صورتك في اجتماعات زوم.. كيف غيّر العمل عن بعد الطريقة التي نرى بها وجوهنا؟

التغيرات في الإدراك الذاتي في ظل القلق المصاحب لمقابلات الفيديو المستمرة تؤدي إلى إجراءات تجميلية غير ضرورية (غيتي)

كان هجوم وباء كورونا (كوفيد-19) سببا للتحول نحو العالم الافتراضي، فأصبحت الأعمال والدراسة ومقابلات العمل تدور عبر الشاشات والتطبيقات الافتراضية.

وكنتيجة مباشرة لذلك؛ أصبحنا نرى وجوهنا على الشاشة باستمرار. حتى أولئك الذين لم يساورهم القلق قط بشأن مظهرهم من قبل، وجدوا أنفسهم في مواجهة أنفسهم عن قرب فجعلهم ذلك يلاحظون أن صورتهم الحقيقية لا تماثل صورتهم الذهنية عن أنفسهم، وأن هناك كثيرا من العيوب بوجوههم بحاجة إلى النظر إليها، مثل أنف أكبر من اللازم أو شفاة نحيفة، أو تجاعيد خفيفة لم تكن تلاحظ من قبل.

زوم ديسمورفيا

نظرا إلى أن الوباء حشد الجماهير في مقابلات ومؤتمرات برنامج زوم طوال عام 2020 وما بعده، لاحظ الباحثون ظاهرة أطلقوا عليها "زوم ديسمورفيا" أو تشوهات زوم.

بدأ الأمر عندما شرع العالم في فك الإغلاق إلى حد ما، وبدأ الناس يتوافدون على عيادات التجميل والأمراض الجلدية، وزادت الطلبات على العلاجات والتجميل المتعلق بالمظهر في الوقت الذي كان يتم تحذير الناس فيه من تحمل أي مخاطر طبية غير ضرورية. حدث ذلك بسبب أن هناك كثيرا من الناس رسخ في أذهانهم أنهم يبدون أسوأ من المعتاد أو مما يعتقدون عن أنفسهم.

في عصر برامج الكاميرات أصبح الناس منشغلين انشغالا مفرطا بالجلد المترهل حول العنق والفكين، وحجم أنوفهم وشكلها، وشحوب بشراتهم، والبثور الصغيرة في وجوههم، واعتقدوا أن جراحات التجميل أو التدخلات التجميلية مثل البوتكس والفيلر هي الحلول المناسبة لمشاكلهم الحقيقية أو المتخيلة مع وجوههم.

على الرغم من فك الإغلاق إلى حد كبير وعودة الحياة بشكل ما إلى المقابلات والاجتماعات الحقيقية، فإن الخبراء يعتقدون أن ظاهرة زوم ديسمورفيا لن تختفي. حتى قبل "كوفيد-19″، كان جرّاحو التجميل وأطباء الجلدية يشهدون ارتفاعا كبيرا في عدد المرضى الذين يأتون إليهم بمتطلبات غير واقعية وغير طبيعية. أصبح الناس يريدون أن يبدوا كأنهم خضعوا لفلاتر تنقية الوجه وتوسعة العيون في الحياة الحقيقية، الجميع يرغب في بشرة متلألئة وأنوف منحوتة وشفاه ممتلئة ووجه بلا مسام أو تجاعيد؛ لكن الأمر أصبح أكثر تطرفا بعد ظهور "كوفيد-19".

تختلف ظاهرة زوم ديسمورفيا عن فكرة مشاهدة الناس أنفسهم من خلال فلتر؛ إذ تشوّه الكاميرات الأمامية الصور فعلا، فهي تجعل الأنوف تبدو أكبر، والعيون تبدو أصغر. ويتفاقم هذا التأثير كلما كانت العدسة أقرب، وهي بالتأكيد في الصور الذاتية تكون أقرب إلى الشخص من أي مصور يصور عن بعد. يعدّ النظر إلى كاميرا الهاتف الأمامية أو كاميرا الكمبيوتر المحمول من أسوأ الزوايا التي نرى بها أنفسنا وأقلها جمالا، لذلك ينصح المصورون بالزوايا العلوية عند استخدام الكاميرات الأمامية، ولهذا السبب انتشرت عصا السيلفي في كل مكان.

في عصر برامج الكاميرات أصبح الناس منشغلين بشكل مفرط بالجلد المترهل وحجم أنوفهم وشكلها وشحوب بشراتهم (بيكسلز)

قلق الإدراك الذاتي

اعتدنا غالبا رؤية أنفسنا سواء في المرايا أو الصور عندما تكون وجوهنا مسترخية أو سعيدة، ولم نعتد رؤية أنفسنا أثناء العبوس أو التركيز، لذلك قد تؤدي التغيرات في الإدراك الذاتي والقلق نتيجة مقابلات الفيديو المستمرة إلى إجراءات تجميلية غير ضرورية، بخاصة بين فئة الشباب الذي تعرضوا بشكل كبير لمنصات الإنترنت ومؤتمرات ومقابلات الفيديو.

يقول متخصصو علم النفس إن أفضل طريقة لمحاربة الخلل الذي حدث في إدراكنا الذاتي عن أنفسنا بسبب الكاميرات الأمامية والمقابلات الافتراضية هي معرفة كل شخص بأنه ليس وحده من يمتلك هذا الشعور بأن هناك شيئا خاطئا في مظهره.

أفرز الإغلاق عاصفة من المشاكل المتعلقة بالصورة الذاتية؛ إذ عاش الناس في عزلة طويلة، ينظرون إلى صورهم المشوهة، ويقضون أوقاتهم في النظر إلى صور مشوهة لأشخاص آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك أسهم في إيجاد مشكلة تتعلق بالصحة النفسية، وتظهر من خلال بعض العلامات مثل:

  • القلق بشأن حضور اجتماعات الفيديو مع تشغيل الكاميرا.
  • محاولة الظهور بمظهر مثالي قبل مكالمات الفيديو.
  • التركيز طوال الوقت على الشاشة ومحاولة اكتشاف العيوب الشخصية.
  • الاعتقاد المستمر بأن الآخرين يركزون على العيوب الشخصية المتخيلة.

 

أصبح العمل عن بعد نهجًا معتمدًا من قبل العديد من شركات التكنولوجيا.
الإغلاق خلّف عاصفة من المشاكل المتعلقة بالصورة الذاتية (غيتي)

أصول خلل التشوه الذاتي

تعود أصول خلل التشوه الذاتي من منظور التحليل النفسي إلى المراحل الأولى من التطور، من خلال ما يعرف بمرحلة المرآة، حين يرى الأطفال أنفسهم منعكسين في عيون والديهم ووجوههم. عندما يكون الوالدان دافئين ومحبّين، يشعر الأطفال بالحب والثقة، ولكن عندما تغيب هذه النظرات المحبة الحنونة، ويحلّ محلها غياب الوالدين أو لامبالاتهم بشأن أطفالهم ومشاعرهم، يشعر الأطفال بالنبذ وغياب الثقة، وربما يشعرون بالرفض أيضا، لأن شعورنا بأنفسنا يتأثر إلى حد كبير بما نراه أو لا نراه في عيون الآخرين.

يشعر الأشخاص بشيء يشبه هذا تماما في زوم ديسمورفيا، وهو ما يشير إلى فكرة مؤلمة للغاية، مفادها أن هناك شيئا خاطئا في أشكالهم، وهو ما يحمل في طياته توقع الرفض، ويدفعهم إلى التركيز على تحسين المظهر الخارجي للتخلص من هذا الشعور بالخزي.

المصدر : مواقع إلكترونية