هل يحتاج المعالج النفسي إلى علاج نفسي؟

المشاكل النفسية التي قد يواجهها المعالج النفسي تكون نتيجة عمله مع بعض مرضاه أو من مشكلاته الشخصية (بيكسلز)

عندما نعاني من مشاكل مع الصحة النفسية غالباً ما نلجأ إلى معالج أو طبيب نفسي متخصص لمساعدتنا في حل هذه المشكلات النفسية أو على الأقل تفكيكها وفهمها لمحاولة التعامل معها، لكن هل يعاني هذا المعالج النفسي من مشكلات متعلقة بالصحة النفسية هو الآخر؟ خصوصاً إذا كان يرافق بعض مرضاه خطوة بخطوة في رحلة العلاج، أم أنه محصن ضد الأمراض التي يحاربها مع مرضاه؟

وإذا عانى المعالج النفسي من مشاكل مع الصحة النفسية من يساعده على حلها؟ هل يعالج نفسه بنفسه لأنه معالج نفسي متخصص؟ أم يكون في بعض الأحيان في حاجة إلى مساعدة من معالج نفسي آخر؟

المعالج النفسي غير محصن ضد الأمراض التي يحاربها مع مرضاه (بيكسلز)

هل يحتاج المعالج النفسي إلى علاج نفسي؟

الإجابة المختصرة قد نكون شاهدناها في مسلسل نتفليكس التركي "طيف إسطنبول" (Bir başkadır)، إذ كانت البطلة مريم، وهي فتاة محجبة وفقيرة وتعمل عاملة تنظيف، تذهب إلى معالجة نفسية تدعى بيري لتساعدها في التعامل مع نوبات إغماء مجهولة السبب، بيري هي ابنة عائلة غنية علمانية وبعيدة عن أي مظهر من مظاهر الدين.

بيري تظهر صلابة في تفكيك مشاكل الفتاة المتدينة مريم، لكنها تكتشف هشاشتها الداخلية في عدم تقبل مريم بسبب تدينها، فتذهب إلى معالجة نفسية أخرى تدعى غولبين، ورغم أن الأخيرة تعاني من مشاكل أيضاً متعلقة بالمظاهر الدينية خصوصاً مع أختها الكبرى المتشددة من جهة أخرى، فإنها تضع زميلتها بيري أمام مشكلتها الحقيقية في رفضها لمظاهر التدين واحتقارها مريضتها التي من المفترض أن تتعاطف معها.

السلسلة لم تقف هنا، بل استمرت في شكوى غولبين المستمرة -خصوصاً لصديقها سنان- من زميلتها في العلاج النفسي ومريضتها في العيادة بيري، المتعالية والمحتقرة للمحجبات. وهنا أظهر المسلسل كيف أن بعض المعالجين النفسيين لا يستطيعون التعامل مع بعض المشاكل النفسية التي من المفترض أنهم درسوها لسنوات ويدركون تماماً طريقة التعامل معها، بل أيضاً كيف تجعلهم في حاجة إلى مساعدة متخصصة لتخطي مشاكلهم النفسية التي تتقاطع أو تتعارض مع المرضى.

بإجابة أخرى، أن يكون الشخص معالجاً نفسياً متخصصاً لا يعني أن مشاكله النفسية ستختفي بطريقة سحرية، لكن ربما مجال دراستهم وعملهم قد يساعدهم على إدراك مشاكلهم والأسباب الكامنة وراءها، لكن قد لا تزال هناك حاجة إلى طلب بعض المساعدة، خصوصاً أنه بالإضافة إلى مشاكلهم ورحلاتهم التي يسيرون فيها مع مرضاهم، فإنهم أيضاً أناس لديهم عائلات وأنماط حياة ومشاكل شخصية.

العلاج النفسي الشخصي

بالنظر إلى حياة بعض كبار أساتذة علم النفس مثل الطبيب النمساوي سيغموند فرويد، والأسترالي ألفريد أدلر، والألمانية كارين هورني، فقد بدا جلياً معاناتهم من مشاكل نفسية حتى إن نظرياتهم تأثرت بها، فمثلاً نجد أن النظريات التي طورها فرويد مثل عقدة أوديب تأثرت بمشاعر الغيرة التي حملها تجاه والده، أما أدلر الذي اعتقد أن البشر لديهم شعور قوي بالتفوق لأنه كان لديه أشقاء ينافسهم باستمرار، أما هورني التي كانت تؤمن بتفوق الذكور، فقد عانت من أب مستبد لم يمنحها فرصاً كما حظي إخوتها الذكور.

