إيقاع مختلف عما كانت عليه الحياة قبل الوباء.. كيف تغير الموظفون بعد العمل من المنزل؟

خلال فترة الوباء لوحظ تسجيل زيادة كبيرة في العمل عن بعد أثناء الساعات المسائية وفي عطلات نهاية الأسبوع (غيتي)

شهد العام الماضي تمتع العديد من الموظفين بمزيد من القدرة على التحكم في وقت إنجاز مهامهم، إلى جانب اكتساب المزيد من الاستقلالية في كيفية إنجاز عملهم.

أصبح الموظفون -الذين عملوا عن بعد طيلة فترة الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا- يتمتعون باستقلالية أكبر ويقدرون الوقت الشخصي، لذلك من الأفضل أن يكون أرباب العمل جاهزين للتكيف مع هذا الوضع الجديد.

وبات الموظفون يقدرون أكثر الوقت الذي يقضونه مع عائلاتهم ويولون اهتماما أكبر للأولويات الشخصية، وربما تغيرت حياتهم للأبد بسبب خسارة أحد ذويهم أو نتيجة المخاوف الصحية. وبعد عام من العمل من المنزل، يتوقع كثير من الموظفين أن يصبحوا أكثر تحكما في كيفية ومتى وأين يقومون بعملهم، والتمتع باستقلالية أكبر عن مديريهم أو مؤسساتهم.

كورونا وآداب العمل من المنزل.. الملايين يجربون العمل عن بعد
بعد تفشي الوباء أصبح الموظفون يشعرون بمزيد من المسؤولية في إدارة المهام (غيتي)

التكيف مع إيقاع الوباء

في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (wsj) الأميركية، قالت الكاتبة ألكسندرا سامويل إن الموظفين تمكنوا خلال أقل من عام من التكيف مع إيقاع مختلف جذريًا عما كانت عليه الحياة قبل الوباء، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني.

تقول هولي بيركيت، المحاضرة في جامعة برمنغهام في بريطانيا والمديرة المشاركة في مشروع "إكوال بارنتنغ" بالجامعة، إن الموظفين لا يشعرون حتى أنهم بحاجة إلى قدر كبير من الإدارة بعد الآن، حيث استطلعت آراء المديرين والموظفين بعد تفشي الوباء، وقالوا "إنهم باتوا يشعرون بمزيد من المسؤولية في إدارة المهام حتى إن لم يتقاضوا رواتبهم في وقتها".

في ظل كل هذه التغيرات التي طرأت على أساليب العمل، يحتاج المديرون إلى التفكير بطريقة مختلفة حول كيفية توجيه وتدريب أعضاء فرقهم بشكل فعال عند عودتهم إلى المكتب. وخلافا لما يعتقدون، سيلاحظ المديرون التأثير الإيجابي للعمل من المنزل على موظفيهم.

العمل من المنزل مكن الموظفين من اكتساب قدرات جديدة لا علم لرئيس العمل بها (غيتي)

البدء من جديد

بالنسبة للمبتدئين، ينبغي على رؤساء العمل التفكير في تجديد علاقتهم مع كل موظف كما لو كانوا يبدؤون من الصفر. ولتحقيق هذه الغاية، يجب ألا يفترض رؤساء العمل ما يمكن لموظفيهم القيام به أو ما لا يمكنهم بناءً على ما يعرفونه عنهم قبل الوباء، لأن العمل من المنزل قد مكنّهم من اكتساب قدرات جديدة لا علم لرئيس العمل بها.

في هذه الحالة، من الأفضل التعامل معهم كما لو أنهم موظفون جدد، ومعرفة شعورهم حيال العودة إلى العمل من المكتب، وما الذي يتطلعون إلى تحقيقه في الأشهر أو السنوات المقبلة، وكيف يأملون تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعملية.

كورونا وآداب العمل من المنزل.. الملايين يجربون العمل عن بعد
بعد كورونا التخلي عن المرونة في ساعات العمل أصبح أمرا صعبا بالنسبة للعديد من الموظفين (غيتي)

طعم الاستقلالية

انطلاقا من أنماط عمل الموظفين المستقلين التي درسها ديفيد باولين -أستاذ إدارة التكنولوجيا في كلية الإدارة بجامعة ماسي في نيوزيلندا- يقول إن "بعض الموظفين قد يشعرون بالقلق بشأن تراجع ثقة الإدارة في قدراتهم على العمل بشكل أكثر استقلالية".

