الجزيرة)
‪قرية صمد التراثية قيمة مهمة للسياحة الأردنية في شمال المملكة‬ (الجزيرة)

جهود جماعية
مديرة سياحة إربد مشاعل الخصاونة قالت للجزيرة نت إن قرية صمد التراثية قيمة مهمة للسياحة الأردنية في شمال المملكة، مشيرة إلى جملة من التحديات أمام إدراجها على المسار السياحي، أهمها ضعف البنية التحتية من طرق وخدمات عامة، وعدم وجود مقومات سياحية لاستقبال الزوار فيها، إضافة إلى أن منطقة القلعة الأثرية فيها ملكيات خاصة لأهالي المنطقة.

وتابعت "تم عقد عدة اجتماعات مع أهالي القرية لتطويرها وتجهيزها لاستقبال سياح، لكن للأسف لم نوفق، وذلك نتيجة غياب أغلب الأهالي أو وفاة أصحابها وانتقال الملكية إلى عائلاتهم".

وتضيف "النهوض بقرية صمد يحتاج إلى تضافر جهود الجميع في وزارة البلديات والسياحة وأهالي المنطقة ومجلسها البلدي للنهوض بهذه القرية لتكون جاذبة للسياح".

المصدر : الجزيرة