المشاكل النفسية التي قد يواجهها المعالج النفسي إما جاءت نتيجة عمله مع بعض مرضاه، وإما من مشكلاته الشخصية التي يعانيها في حياته مثله مثل باقي الناس، إلا أن مواجهة الجانب المظلم في أنفسهم لا يساعدهم فقط في تخطي هذه المشاكل الشخصية والمهنية، بل هو أيضاً ضروري للتمكن من التعامل مع المرضى، خصوصاً أن بعض مشاكل المرضى قد تترك انعكاساً كبيراً على المعالج الذي عليه إدراك وتفكيك اللاوعي وتحقيق توازن نفسي، ليستطيع تحمل عبء المشاعر السلبية التي يعيشها في العيادة، وفق مقال نشرته مجلة "ميديوم" (Medium) لشرح أهمية العلاج النفسي للمعالجين النفسيين.

لهذا؛ يلجأ بعض المعالجين النفسيين إلى التعامل مع مشاكلهم النفسية بشكل شخصي بحت بخلاصة تجاربهم المهنية والعلمية، أي أنهم يعالجون أنفسهم بأنفسهم، وهذا النوع من العلاج يعرف باسم "العلاج الشخصي"، وهذا العلاج اقترح بالأساس ليكون عاملاً مساعداً في تعزيز التطوير المهني للمعالجين النفسيين من خلال زيادة وعيهم الذاتي، لدرجة أن بعض الدول الأوروبية باتت تفرضه على المعالجين في مراحل تدريبهم قبل أن يتم تعيينهم ليصبحوا معالجين متخصصين.

اقتراح "العلاج الشخصي" بالأساس ليكون عاملاً مساعداً في تعزيز التطوير المهني للمعالجين النفسيين (بيكسابي)

3 أسباب رئيسية

"طوال فترة دراستي وحياتي المهنية وعملي مع المرضى كنت أدرك أكثر أهمية أن أخضع للعلاج النفسي إذا كنت معالجاً نفسياً"، كان هذا رأي مستشار العلاج النفسي شايلين فورتي بموقع الرعاية الصحية النفسية "بيراميد هيلث كير" (Pyramid Healthcare).

إذ اعتقد أن هناك 3 أسباب رئيسية تدفع المعالج النفسي للمتابعة مع معالج نفسي، أولها منع الإرهاق نتيجة التعامل اليومي مع مشاكل المرضى، والاستعانة بشخص آخر يساعده على تخفيف هذا الإرهاق، وتقديم خدمة أفضل لمرضاه، والثاني هو معالجة أفكار ومشاعر المعالج الذي قد يجد نفسه مثقلاً بمشاكل الصدمات والإدمان وسوء المعاملة، والتي قد تؤثر على صحته النفسية دون وعي، أما السبب الثالث في رأي "فورتي" فهو تعامل المعالج مع مشاكله الخاصة، القلق والاكتئاب والحزن والخسارة والتوتر والعديد من المشكلات الأخرى التي قد تصادفه في حياته اليومية.

أما عالمة النفس أنيتا سانز ومؤلفة كتاب "عام للتغيير" (A Year To Change) أجابت على هذا السؤال في موقع "كورا" Quora حيث أكدت على أهمية العلاج النفسي للمعالج باعتباره جزءاً من برنامج تدريبه، خصوصاً أنها تعتبر أن "العلاج النفسي هو إحدى المهن القليلة التي يكون فيها الإدراك الذاتي أحد أهم الأدوات المتاحة لك"، وتحتاج إلى دراية من المعالج بنقاط ضعفه وقوته في التعامل مع مشكلاته ومشاكل الآخرين، حتى لا ينصحهم بنصائح غير مناسبة تزيد من سوء المشكلة بدلاً من المساهمة في حلها.

أيضاً تعتقد سانز أن خضوع المعالج النفسي لعلاج نفسي يظهر ثقته فيما يقدمه بالأساس، وهو محاولة مساعدة الناس على تخطي مشاكلهم النفسية، لأنه ليس ساحرا أو بطلا خارقا ولا حتى طبيبا عاديا يصف العلاج فيعطي نتيجة مباشرة، وإذا كان المعالج مؤمنا بأن نصائحه مثمرة على المدى الطويل وتفيد مرضاه، فإنه سيفعل الشيء نفسه لتخطي مشاكله، فضلاً عن مساعدتهم في منع الإرهاق المهني أو الإجهاد من التعاطف مع المرضى ومشاكلهم، بجانب مشاكلهم الخاصة.

المصدر : مواقع إلكترونية