شخصيات وأحزاب ومافيات تدير شبكات من المتسولين في العراق

طفلتان متسولتان تجلسان على الرصيف بمنطقة الميدان في بغداد (الجزيرة نت)

حين تسير في شوارع العاصمة العراقية بغداد، ترى أطفالا وفتية من الجنسين وآخرين متقدمين في العمر يمتهنون التسول طلبا للفتات من الناس، أما إذا كنت في مطعم أو مقهى أو حتى في منزلك فسيأتيك المتسولون ليل نهار.

التسول ليست ظاهرة خاصة بالعراق، بل هي في دول مختلفة، لكنها في بغداد أخذت منحى آخر، حتى دخلت شخصيات متسلطة ومافيات تتربح من إدارة شبكات للمتسولين، فضلا عن وجود آلاف من اللاجئين السوريين وآخرين من الأجانب امتهنوا التسول.

طفلة تجلس فوق جسر الشهداء وسط بغداد للتسول (الجزيرة نت)
طفلة تجلس فوق جسر الشهداء وسط بغداد للتسول (الجزيرة نت)

نمو الظاهرة

كثيرة هي الأسباب التي ساهمت في زيادة ظاهرة التسول بالعاصمة العراقية، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين حتى بلغت نسب الفقر في البلاد نحو 40% من العراقيين البالغ تعدادهم أكثر من 40 مليون نسمة، بحسب تقرير للبنك الدولي عام 2020.

إضافة إلى أسباب أخرى تشمل كل أشكال الفقر الفرعية، كالبطالة أو درجة الحرمان أو التشرد وغيرها.

وعن نمو ظاهرة التسول في بغداد، بيَّن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء خالد المحنا عن مواصلة الجهود الأمنية للحد منها.

ويقول المحنا للجزيرة نت إن"وزارة الداخلية تنفذ بين الحين والآخر حملات لإلقاء القبض على المتسولين، لوجود مواد قانونية تمنع هذه الظاهرة، لكن سرعان ما يتم إطلاق سراحهم".

المحنا قلة دور إيواء المشردين و المتسولين في بغداد سبب زيادة ظاهرة التسول رغم اعتقالهم المسبق (الجزيرة نت)
المحنا: قلة دُور إيواء المشردين والمتسولين تتسبب في زيادة ظاهرة التسول (الجزيرة نت)

وعن سبب ذلك، كشف المحنا عن عدم وجود بنى تحتية تستقبل المشردين والمحتجزين، مبينا أن أغلب الأماكن الخاصة بدور إيواء المشردين بُنيت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولا توجد بنى تحتية تستقبل أعدادا كبيرة، مما يضطر الجهات المعنية لإطلاق سراحهم بكفالة مالية أو لعدم كفاية الأدلة.

أما بخصوص المتسولين الأجانب، فقد لفت المحنا إلى أن "هناك متسولون من جنسيات آسيوية وأخرى عربية تم ترحيلهم لبلدانهم بسبب وجودهم في البلاد خلافا لضوابط الإقامة".

من مواقع التواصل الاجتماعي - عضو مفوضية حقوق الانسان - فاتن الحلفي
الحلفي اعتبرت أن ظاهرة التسول تزداد بشكل مخيف في بغداد مما يؤدي لتشويه صورتها أمام العالم (مواقع التواصل)

لا إحصائية رسمية

لم تغيب قضية التسول والمشردين عن المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، حيث تراقب عن كثب وتحذر من تداعياتها على المجتمع العراقي.

وقالت عضو المفوضية الدكتورة فاتن الحلفي -للجزيرة نت- إن ظاهرة التسول في بغداد من النساء والأطفال وكبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة، بدأت تزداد بشكل مخيف خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يتسبب في تشويه صورة البلد الاجتماعية أمام العالم.

الحلفي خلال حديثها ترفض إحالة المتسول الذي تعتقله الجهات الأمنية إلى القضاء أو السجن، بل من الضروري تطبيق الرادع لمنع العودة للتسول مرة أخرى.

وحول وجود إحصائية رسمية بأعداد المتسولين في بغداد خاصة والعراق عموما، تؤكد الحلفي عدم وجودها بسبب انتشار التسول في أكثر الأوقات سواء بالليل أو النهار، وخاصة عند بدايات ساعات الفجر، لهذا لن تستطيع أي جهة حكومية أو غيرها وضع إحصائية لأعدادهم.

