الشاشية الجبلية.. إرث يزين رؤوس نساء شمال المغرب

مريم التايدي-أذوز-الحسيمة

"لي بغا الجمال يطلع للشمال" (من أراد الجمال ليذهب إلى الشمال) هكذا تردد كلمات إحدى الأغاني الشعبية المغربية، ويُتداول هذا المقطع بين المغاربة للإشارة إلى صفات الجمال التي عرفت بها نساء المنطقة الشمالية من المملكة وتحديدا جبالة (الشمال الغربي المغربي).

ويعرف عن نساء منطقة الشمال حرصهن على العناية بأنفسهن، ولعل هذا ما جعلهن حريصات على استعمال القبعة الواقية من الشمس -على غرار الأندلسيات- التي تسمى "الشاشية" (ترازا الجبلية) للحفاظ على بياض بشرتهن.

رمز منطقة الشمال
تعتبر "الشاشية الجبلية" واحدة من رموز الشمال المغربي، وقطعة أساسية من اللباس التراثي تغنى بها أهل منطقة جبالة في أكثر من مناسبة، وظلوا مخلصين لها في كل عروضهم الفنية والثقافية وحتى الرياضية.

وهي قبعة رأس مصنوعة بطريقة يدوية من الدوم (سعف النخيل). وتتميز بكريات صوفية بلون أزرق داكن تتزين بها السيدات، بينما المزينة بكريات الصوف الملونة تكون خاصة بالفتيات الصغيرات، أما الشاشية الخاصة بالرجال فتكون بسيطة وغير مزينة.

وكانت الشاشية قطعة أساسية من جهاز العروس، وقطعة إكسسوار ضرورية في الأعياد والمناسبات تمتاز بوجود قطع صغيرة من المرآة بأطرافها تعكس الشمس والأنوار. وتشبه شاشية جبالة القبعة المستعملة بالمكسيك، ويروى أنها من العادات الأندلسية التي تطبع بها سكان الشمال بالمغرب.

‪منطقة أذوز تعتمد بشكل كبير في عيشها على الدوم‬ (الجزيرة)
‪منطقة أذوز تعتمد بشكل كبير في عيشها على الدوم‬ (الجزيرة)

استكشاف أذوز
اقتفت الجزيرة نت أثر صناعة الشاشية، وتتبعت سعف الدوم إلى قرية "أذوز " بمنطقة الرواضي ضواحي مدينة الحسيمة، وهي من أقدم قرى منطقة الريف، لها قيمة تاريخية وروحية كبيرة، وشكلت في القدم قلعة دفاع بحرية، ويعتقد أنها كانت وحدة حضارية بوجود مسجد بها يزيد عمره على قرنين، وبيت للقضاة، وآثار قديمة، لتصير اليوم واحدة من أفقر قرى المغرب العميق، ينتشر فيها الصبار والنخيل.

تبعد أذوز عن مركز الرواضي بأكثر من 14 كيلومترا، وتعاني العزلة والتهميش، ولا يوجد بها مستوصف ولا مدرسة. يشتغل سكانها بالفلاحة، ويعتمدون على صناعة الشاشية وفتل الدوم، وإعداد أدوات منه مثل الغربال والمكنسة، والقفف، ويوزعون منتجاتهم على الأسواق.

تلبس بجبالة وتصنع بالريف
بعربية متلعثمة، بالكاد تُفهم، تغلب عليها اللهجة الريفية، روى العم محمد عيسى الورداني، للجزيرة نت، عن قصة أذوز والشاشية الجبلية، وقال إن القرية مصدر الشاشية وموطن صناعته الأول، ومنها توزع على أسواق المناطق الشمالية بالمغرب، خصوصا أسواق تطوان وطنجة وضواحي شفشاون.

ويحكي العم الورداني -الذي خبر مهنة تضفير الدوم وأتقنها (وتسمى في كل الشمال التوظيف)- أن إنتاج شاشية واحدة يستغرق أكثر من يومين لإتمامها. وتعود صنعة القبعات الشمسية وتضفير الدوم لمئات السنين بقرية أذوز.

ويخبرنا بأن جد جده كان يشتغل بصنعة الدوم. ويتابع -ويداه لا تكفان عن الاشتغال- أن سكان البادية لا يستطيعون الاستغناء عن القبعة لأنهم يعملون تحت الشمس الحارقة.

‪الورداني: جد جدي كان يشتغل بصنعة الدوم‬  (الجزيرة)
‪الورداني: جد جدي كان يشتغل بصنعة الدوم‬  (الجزيرة)

وظيفة وسمر ليلي
بمنزل جبلي، تجمع فيه ما تفرق في غيره من أواني المنطقة وأدوات الفلاحين، يعرض الورداني منتجات الدوم.

حملنا الحديث -مع الشيخ صاحب الخبرة الواسعة باشتغاله على متن باخرة سنين طويلة- إلى عوالم الدوم ومراحل إنتاج القبعة "البيو" الخالصة، إذ يجمع الدوم من الغابات والأحراش المجاورة للقرية في يونيو/حزيران، وتصفف أكوامه بعناية لتجفف بسخونة الشمس.

بعدها يجتمع رجال القرية في سمر ليلي مع كؤوس الشاي لإعداد شرائط مضفرة من الدوم (وتسمى الوظيفة) تشكل الوحدة الأساسية التي تخاط بواسطة شريط دقيق من نفس خامة الدوم، وتعطى لها أشكال.

حملة مشعل وقلة طلب
كثيرة هي الصناعات التقليدية التي توارثها المغاربة أبا عن جد، والاشتغال بالدوم والحلفاء والقصب واحد من شعبها المتعددة. علّم الورداني وغيره من كبار قرية أذوز أولادهم فتل الدوم وحياكتها أشكالا، وورث الورداني الصغير عن أبيه المهنة وطورها، إذ يشتغل على كل الأشياء حتى التي كانت تصنع من الجلد أو الثوب.

طوّع الشاب الدوم بين يديه وتفنن في تضفيرها واقفا وجالسا، وهو يستقبل ضيوفه في مأوى جبلي بقلب أذوز. ويؤكد للجزيرة نت أن المنطقة تعتمد بشكل كبير في عيشها على الدوم، وأن هناك تجار جملة يأتون للقرية خلال فبراير/شباط، يشترون الشاشية من الناس، وكانت القرية تبيع حوالي 15 ألف شاشية في العام، في حين اليوم لا تتعدى خمسة آلاف نتيجة تراجع الطلب.

وينتج كل بيت بأذوز حوالي 120 شاشية، وتشكل الشاشية ما يقارب 30% من مبيعات سوق الأحد بالرواضي.

يحمل العم الورداني كيسا على كتفه يتنقل به حيثما ذهب، فيه دوم ومشط وخيوط صوف والكثير من الحكايات، يجوب به شعاب أذوز المنسية، ويخبر العالم أن ثلاثين درهما من حرفة حلال خير من يد غير منتجة.

المصدر : الجزيرة