استمر 9 ساعات فقط بمصر.. قصة أقصر برلمان في التاريخ

-
قصة أقصر برلمان في التاريخ بدأت في ظل دستور 1923 الذي جاء نتاجا لثورة 1919 (مواقع التواصل)

محمود صديق-القاهرة

ربما لا يعرف الكثيرون أن أقصر برلمان في تاريخ العالم كان مصريا، ولم تتجاوز مدته تسع ساعات، وذلك في 23 مارس/آذار 1925، حيث حل الملك فؤاد البرلمان بعد مفاجأة فوز الزعيم التاريخي سعد زغلول برئاسته على الرغم من كل الإجراءات التي اتخذت للحيلولة دون فوز حزب الوفد بالأغلبية البرلمانية.

بدأت قصة أقصر برلمان في التاريخ في ظل دستور 1923 الذي جاء نتاجا لثورة 1919، حيث جاء البرلمان الأول بسعد زغلول رئيسا للوزارة كأول رئيس مجلس وزراء مصري يستند إلى أغلبية برلمانية، ولم يلبث أن استقال احتجاجا على الإنذار البريطاني له عقب مقتل السير "لي ستاك" السردار الإنجليزي بالسودان، وإصدار المندوب السامي البريطاني وقتها تعليمات لجنوده باحتلال جمارك الإسكندرية.

وبناء على الاستقالة تم حل البرلمان في 22 ديسمبر/كانون الأول 1924 قبل أن يكمل العام، ودعوة المندوبين الناخبين لإجراء انتخابات جديدة. 

عدو الشعب
مارست الحكومة الموالية للملك برئاسة أحمد زيور باشا كافة الإجراءات لمنع حزب الوفد من الفوز بالأغلبية مرة أخرى، فأنشأت حزبا جديدا سمته "الاتحاد" ترأسه حسن نشأت باشا وكيل الديوان الملكي وأكبر أعداء سعد زغلول لتضمن ولاءه الكامل للملك، في حين تم تعيين إسماعيل صدقي -الذي سمي عدو الشعب- وزيرا للداخلية.

وألغي قانون الانتخاب على درجة واحدة الذي أقره البرلمان المنحل، وعدلت حدود قرابة نصف الدوائر الانتخابية، وأصدر صدقي باشا قرارا بجعل التصويت بالقلم الرصاص، وهو ما رآه الوفديون نية مبيتة للتزوير، وأصروا على التصويت بقلم الحبر الذي لا يمكن محوه.

وأطلق وزير الداخلية رجاله لقمع مرشحي الوفد ومطاردتهم، وفرض حصارا على منزل زغلول، وأرسل لكل المحافظين تهديدا يتوعدهم فيه بسوء عاقبة أي محافظ ينجح في دائرته مرشح وفدي.

وأعلن زيور باشا فوز الائتلاف الحكومي المكون من حزب الاتحاد والأحرار الدستوريين، والحزب الوطني بأغلبية البرلمان، وانعقدت أولى جلسات المجلس في الـ11 وخمس دقائق ظهر يوم 23 مارس/آذار 1925. 

مفاجأة صاعقة
دفع القصر بعبد الخالق ثروت باشا للترشح على منصب رئيس المجلس، وكان واثقا من فوزه على منافسه سعد زغلول طبقا للنتائج التي رأى أنها تمثل أغلبية لائتلافه المدعوم من الملك والإنجليز، لكن المفاجأة صعقته بحصول زغلول على 123 صوتا من أصل 214 مقابل 85 صوتا لثروت.

لم تقف المفاجأة عند فوز زغلول بالرئاسة، وإنما امتدت لتشمل اكتساح مرشحي الوفد باشوات الملك في انتخابات أعضاء هيئة مكتب المجلس، فأسقط بين يدي الملك رافضا استقالة حكومة زيور باشا، وقبل اقتراحها حل المجلس الذي لم يكمل تسع ساعات.

شماتة زيور
دخل زيور في الثامنة إلا الربع على النواب -الذين لمحوا بعينيه شماتة بادية- وهو يقول "أتشرف بإخباركم أن الوزارة رفعت استقالتها لجلالة الملك فأبى قبولها وقرر حل المجلس" ثم تلا زيور قرار الحل.

وخرجت على إثر القرار مظاهرات الطلبة والنخبة بقيادة سعد زغلول تندد بالقرار السالب لإرادة الأمة التي انتخبت برلمانها بإرادة وحرية.

وقرر أعضاء البرلمان بمجلسيه الشيوخ والنواب -حسب كتاب المعارضة في البرلمان لعبد الواحد النبوي- عقد اجتماع طارئ، لكن الحكومة احتلت البرلمان احتلالا عسكريا، فقرر النواب عقده بأحد الفنادق الكبرى قرب ميدان العتبة، ونجحت تلك الروح في إعادة الوحدة بين الوفد ومعارضيه من الأحزاب المنشقة عنه، بل وشجعت بعض أمراء القصر كالأمير عمر طوسون وكمال حسين على المطالبة بعودة الحياة الدستورية. 

حل برلمانات أخرى
يذكر أن الحياة النيابية في مصر شهدت منذ ثورة يوليو/تموز عشر حالات حلت البرلمانات، فقد حل البرلمان في 1958 عقب إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، ثم حل مرة أخرى عام 1961 بعد الانفصال بين البلدين.

ويرى خبير الشؤون البرلمانية خليل مرعي أن السلطة دأبت على اللجوء إلى حل البرلمانات المنتخبة كلما جاءت على غير هواها، فعندما وجد الرئيس أنور السادات رفضا من أغلبية أعضاء البرلمان لسيره في طريق الصلح مع إسرائيل ورفضهم اتفاق كامب ديفد حل المجلس الذي انتخب عام 1976، وسعى لإسقاط المعارضين في دوائرهم حتى نجح في الحصول على موافقة مجلس النواب على الاتفاقية بأغلبية 329 صوتا، ولم يعترض سوى 16 نائبا.

كما لجأ الرئيس الأسبق حسني مبارك أيضا -بحسب مرعي- إلى حل المجلس النيابي ثلاث مرات أعوام 1984 و1987 و1990 بعد حصول المعارضة على نسبة كبيرة فيه، خاصة مجلس 1987 الذي حصل فيه تحالف جماعة الإخوان، وأحزاب العمل والأحرار على قرابة ثلث المجلس، فتم حله بشكل غير مباشر عن طريق حكم للمحكمة الدستورية عام 1990.

صدفة أم مؤامرة
الغريب في الأمر -حسب مرعي- أن تتطابق حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية عام 1990 بحل مجلس الشعب مع نظيرتها بحل برلمان ثورة يناير الذي فاز فيه التيار الإسلامي بأغلبية تلامس الأغلبية المطلقة عام 2012 أواخر أيام حكم المجلس العسكري بوصف المجلس بأنه باطل منذ انتخابه.

وتساءل مرعي: هل تشابه حيثيات الحل في البرلمانين مجرد مصادفة أم كان متعمدا -منذ البداية- للوصول إلى برلمان محكوم عليه بالحل مسبقا لاستخدام ذلك عن الضرورة.

المصدر : الجزيرة