الكسب غير المشروع

ويرى رئيس مركز الشرق الأوسط للتنمية والحريات الإعلامية صلاح العبودي، أن ظاهرة التسول في بغداد مهنة تجارية تقف خلفها أحزاب ومافيات للكسب غير المشروع، حتى صار الفقير تحت "عباءة الشيطان".

وقال العبودي للجزيرة نت إن المتسولين موجودين في جميع مناطق العاصمة، تقودهم شبكات مافيات تقوم بتوزيعهم عند إشارات المرور وأماكن أخرى تجارية تشهد إقبالا من المتبضعين.

ويؤكد أن هناك بعض الأحزاب -التي لم يسمّها- تدفع المتسولين للقيام ببعض أعمال السخرة، على غرار تنظيف السيارات لتحقيق أرباح مالية تصل يوميا إلى نحو 15 مليون دينار نحو (10 آلاف دولار)، وربما أكثر بحسب الكثافة البشرية والسيارات في بعض المناطق.

يضطر الكثير من هؤلاء الأطفال إلى ممارسة التسول في الشوارع العامة
طفلة تمد يدها طلبا للمساعدة في أحد شوارع بغداد (الجزيرة نت)

اتجار بالبشر

ويرى القانوني المختص في قضايا مكافحة الاتجار بالبشر عباس علي بنيان، وجود علاقة مباشرة بين ظاهرة التسول وظاهرة الاتجار بالبشر، إذ يتم استغلال المتسولين بشكل سلبي من قبل الأب أو الأم أو جهات تستفيد من التسول.

ويقول بنيان -عبر حديثه للجزيرة نت- إن الشبكات والعصابات التي تقف خلف المتسولين تبتز المتسول وتهدده، سواء كان طفلا أو شيخا أو امرأة أو شابا، وهذا يندرج ضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر، مبينا أن "خروج المتسول -ضمن أي فئة عمرية- من أجل المعيشة، لا يندرج ضمن القانون".

وبخصوص العقوبات، أشار بنيان إلى أن قانون العقوبات العراقي النافذ سلط الضوء على ظاهرة التسول من خلال المادة 390 التي نصت على المعاقبة بحبس لا يزيد على 3 أشهر ولا يقل عن شهر بحق المتسول الذي بلغ عمر 18 سنة، وإذا لم يبلغ السن القانونية فيطبق عليه قانون الأحداث.

ويضيف القانوني العراقي أن المادة 392 من قانون العقوبات أيضا، نصت على الحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات لكل من أغرى شخصا بممارسة التسول أو العمل القسري أو الاستغلال الجنسي الذي يعد من المتاجرين بالبشر وفق المادة 1 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي حدد أيضا عقوبات بالحبس المؤقت مع دفع غرامة مالية لا تقل عن 5 ملايين دينار (3400 دولار) ولا تزيد على 10 ملايين دينار (6800 دولار).

زنكنه يقترح حلولا للقضاء على ظاهرة التسول في بغداد (الجزيرة نت)
زنكنه اقترح حلولا عملية للقضاء على التسول في بغداد (الجزيرة نت)

حلول مقترحة

هناك حلول يجب تطبيقها من قبل الحكومة لإنهاء ظاهرة التسول في بغداد، وفق رئيس مركز اتحاد الخبراء الإستراتيجيين صباح زنكنه.

ويقترح زنكنه على الجهات الحكومية وضع قاعدة بيانات للعائلات الفقيرة والمتعففة، من أجل معرفة إن كان التسول ظاهرة مرضية أم بداعي العوز أم تجارة مربحة.

ومن الحلول الأخرى، يضيف زنكنه للجزيرة نت أن العراق بحاجة إلى الاستثمارات الداخلية، بالإضافة لتشغيل المصانع المعطلة منذ عام 2003، لتعزيز الإنتاج الوطني من جانب وامتصاص البطالة لدى النساء والرجال من جانب آخر، حتى يتم القضاء على ظاهرة التسول.

وختم زنكنه قائلا "في العراق لا توجد دراسات وبحوث مختصة عن ظاهرة التسول، ويوجد البعض منها لكن لم يتم النظر فيها أو دراستها حكوميا"، مؤكدا ضرورة دراسة الظاهرة سياسيا كونها تقف وراءها شخصيات سياسية وحزبية وأمنية، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة