بمساعدة المراكز العلاجية في مصر.. شباب ينتصرون على الإدمان

المدمن بحاجة لرعاية صحية وعدم ممارسة دور "الجلاد" عليه

مخدرات بيكسابي
صندوق مكافحة الإدمان بمصر: أعلى نسب التعاطي بين السائقين والحرفيين وطلاب الثانوية (بيكسابي)

بمجرد دخولك الدار تحس بشعور مختلف، فوجوه الجميع بها بريق من الإصرار والعزيمة على تخطي مرحلة الخطر بعد أن تسبب تعاطي المخدرات في تآكل الأخضر واليابس بحياتهم لتتحول إلى جحيم.

مجموعة من القواعد الصارمة والأنشطة المختارة بعناية التي يسير عليها الجميع، هكذا يقضي هؤلاء الشباب حياتهم في الدار الكائنة بإحدى مناطق القاهرة، وسط آمال بالحصول على قبلة الحياة مجددًا.

جلسات قراءة ونقاشات على صفيح ساخن وجلسات تأمل وأخرى للاستماع ومتابعة برامج تعليمية، تلك هي أغلب الأنشطة للتخلص من الإدمان مع تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وإتاحة الفرصة لممارسات مختلفة مثل تنس الطاولة وألعاب الفيديو ومشاهدة التلفاز وغيرها من الأنشطة كنوع من العلاج، ومحاولة التخفيف من أعراض الانسحاب التي حفرها المخدر في أذهانهم.

هنا رصدت الجزيرة نت الكثير من القصص التي تبدو مؤلمة وصعبة لكنها مثيرة للإعجاب كذلك على نهايتها، وهو ما تثيره عزيمة النزلاء على الشفاء من داء المخدرات المستفحل في عقول نفر من الشباب على "أرض الكنانة".

ندوات وجلسات للعلاج من الادمان داخل أحد دور التعافي 2 - الجزيرة نت
ندوات وجلسات علاج من الإدمان داخل إحدى دور التعافي (الجزيرة)

خسرت حياتي

"خسرت حياتي وفقدت وظيفتي وأهلي وخطيبتي بسبب إدماني للمخدرات"، يسرد الثلاثيني أحمد (اسم مستعار) خريج كلية الحقوق، للجزيرة نت، كيف أثر عليه تعاطي المخدرات طوال سنوات عديدة ومنذ تخرجه وعمله بأحد البنوك المرموقة والذي فقده بسبب طيش تصرفاته، قبل أن يأخذ قراره بالامتناع عن تعاطيها.

وبعد ذلك مضي أحمد في رحلة مثيرة استمرت منذ تخرجه الجامعة وطوال 12 عاما كاملة، وهي الفترة التي استمر فيها مدمنا يتعاطى الحشيش والبودرة والمخدرات كغيره ممن فقدوا البوصلة خلال مرور قطار الحياة بمرحلة الشباب.

إحصائيات صادمة

وبحسب إحصائية لصندوق مكافحة الإدمان، نهاية العام الماضي، فإن آخر بحث أجري حول إدمان المخدرات بمصر جاء فيه أن أعلى نسب التعاطي بين السائقين والحرفيين بمعدل 19% من إجمالي المتعاطين، في حين تبلغ النسبة من طلاب المدارس الثانوية 7% والثانوي الفني 8.5%.

وسجل الحشيش المخدر الأكثر انتشارا بنسبة 59%، يليه الهيروين والترامادول ثم الإستروكس.

ووفق وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، يقدر عدد المراكز العلاجية التابعة لصندوق مكافحة الإدمان 26 مركزا للتعافي، مضيفة، في تصريحات أمام البرلمان، الأول من فبراير/شباط الجاري، أنه جار الإعداد لافتتاح 3 مراكز أخرى بالجنوب، مؤكدة أنه أعداد المستفيدين بلغ 396 ألف مريض منذ عام 2018 وحتى 2020.

وربما كانت أعداد المراكز العلاجية ضئيلة مقارنة بإجمالي عدد المتعاطين، والتي تأتي متقاربة بين إحصاء كل من وزارة التضامن الاجتماعي وصندوق مكافحة الإدمان بنسبة حوالي 2% من الشعب، غير أن هذه الوزارة ذكرت أن نسبة المتعاطين انخفضت بمعدل 6% بعدما كانت 8% كنتاج لعملية الكشف على المتعاطين وإجراء التحاليل للموظفين منذ بداية مارس/آذار 2019.

