طقوس غائبة وفرحة حذرة.. العيد بالعراق في ظل كورونا

أحد مدن الألعاب في بغداد وقد بدت خالية من روادها في العيد (الجزيرة نت)
إحدى مدن الألعاب في بغداد فارغة من روادها في العيد (الجزيرة نت)

سارة القاهر-بغداد

أجواء العيد في العاصمة العراقية لم تعد كسابق عهدها بسبب جائحة كرورنا والحظر الوقائي الذي فرضته السلطات. إذ اقتصرت طقوس العيد على تبادل التهاني من خلال الاتصالات أو الرسائل النصية عبر الهاتف المحمول، واحتفال الأسرة الصغيرة فيما بين أفرادها فقط.

وفي محاولة للتشبث بأجواء العيد واستعادة بهجته، بادرت العديد من الأسر لصنع الحلوى بالمناسبة، وأشهرها "الكليجة"، وهي نوع من المعجنات التي اعتاد العراقيون تناولها في البيوت، ولكن اقتصر تقديمها هذا العام على أفراد الأسرة فقط من دون توزيعها وتبادلها مع بيوتات الجيران، كما كانت العادة في السابق، في وقت أدى فيه العراقيون صلاة العيد في منازلهم بدلا من إقامتها بشكل جماعي في المساجد.

على أن الأطفال الذين هم دائما الشريحة الأكثر تفاعلا في العيد، انزووا في بيوتهم هذا العام بعد إجراءات خلية الأزمة وتوصياتها بإغلاق الحدائق العامة والمنتزهات ومدن الملاهي والمتاجر الكبرى (المولات) والمطاعم.

واعتاد العراقيون في السابق الاحتفال بالعيد بالسفر، أو التجمع في الحدائق ومدن الألعاب والمناطق السياحية، وتبادل الزيارات بين الأسر لتناول وجبات الطعام المنوعة، إلا أن العيد هذا العام اختفت فيه كل هذه الأنشطة خشية كورونا.

سجى حضرت طبق الكليجي في البيت وبكمة تكفي أسرتها (الجزيرة نت)
سجى حضرت طبق الكليجة في البيت وبكمة تكفي أسرتها (الجزيرة نت)

سجى موسى التي كانت سابقا تهيئ مستلزمات العيد للاحتفاء به مع أفراد أسرتها والأقارب، التزمت هذا العام بالشروط الصحية، فأعدّت طبق "الكليجة" في المنزل ولم تخرج كعادتها في الأعوام السابقة إلى الأفران لشواء "الكليجة" ضمن طابع جماعي يضفي أجواء سعيدة بهذه المناسبة.

العيد هذا العام يختلف عما سبقه من الأعياد، تقول سجى "فلا منتزهات أو مطاعم، أو أماكن لهو للصغار، ولا سياحة أو سفر، وتجمعات في المناطق العامة".

وتضيف سجى "اقتصرت طقوس العيد هذا العام على تبادل المعايدات عبر الهاتف، والدعاء بأن يعيد الله عيد الفطر القادم بالسلام وانقشاع الجائحة".

وتتابع "لن نتمكن في هذا العيد من زيارة الأقارب والأصدقاء، وليس بوسعنا الاحتفاء بالعيد كما كنا نفعل دائما"، وأضافت من المؤسف جدا عدم قدرتنا على زيارة الأجداد بهذه المناسبة بسبب حظر التجوال، وخشية عليهم من الإصابة بكورونا وخاصة أن كبار السن هم الشريحة الأكثر تعرضا للإصابة".

وتجمل موسى طقوسها وتفاعلها مع هذا العيد بالاقتصار على عمل كمية قليلة من "الكليجة" تكفي الأسرة الصغيرة، و"لكي لا يحرم الأطفال بهجة العيد، اشترينا لهم ثيابا جديدة، ليرتدوها علّها تجلب لهم شيئا من الفرح..".

