طبيب كويتي.. من عيادات الأسنان إلى مناحل العسل

٢ العيسى يقف بين صناديق العسل والنحل في منحلته/الكويت
الطبيب النحال: النفط طاقة ناضبة والعسل ثروتنا الجديدة (الجزيرة نت)

شهد المحاميد-الكويت

لم يكن طبيب الأسنان الكويتي عيسى العيسى يعلم أن مساعدة العسل في شفاء أحد أفراد أسرته من مرض جلدي نادر سيقوده لاحقا ليظفر بالمركز الثالث عالميا في مسابقة عسل شاركت فيها 2050 عينة من 47 دولة حول العالم.

العيسى -الذي لم يعد يعرف فقط بمهنته الرئيسية بل بالطبيب النحال، روى للجزيرة نت تفاصيل الرحلة الغريبة التي دفعته للجمع بين مهنتين، أبعد ما تكون إحداهما عن الأخرى.

قبل أعوام عديدة، أُصيب أحد أفراد الأسرة بمرض مناعي جلدي نادر، وهو نوع من الحساسية تظهر أعراضه على الجلد، يقول العيسى "ذهبنا إلى كل مكان، وطرقنا كل الأبواب لمدة خمس سنوات، إلا أن هذا المرض لم يتم إيجاد علاج له حتى اليوم، فأخبرني أحد الأطباء أن كل ما نستطيع فعله هو أخذ حبوب مضادة للحساسية، وتناول العسل". ومن هنا بدأ العيسى يقلب في حيثيات نصيحة الطبيب، ومن خلفها صفحات القرآن الكريم التي ذكر فيها العسل وشفاؤه للأمراض.

لم تكن نصيحة الطبيب بتناول العسل صعبة، لكن أنواع العسل الكثيرة في الأسواق كانت محط حيرة العيسى، فقرر أن يأخذ بنصيحة أحد أصدقائه النحّالين، ووضع عشرة مناحل في أرضه قبل أن يجني العسل بنهاية 2016، وكانت المفاجأة بعد ذلك بانخفاض مؤشر الخطر لدى قريبه المريض بنسبة 40% لأول مرة منذ خمس سنوات، وذلك بعيد أربعة أشهر فقط من تناول العسل الخاص.

ويرى العيسى أننا كمسلمين يجب أن نؤمن بقدرة العسل على الشفاء بعد أن ذكر ذلك في القرآن، ويقول "إلا أن المشكلة كانت في العسل المتوافر في الأسواق، والذي لا يشفي المريض بعد تناوله، ذلك أنه ليس أصليا بل هو تجار بامتياز".

بنهاية 2017، قرر أن يخطو خطواته الأولى في مشروعه الجديد، وأن ينتج عسلا أصليا ليكون على موائد الكويتيين، مؤكدا أن نجاح مشروع العسل الأصلي ليس سهلا، خصوصا في دولة مثل الكويت المعروفة بمناخها الصحراوي، إلى جانب انطباع المواطن العربي الخاطئ عن العسل، فبحسب العيسى "أهم خصائص العسل الأصلي تبلوره، أي أن يصبح جامدا، وهي إحدى المشاكل التي تواجهنا مع المستهلك، والذي يؤمن بأن العسل يجب أن يكون شبه سائل".

تكلفة عالية وإنتاج شحيح
بين العيسى أن إنتاج العسل في دولة صحراوية شحيح جدا وتكلفة إنتاجه عالية، إذ إنه يمر بأسوأ حالاته خلال أغسطس/آل، حيث يفقد النحالون نحو 90% من نحلهم سنويا، وقسم كبير من هؤلاء يفقده كاملا، ولذلك يحتاج النحّال أن يضع نحلا جديدا بحلول سبتمبر من كل عام، والاعتناء به من جديد.

وتنتج الخلية الواحد من اثنين إلى ثلاثة كيلوغرامات عسل وهي كمية قليلة بسبب المناخ، إلا أن أحد أهم المميزات أن العسل يصبح مركزا بسبب شح الرحيق، وبالتالي تكون فوائده أكبر وطعمه ألذ، ويشير العيسى إلى أن أبرز الصعوبات قلة مصادر الرحيق، وعليه يجب الإكثار من زراعة الأشجار العاسلة.

بدأ العيسى بعشر خلايا، واليوم لديه نحو خمسمئة خلية بالكويت وحدها، تنتج نحو 1500 كيلو غرام من العسل بالموسم الواحد، ناهيك عن الخلايا خارج الكويت، فالرجل بات يمتلك اليوم شركة "بي أورغانيك" للعسل الأصلي، ولا يضع فيها المنتج الكويتي فقط، بل أنشأ خلايا خاصة به خارج البلاد ليوفر جميع الأنواع.

وشدد على أن أفضل عسل لأي شخص هو عسل بلاده "فالنحل يجمع العسل من حبوب اللقاح والنباتات الموجودة، وبالتالي عندما يتعرض الإنسان يوميا لحبوب اللقاح يكون مناعة ضدها، وبالتالي تصبح مقاومته للحساسية أكبر".

شارك العيسى في معرض العسل البريطاني، وهي مسابقة تقام بشكل سنوي منذ عام 1923، وفاز عسل "السدر الكويتي" الذي ينتجه "الطبيب النحال" بالمرتبة الثالثة على مستوى العالم، من ضمن 2050 عينة من 47 دولة.

وتعتمد المسابقة في تقييمها للعينات المتنافسة على ثلاثة معايير، الأول: الخواص الفيزيائية مثل لون وقوام العسل وحبوب اللقاح الطبيعية الموجودة فيه وفوائد العسل، ثانياً: المظهر الجمالي للعسل وخلوّه من الشوائب والأتربة، في حين يستند المعيار الثالث على طعم العسل ورائحته.

ويصف إقبال المواطنين والوافدين على العسل المحلي (الجبّار) مما اضطره لافتتاح محل آخر لمواكبة زيادة الطلب المحلي.

حاز على المركز الثالث بإحدى مسابقات العسل العالمية في بريطانيا(الجزيرة نت)
حاز على المركز الثالث بإحدى مسابقات العسل العالمية في بريطانيا(الجزيرة نت)

الدعم الرسمي
"النفط طاقة ناضبة، والعسل ثروتنا الجديدة" هكذا يتحدث العيسى عن حلمه الداعي إلى أن تستثمر الحكومة في زراعة غابات ضخمة من الأشجار العاسلة، خصوصا أن العسل الكويتي أصبح مميزا بجودته وطعمه، وبالذات "السدر" مما يعني من وجهة نظره أن العسل يمكن أن يصبح مصدر دخل إضافي للدولة.

ويؤكد أن "هيئة الزراعة والثروة السمكية تدعم النحّالين، مثل تزويدنا بالأدوية المجانية لأمراض النحل، كما تنظّم لنا دورات مجانية في هذا المجال" داعيا إلى مزيد من الاهتمام والعناية بالأشجار.

وأشار العيسى إلى أن سوق العسل الكويتي انتعش عقب الفوز بالجائزة، إذ أصبح الناس يثقون بالمنتج المحلي أكثر، ناهيك عن زيادة أعداد النحالين بالبلاد، وزيادة وتيرة اهتمامهم بتحسين إنتاجهم من العسل والعناية بالنحل بشكل أكبر، لافتا إلى أن "معظمهم بدأ بمشروعه الخاص، وعليه فإن مجال النحالة في الكويت أصبح اليوم في تطور".

المصدر : الجزيرة