النحاس في الجزائر.. حرفة عريقة توشك على الانقراض

تحول الأواني النحاسية للزينة ووسائل تذكارية الجزيرة نت
الأواني النحاسية تحولت من الاستخدام اليومي إلى الزينة والتذكار (الجزيرة نت)

تسعديت محمد-الجزائر

 
النحاس مهنة لها عراقة ومكانة خاصة لدى الجزائريين، وظلت هذه صناعته ركيزة أساسية للحياة اليومية ونشاطا تجاريا يدخل كل بيت عبر الأواني المستخدمة في مختلف الأنشطة والاحتياجات المنزلية، إلا أنها تراجعت وكادت تنقرض نتيجة ذيوع معادن أخرى مثل الألمنيوم والصلب.
 
ويعبر الهاشمي بن ميرة الذي يمارس مهنة صناعة التحف النحاسية منذ 49 عاماً، عن أسفه نتيجة تراجع اهتمام الناس بالأواني النحاسية، مؤكداً أن قلة فقط ما زالت تتمسك بها، بينما كانت كل الأسر تستعمل الأواني النحاسية حيث بلغ عدد الحرفيين وقتها في حي القصبة وحده -حسب قوله- 15 حرفياً.
 
ويستذكر بن ميرة وعاء يعرف باسم "الطبسي عشاوات" وهو صحن كبير الحجم بغطاء شبيه بقبة المسجد يستعمل في الولائم والأفراح ويوضح فيه طعام الكسكس (المفتول) ليأكل من الضيوف جماعة، ويرى أن هذا الصحن اختفى تقريباً من المائدة الجزائرية بسبب تخلي المواطنين عن التقاليد والجري وراء الحداثة.
 

بن ميرة يتحسر على حال صناعة النحاس (الجزيرة نت)
بن ميرة يتحسر على حال صناعة النحاس (الجزيرة نت)

جمالية وعملية

وللتأكيد على أهمية النحاس في حياة الجزائريين فإن العروس التي لا تأخذ معها إلى بيت الزوجية النحاس والصوف فكأنها لم تأخذ شيئاً.
 
والأواني النحاسية لا تعكس فقط قيما جمالية وإنما تكرس لاستخدام عملي يرتبط بالعنصر الجمالي، ناهيك عن البعد الصحي الكامن في معدن النحاس مقارنة مع غيره من المعادن المستخدمة في صناعة أواني الطعام. إلا أن الحال تغيرت في الأغلب الأعم، واتجه الاهتمام بالنحاس إلى اقتناء بعض القطع التذكارية وزينة البيت.
 
يقول بن ميرة الذي يعد أحد أشهر صانعي التحف النحاسية في الجزائر، إن محله الذي كان يضم عشرة حرفيين يتعلمون منه هذا الفن بقي وحيدا في محله وبين تحفه، كما أن أبناءه يرفضون تعلم هذه الحرفة متذرعين بأنهم لا يريدون أن يلقوا نفس المصير الحرفي الذي آل إليه.
 
وعبر عن أساه لأن الأجانب يعطون أهمية كبيرة لمشغولاته حين يزورون معرضه ويبدون إعجابهم وملاحظاتهم، مضيفاً أن من المشاكل التي تعترض عمله في الوقت الحاضر هي نقص خام النحاس.
 

 حمو اهتم بمعاني أسماء الأواني النحاسية (الجزيرة نت)
 حمو اهتم بمعاني أسماء الأواني النحاسية (الجزيرة نت)

أسماء ومعان


أما نصر الدين حاج حمو الذي يعمل في مهنة النحاس منذ 32 عاماً، فيعتبر أنه "يعيش في عالم من النحاس" كحياة يقضي فيها جزءا مهما من عمره بحب وشغف.
 
وأكد أن هذه الحرفة تعكس روح وحياة وثقافة المجتمع المسلم، وقد تجاوز مجال اهتمامه ببيع النحاس إلى البحث في معاني أسماء الأواني النحاسية وقراءة التاريخ من خلال النحاس.
 
ويوضح ذلك بمثال "البقراج" وهو آنية لتقديم الشاي، ويقول إن "البق" يعني في اللغة العربية الفم و"راج" يعني اهتز بغليان الماء.
 
ويستذكر حمو البقراج الذي استعملته الدولة العثمانية كرمز لقواتها المسلحة وقوامها الجيش "الانكشاري"، موضحاً أن هذه الكلمة تنقسم إلى "إنّي" وتعني جديد، و"شاري" بمعنى جيش، مضيفاً أن البقراج كان يأخذ في شكله ما يرمز لرداء الجندي التركي.
 
هناك أيضاً "البابور" كما يسميه أبناء منطقة تلمسان غرب الجزائر، وأصله إيراني ويسميه الإيرانيون "السماور" وهو مخصص للشاي وليس له صوت مسموع عدا نظيره في قسنطينة شرق الجزائر الذي يصدر صوتا بعد غليان الماء.
 
ويشير حمو إلى أن الأواني النحاسية تنقل في أشكالها وزخرفتها تاريخ حقبة معينة، أي أنها بمثابة سجل لتاريخ الفترة التي نشأت وانتشرت خلالها، ويكشف عن امتلاكه قطعا نحاسية عتيقة يرفض بيعها لأنه يعتبر ذلك خسارة كبيرة رغم ما قد تدره عليه من مال وفير.
المصدر : الجزيرة