 

القرار الصعب

يعود أحمد ساردًا واقع ما مر به خلال مرحلة التعاطي بأنها كانت فترة سوداء من حياته قرر أن يسطر نهايتها بعد المتاعب واليأس الذي واجهه خلال حياته، يقول "شاهدت الكثير من الأشخاص، كانت ظروفنا متقاربة مع بعضنا البعض حيث كنا في منطقة خربانة خربانة (تعبير عامي يعني مرحلة متقدمة من اليأس)" متابعًا أن هناك من مات منهم بسبب الحصول على جرعة زائدة وهناك من تعرض للاعتقال.

وهذا ما دفع الشاب إلى إعادة حساباته حيث قرر التوقف والذهاب إلى المراكز العلاجية، لمساعدته على التخلص من إدمانه، ليحتفل بعامه السابع مؤخرًا والذي استطاع أن ينتصر فيه على إدمانه.

إلى بر الأمان

لم يكتف أحمد بالعبور من تجربته القاسية إلى بر الأمان بعد التعافي من المخدرات وآثارها، وإنما قرر مساعدة غيره ممن جرفتهم الأهواء بطريق الإدمان حيث فتح دارا لرعاية الإدمان، ويقوم يوميًا بنشر منشورات عبر صفحته بموقع التواصل حاثا غيره على الابتعاد عن طريق المخدرات وعدم استسهاله.

ينهي حديثه بأنه كان قد قرر العودة إلى أهله، قائلًا "عاوز أرجع أقولهم إني بقيت حاجة بمساعدة غيري" مشيرًا إلى أن أبرز ما يواجهه المدمنون الراغبون في الإقلاع عن التعاطي هو النظرة السلبية للمجتمع والتي تجعل البعض منهم مجرمين، ولكن الإدمان في الأصل مرض حسب رأيه.

ألعاب وأنشطة رياضية داخل دور التعافي من الادمان -الجزيرة نت
ألعاب وأنشطة رياضية داخل دور التعافي من الإدمان (الجزيرة)

النجاة من الفخ

خالد (اسم مستعار) عمره 28 عامًا من رواد الدار، ورغم كونه أحد الحاصلين على بطولة الجمهورية في كمال الأجسام منذ فترة فإنه سقط في فخ الإدمان ليصبح متعاطيا للهيروين والبودرة قبل أن يقرر تعديل سير حياته للأفضل.

يقول الشاب للجزيرة نت إنه حتى الآن لم يصدق أن باستطاعته الانتهاء من التعاطي حيث نجح منذ أكثر من شهرين وهو ما يشعر بالفخر إزاءه، مؤكدًا أهمية دار مكافحة الإدمان التي التحق بها في تقديم الرعاية الصحية والنفسية وإعادة تأهيله للعودة للحياة مجددًا.

ولفت إلى أنه يتعلم مع زملائه في الدار أشياء تفيدهم في حياتهم لتغيير شكل الحياة وطريقة التفكير والقدرة على معرفة أسباب المشكلة، وتدارك الأخطاء بتذكر العواقب، بما يضمن الحصول على شكل حياة صحيح وهو يتضمن الترفيه كذلك حيث يكون في وقت معين وليس على مدار اليوم ولا بصورة غير مقبولة.

جلسات قراءة للتقليل من أعراض الانسحاب عند الراغبين بالتخلص من آثار الادمان - الجزيرة نت
جلسات قراءة للتقليل من أعراض الانسحاب عند الراغبين بالتخلص من آثار الادمان (الجزيرة)


أسباب الإدمان

"انتشار هذه الظاهرة بين بعض فئات الشباب يعود إلى وجود البيئة المساعدة لها" والتي تتضمن توفر المخدرات بسبب الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية وارتفاع نسب البطالة، هكذا يبرر الدكتور عبد اللطيف حماد، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، أسباب الاتجاه لتعاطي المخدرات.

ويؤكد الاستشاري النفسي -خلال تصريحه للجزيرة نت- أن هناك سببا آخر وهو وجود اضطرابات نفسية لم يتم تشخيصها وعلاجها بصورة مبكرة كاضطرابات الشخصية وغياب أو ضياع منظومة القيم في المجتمع، كافتقاد التوعية وغياب الرعاية والمتابعة من الصغر من جانب الأسرة.

ويضيف أن المدمن بحاجة إلى رعاية صحية وعدم ممارسة دور "الجلاد" عليه، فالإدمان برغم كونه وجها لعملة أخرى، وهي الجريمة التي يمكن أن تقع بسببه، فإنه يعد كذلك مرضا بحاجة إلى العلاج كباقي الأمراض، وهو أمر من المهم توفيره من خلال دور العلاج والمراكز المختلفة.

المصدر : الجزيرة