إلى جانب اكتساب المزيد من الاستقلالية في كيفية إنجاز أعمالهم، شهد العام الماضي تمتع العديد من الموظفين بمزيد من القدرة على التحكم في وقت إنجاز مهامهم.

وتقول ميريد أوكونور من كلية إدارة الأعمال بجامعة نيو ساوث ويلز إن "الإدارة لاحظت أن موظفيها سعوا للحصول على وقت عمل غير مقيد خلال اليوم. واتضح أنهم يقضون ساعات أقل يوميًا في العمل قبل الساعة 5 مساءً، مع تسجيل زيادة كبيرة في العمل أثناء الساعات المسائية وخلال عطلات نهاية الأسبوع".

في الحقيقة، سيكون التخلي عن هذه المرونة في ساعات العمل أمرًا صعبا بالنسبة للعديد من الموظفين.

وتوصي الدكتورة أوكونور بأن يحدد رؤساء العمل ساعات عمل أساسية يجب أن يكون خلالها كل عامل في فريق أو مشروع على رأس عمله، سواء عبر الإنترنت أو في المكتب، ومن ثم السماح للموظفين بإدارة بقية جدولهم الزمني بكل حرية.

وجدت أستاذة المحاسبة في كلية كينيث جي ديكسون للمحاسبة بجامعة سنترال فلوريدا كيم كيلي أنه خلال كوفيد-19 قل الاعتماد على آليات الإشراف الأكثر فائدة للإنتاجية، بما في ذلك الاجتماعات وجهًا لوجه ولقاء زملاء العمل أو تقييمات الجهات الخارجية، وتم استبدالها بمقاربات أقل فعالية ولكنها أكثر "ملاءمة للعمل عن بُعد"، مثل الاجتماعات عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني وسجلات العمل.

وترى كيلي أنه لهذا السبب "لا يزال المديرون بحاجة إلى الحفاظ على نقاط اتصال وجهًا لوجه مع موظفيهم، بالإضافة إلى الاعتماد على مجموعة أوسع من وحدات رصد أداء الموظفين".

اجتماعات عمل عبر الفيديو
المديرون استخدموا خلال فترة انتشار الوباء اجتماعات الفريق كأداة لدعم الموظفين وليس لأسباب تشغيلية (غيتي)

الاجتماعات والتواصل الاجتماعي

إن فكرة أن يكون الموظفون متاحين لمواكبة الاجتماع على مدار الساعة من 9 صباحا إلى 5 مساء لمدة 5 أيام في الأسبوع، فضلا عن بقائهم في المنزل والاستعداد لتلقي مكالمة في أي وقت، من الأفكار التي عفا عليها الزمن.

مع انقسام الموظفين بين من يعمل من المنزل ومن يعمل في المكتب، يجب أن يكون جميع الموظفين قادرين على حضور الاجتماعات. ولن ينجح ذلك إلا إذا اتبع المديرون نهجًا يركز على مكان كل الفريق، ووضع جدول مشترك يجمع كل فرد من الفريق في المكتب ليومين أو 3 أيام من كل أسبوع.

وتقول بيركيت إنه خلال فترة انتشار الوباء، استخدم المديرون "اجتماعات الفريق والاتصالات كأداة لتعزيز الرفاهية ودعم الموظفين، وليس لأسباب تشغيلية بحتة"، وينبغي أن يستمروا في اتباع هذه الممارسة.

وتنصح كيلي المديرين "بخلق فرص للناس للعودة إلى المكان نفسه". إن الجدول الزمني المشترك هو جزء من تلك الإستراتيجية، ولكن يمكن للمديرين فعل المزيد من خلال تشجيع الموظفين على زيادة تفاعلاتهم خلال أيام العمل مع مراعاة اختلاف شخصيات الموظفين.

فعلى سبيل المثال، سمح العام الماضي للموظفين الانطوائيين بالتخلص من التواصل الاجتماعي القسري وغير المريح، في حين منح المنفتحين الفرصة لمتابعة صداقاتهم وأنشطتهم مع زملائهم خارج مكان العمل.

المصدر : وول ستريت جورنال