التبرع بالأعضاء بعد الوفاة في مصر بين تأييد ديني ورفض مجتمعي

إلهام شاهين تثير الجدل في مصر، وتطالب الدولة بتقنين الوضع للراغبين في التبرع، وألا يترك القرار في يد أسرة المتوفى.

Giving/donation concept
دار الإفتاء المصرية: التبرع بالأعضاء بعد الوفاة جائز شرعا وهو من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في الطب (شترستوك)

من جديد يعود الجدل بشأن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وعن أحقية التصرف في الجسد لصاحبه، ويتجدد النقاش حول رفض الشرع أو قبوله. وفي لقاء على هامش إحدى الفعاليات الثقافية في مصر، تصدرت الفنانة إلهام شاهين عناوين الأخبار، بعد تصريحها حول موافقتها على التبرع بأعضائها بعد وفاتها.

واقترحت شاهين أن يتم تسجيل ذلك عبر بطاقات الرقم القومي في خانة "أرغب" أو "لا أرغب"، بالإضافة إلى مطالبتها الدولة المصرية بتقنين الوضع للراغبين في التبرع، وألا يترك القرار في يد أسرة المتوفى.

محمد متولي الشعراوي.. قبسات من نور إمام الدعاة وشيخ المفسرين
الشيخ محمد متولي الشعراوي اعتبر أن نقل الأعضاء اعتراض على مشيئة الله وقدره (الجزيرة)

بين تحريم الشعراوي وإباحة الإفتاء

ما قالته الممثلة إلهام شاهين لم يكن جديدا على ساحة الصراع بين فريقي الرفض والقبول في مصر؛ فالقضية التي أثيرت في تسعينيات القرن الماضي بين علماء الأزهر الذين أباحوا التبرع وليس البيع، رفضها الإمام محمد متولي الشعراوي، مؤكدا أن جسد الإنسان ليس ملكه ولا يحق له التصرف فيه، ونقل الأعضاء هو اعتراض على مشيئة الله وقدره.

حكمت فتوى الشعراوي طيلة 3 عقود، حتى عادت تصريحات شاهين وحركت النقاش بشأن الموضوع مرة أخرى.

وفي يونيو/حزيران الماضي، علقت دار الإفتاء على سؤال ورد إليها يخص الموضوع نفسه بأن "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة جائز شرعا، وهو من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في الطب والعلاج، ومن ضرورات الحفاظ على النفس في بعض الأحيان، ونقْل أو زرع الأعضاء من شخص حي أو متوفى؛ هو أمر جائز شرعا لا جدال فيه، ولا يعد من باب التلاعب في الجسد الذي كرمه الله"، لكنها مع ذلك وضعت شروطا له.

والشرط الذي وضعته دار الإفتاء هو التحقق من الوفاة، وأن يكون المنقول منه قد تحقق موته موتا شرعيا، أي لم تعد هناك حياة في أي جزء من أجزاء جسده، ولهذا فإن الموت الإكلينيكي، أو ما يعرف بموت جذع المخ، أو الدماغ، هو ليس موتا تاما ونهائيا.

واشترط وجوب التأكد كليا ونهائيا من الوفاة من لجنة مكونة من 3 أطباء عدول ومن أهل الخبرة، على ألا يكون من بينهم الطبيب الذي سينفذ عملية نقل العضو أو الأعضاء التي سيتم التبرع بها، وأن تدون شهادة هؤلاء الأطباء في شهادة مكتوبة وموقعة منهم، وهذه اللجنة يتم تشكيلها من قبل الوزير المختص، وذلك قبل أن يتم اجتزاء أي جزء من جسد المتبرع، وإذا لم يتم التحقق من موت المريض بالشروط المذكورة، فإن نقل الأعضاء يصبح محرما حينها.

الفنانة إلهام شاهين جددت الجدل بعد تصريحها حول موافقتها على التبرع بأعضائها بعد وفاتها (الفرنسية)

تقنين التبرع بالأعضاء

وبعد تصريحات إلهام شاهين الأخيرة سارع العديد من المثقفين إلى الانضمام لدعوتها لتقنين التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، من أبرزهم خالد منتصر وفريدة الشوباشي، والمنتج السينمائي محمد العدل، بالإضافة إلى بروز الفكرة من جديد وطرحها للنقاش العام، كما نشرت بوابة الأهرام المصرية.

ففي الوقت الذي رفض فيه كثيرون الفكرة، استعرض المؤيدون للفكرة تصريحات مشايخ الأزهر السابقين، ورأي مفتي مصر الأسبق الإمام محمد سيد طنطاوي، المعاصر للإمام الشعراوي، الذي رفض فتواه بتحريم التبرع بالأعضاء، بل زاد على ذلك بموافقته هو شخصيا على التبرع بأعضائه بعد وفاته، لكن القدر لم يمهله، وتوفي في السعودية ودفن في البقيع.

نشر ثقافة التبرع بالأعضاء

التجربة التي يبدو أنها ستلاقي تأييدا في أوساط متعددة في مصر، وجدت كذلك ما هو أكثر من التأييد؛ فالبعض بدأ مبكرا، فمنذ 3 سنوات كوّن عدد من الشباب المؤمنين بأهمية التبرع بالأعضاء مجموعة افتراضية تسعى لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء، وتغيير مفاهيم المجتمع عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وبالفعل قاموا بإصدار نموذج لإقرار بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، يتم تسجيله في أي من فروع الشهر العقاري المصري، ويصبح واجب النفاذ بعد الوفاة، وتعد هذه الوثيقة إذنا بالتصرف في أعضاء المتبرع بعد الموت بلا مقابل مادي أو معنوي.

5 آلاف عضو مشارك في المجموعة الافتراضية، التي تطرح خطوات التبرع والذهاب للشهر العقاري ثم تسجيل الإقرار في المجالس الطبية في ما يشبه الوصية.

يوسف راضي أحد مؤسسي مجموعة التبرع بعد الوفاة، أكد للجزيرة نت أن مصر تأخرت طويلا في تقنين التبرع بالأعضاء، ورغم القانون الصادر عام 2011 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء بتوثيق إقرارات التبرع، فإن العديد من الموثقين كانوا يرفضون القيام بمهامهم، وتعطيل الإجراءات بدل تسهيلها.

ويضيف يوسف أنه في العام الماضي أصدرت مصلحة الشهر العقاري كتابا دوريا بينت فيه أن من يقوم بتعطيل الإجراءات التوثيقية للتبرع بالأعضاء يعطل العمل العام.

وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الإسلامية التي قننت التبرع بالأعضاء -حسب راضي- الذي يستشهد بالمركز السعودي للتبرع بالأعضاء، الذي صدر قرار بإنشائه عام 1983، وتمت أول عملية تبرع من متوفى عام 1984

وطالب راضي بأن يتم تقنين التبرع عبر مبادرة رئاسية، مثل مبادرة الخلايا الجذعية، وقال إن "الأزمة ليست في الدين، لكن في الوعي المجتمعي، وهذا الوعي يجب توجيهه بشكل صحيح من قيادات الدولة".

المصدر : الجزيرة