المحال التي كانت تعج بالزبائن في الأعياد هذا العام مغلقة (الجزيرة نت)
المحال التي كانت تعج بالزبائن في الأعياد هذا العام مغلقة (الجزيرة نت)

صلاة العيد
المساجد في العراق، التي كانت تعلوها الزينة في الأعياد وتزدحم بالمصلين، بدت على غير عادتها هذا العام، فقد أصبحت خالية من الزينة ومن المصلين، إذ أعلن منع إقامة صلاة العيد والشعائر في المساجد، والاقتصار على أداء صلاة العيد في المنازل، ولم يسمع من المساجد ليلة العيد سوى تكبيرات أطلقها المؤذنون فحسب، وليس كما كان سابقا بأن تنطلق التكبيرات من أعداد كبيرة من المصلين، وذلك ضمن الإجراءات والتدابير الاحترازية.

وفرضت السلطات العراقية حظرا شاملا للتجوال خلال أيام عيد الفطر ولمدة أسبوع، مع حجر صحي تام لأكبر ست مناطق في العاصمة بغداد، في ظل إجراء احترازي لمواجهة تزايد الإصابات بكورونا، في حين شوهد انتشار مكثف للجيش ونقاط التفتيش الأمنية ورجال المرور لحجز السيارات المخالفة للحظر والمحال التجارية المفتوحة.

المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أوضح للجزيرة نت أن "قرار الإغلاق الشامل للمناطق جاء لمنع تزايد الإصابات وحصر الوباء".

"لا عطلة لنا في العيد"، يقول البدر "المراكز الصحية في وزارة الصحة مستمرة خلال العيد بفحص الحالات المشتبه فيها، في حين تواصل الكوادر الطبية التجول لإجراء الفحوص في المنازل".

أحد شوارع بغداد ولا مارة فيه وقد غابت أجواء العيد (الجزيرة نت)
أحد شوارع بغداد ولا مارة فيه ولا أجواء العيد (الجزيرة نت)

مبادرات فردية
أثرت جائحة كورونا على فئات كثيرة في المجتمع منها الكسبة والعوائل التي ليس لها معيل، فجمعت مجموعة من الشباب في العاصمة تبرعات من التجار والأغنياء وميسوري الحال لشراء كسوة العيد وتوزيعها على الأيتام والأرامل والمحتاجين.

وعن ذلك يقول محمد خضر السوداني، أحد المتطوعين، إنه ومجموعة أخرى من المتطوعين الشباب يقومون على حملة انطلقت قبيل العيد كان يفترض أن تشمل جميع مناطق العاصمة، ولكن ظروف الحظر الشامل وإغلاق الطرق ضيّق على نشاطهم في توزيع كسوة العيد على مناطق غرب بغداد حيث منازل المتطوعين هناك، فتمكنوا من توزيع الملابس على 450 طفلا من الأيتام و70 شخصا بالغا من المحتاجين.

متطوعون في بغداد يجمعون كسوة العيد للأيتام والمحتاجين (الجزيرة نت)
متطوعون في بغداد يجمعون كسوة العيد للأيتام والمحتاجين (الجزيرة نت)

اختفاء الاحتفاء والمباهج والطقوس عن حياة العراقيين في هذا العيد وبشكل غير معتاد، يجرد العيد من أجوائه المميزة، ويكظم رغبة الصغار الذين لم يدركوا سبب منعهم من الخروج وممارسة الألعاب التي طالما شغفوا بها، لكنها لم تنتصر على تشبث العراقيين العارم بالحياة والفرح، كما لم يكسر شوكة التكافل والتعاون فيما بينهم بمثل هذه المناسبات، ويحدوهم أمل كبير بزوال الجائحة، لينعموا ببقايا حياة تكالبت ظروف قاسية على سرقتها، ليواجهوا تحدي كورونا، وعزاؤهم أنهم ليسوا الوحيدين الذين حلّ الوباء ببلدهم.

المصدر : الجزيرة