لماذا انحسرت "الولائم الرمضانية" في مصر؟

"شجار" الإفطار الأول بمصر.. وجه آخر لبهجة رمضان
تسببت الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع الأسعار في تراجع العزائم الرمضانية في مصر (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

"كانت كل عام لا تقل عن 6 مرات، لكن هذه السنة لم تتجاوز مرتين فقط"، بأسف تحدثت أم خالد عن عدد ما أقامته من عزائم رمضانية هذا العام، كان تنظيمها إحدى عادات أسرتها الرئيسية خلال الشهر الفضيل، ونشاطا مرتبطا في ثقافتها ببهجة الشهر وروحه المتفردة عن باقي شهور العام.

تحكي أم خالد في حماسة تشوبها الحسرة كيف أن تلك الولائم كانت تمثل مصدر اعتزاز وفخر لها ولأسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وولدها خالد وابنتيها الاثنتين اللتين كانتا تساعدانها في إعداد الطعام، وهي ولائم يترقبها من اعتاد أن توجه له الدعوة من أهلها وأهل زوجها وزملائه في العمل وصديقاتها وآخرين، كل على حدة.

وخلال الأعوام الماضية، لم تكن أم خالد تقتنع بآراء بعض قريناتها بأن الإكثار من هذه الولائم يتنافى مع روحانيات الشهر ومقاصده الأساسية، حتى مع توسعها في تلك الولائم، لكنها هذا العام تجد سلوة في استحضار تلك الآراء بعد أن أجبرتها الظروف الاقتصادية على الحد منها بشكل كبير.

ولم تكن حال أسرة أم خالد بمعزل عن أحوال كثير من الأسر المصرية هذا العام، فحسب السيدة أم خديجة، التي تعمل منذ سنوات في إعداد الأطعمة المنزلية وتجهيز الولائم والعزائم، فقد تدنت نسبة طلبات إعداد الولائم الرمضانية هذا العام إلى النصف، كما تدنت أحجام وأقدار الولائم المطلوبة.

وتعزو أم خديجة في حديثها للجزيرة نت ذلك إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية، لكنها في الوقت ذاته لا تنفي أن تكون ثقافة المصريين القائمة على ضرورة تلك الولائم قد تغيّرت، فتبرير بعض زبائنها لانحسار طلباتهم يشي بذلك.

العزائم الرمضانية تعد فرصة لتجمّع العائلة والأصدقاء في رمضان (الجزيرة)
العزائم الرمضانية تعد فرصة لتجمّع العائلة والأصدقاء في رمضان (الجزيرة)

غير مزعج
ولا تجد أم خديجة هذا التدني والانحسار أمرا مزعجا، فرغم اعتماد أسرتها في دخلها الشهري على عملها في إعداد تلك الولائم، فإن ذلك ساعدها على قدر من التفرغ لرمضان وعبادته وأجوائه الأخرى.

الخلاف حول أهمية هذه العادة الرمضانية شغل حيزا من تجاذب مصريين مطلع الشهر في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأى البعض "قسوة" الأحوال المعيشية فرصة لتغيير ثقافة الأسرة المصرية والحد من الالتزام بتلك الولائم، بينما رأى آخرون عدم الاستسلام لتلك الظروف والحرص على استمرار هذه العادة مع الترشيد فيها.

الصحفي والباحث هشام جعفر الذي غيبه السجن ثلاثة أعوام ونصف العام ليخرج قبل رمضان بأيام، أبدى استغرابه من عدم تلقيه دعوات للإفطار خلال أيام الشهر الأولى كما اعتاد قبل الاعتقال، حيث كان لا يستطيع ملاحقة الدعوات الموجهة إليه حينها.

وأضاف في تدوينه له على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك "أتفهم أنه ربما لعبت الظروف الاقتصادية دورا في ذلك، لكن يا أهل مصر لن تستطيعوا أن تواجهوا التحديات إلا بمزيد من التراحم فيما بينكم".

وضمن الجدل الذي ثار حول الأمر، دعم مؤسس مشروع شيخ عمود المعرفي أنس السلطان استمرار تلك الثقافة، فهي في رأيه "للود والمحبة والسرور وتجديد العلاقات"، لكنه يرى أن تكون بسيطة من غير تكلف وأن تبتعد عن المباهاة والتكلف والإرهاق المادي والنفسي.

مغالاة مذمومة
وفي هذا السياق، تداولت نساء مصريات بشكل احتفائي مقطع فيديو باللغة الإنجليزية لأحد الدعاة، يستنكر فيه مغالاة رجال في تحميل نسائهم عبئا مضاعفا في إعداد ولائم لذويهم وأصدقائهم خلال رمضان، وشدد فيه على ضرورة تفريغهم للعبادة واغتنام ساعات الشهر في الصلاة وقراءة القرآن.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي الوقت الذي يرى فيه الخبير النفسي والاجتماعي أحمد عبد الله أن انحسار الولائم والعزائم هذا العام في رمضان ربما تكون له تأثيرات نفسية واجتماعية، إلا أن الضيق المادي -في رأيه- مناسبة لمراجعة هذه الثقافة، وإبدالها بثقافة الإنفاق ودعم المحتاجين الذين يتزايدون بشكل مضطرد.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد من التفريق بين ثقافة اجتماع الناس للتواصل، التي لا تستلزم التوسع والإفراط في إعداد الولائم، وبين الثقافة السائدة، لافتا إلى أن أسلوب التعاون (تشارك أكثر من طرف في إعداد الوليمة) يعد بديلا أمثل لتكلف كل أسرة بإعداد وليمة خاصة.

في حين يرى المستشار النفسي والاجتماعي خالد الحداد أن تسطيح العلاقات الاجتماعية وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي عليها، يقتضي دعم عادة الولائم والعزائم، حتى لو صحبها ما هو متفق على قبحه من إسراف وبذخ، فدرأ المفاسد أوجب من جلب المنافع، على حد تعبيره.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "ما نراه من تباعد وشقاق زاد عن الحد في السنوات الأخيرة، يجعل من المصافحة حتى ولو على وليمة فاخرة صلة إيجابية ومهمة"، لافتا إلى أن تزايد الوعي سيساعد على معرفة الغاية الحقيقية من هذه التجمعات وارتباطها بما يسود من روح وارتباط.

المصدر : الجزيرة