بالفضة والعطور والمصارحة يستقبل الأتراك رمضان

سوق السلطان التاريخي بأنقرة
سوق السلطان التاريخي بأنقرة (الجزيرة)


زاهر البيك-أنقرة

في سوق أولوص الشعبي وسط العاصمة التركية أنقرة، تسابق الحاجة فاطمة تشيلك الزمن لشراء حاجيات رمضان التي تغزو الأسواق مع قدوم شهر الصوم.
 
وأثناء وقوفها في طابور طويل لشراء خبز البيدا الذي يعتمده الأتراك على مائدة الإفطار، قالت للجزيرة نت "دعوت أبنائي وأحفادي لمشاركتي أنا وجدهم أول سحور رمضاني، حيث سأقدم لهم الفواكه الطازجة والتين المجفف والملبن التركي المحشو بالمكسرات والقشطة، من أجل تخفيف حدة العطش عليهم في نهار تركيا الطويل".

وبسعادة غامرة ارتسمت على محياها رغم حالة الإرهاق الظاهرة عليها، أضافت الحاجة فاطمة (65 عاما) "سأجتمع بهم أيضا في أول أيام رمضان للإفطار معهم، وسأُعد لهم أشهى المأكولات خاصة كفتة داوود باشا".

الحاجة فاطمة لفتت إلى "عادات غريبة يستعيدها الأتراك خلال شهر رمضان، من قبيل وضع خاتم فضة في إحدى كرات لحم طبق داوود باشا ليكون من نصيب من يكتشفه".

كما أشارت أيضا إلى عادة "اعتراف الأزواج لزوجاتهم بأخطائهم حيث يجددون عهد المحبة لهن بعد تقديم الهدايا لهن، في المقابل، تعمد الزوجات كذلك إلى عهد المحبة ويقدمن خاتما من الفضة لأزواجهن".

‪سوق أولوص أكبر الأسواق الشعبية في أنقرة‬ سوق أولوص أكبر الأسواق الشعبية في أنقرة (الجزيرة)
‪سوق أولوص أكبر الأسواق الشعبية في أنقرة‬ سوق أولوص أكبر الأسواق الشعبية في أنقرة (الجزيرة)

استعدادات
لشهر رمضان مكانته الخاصة لدى الأتراك، فقد توارثوا الاستعداد له والاحتفال بحلوله، وخاصة ليلة الرؤية وأول سحور وأول يوم، حينما تجتمع الأسرة على مائدة إفطار واحدة في جو أسري يضم كل أفرادها، خاصة الجدات والأجداد الذين يمثلون النفحة الجميلة الباقية للحفاظ على تقاليد وعادات رمضان التي تميزه عن باقي شهور السنة.

ويعتمد المسلمون في تركيا الحسابات الفلكية في ثبوت شهر رمضان، وقليل من الناس من يخرج ليرصد هلال رمضان. وحسب رئاسة الشؤون الدينية التركية فإن رمضان هذا العام سيكون 29 يوما، وأقصر ساعات الصيام ستكون في هاطاي جنوب تركيا، وستمتد على مدار 15 ساعة و33 دقيقة، في حين ستكون أطول ساعات صيام في مدينة سينوب شمال تركيا حيث ستمتد إلى 16 ساعة و10دقائق.

ووفق مواطنين أتراك، فإن البيوت تفوح منها روائح المسك والعنبر وماء الورد، فقد جرت العادة على نثر هذه العطور الطبيعية على عتبات الأبواب والحدائق المحيطة بالمنازل.

تكافل
وتقيم الجمعيات الخيرية، وبالاشتراك مع أهل الإحسان والميسورين، كل يوم من أيام رمضان ما يسمى بموائد الرحمن، وهي موائد مفتوحة يحضرها الفقراء والمحتاجون وذوو الدخل المحدود، وتقام هذه الموائد عادة في الساحات والأماكن العامة، كما يوزع أهل الخير الحلوى والمشروبات على الأطفال المشاركين في صلاة التراويح عقب انتهائها.

محلات العصائر والمشروبات تنشط في الأجواء الرمضانية (الجزيرة)
محلات العصائر والمشروبات تنشط في الأجواء الرمضانية (الجزيرة)

مسجد الخرقة
ومع دخول النصف الثاني من شهر رمضان يسمح للزائرين بدخول جامع الخرقة في مدينة إسطنبول، الذي يقال إن فيه مكانا يحتفظ بداخله بالخرقة النبوية التي أحضرها السلطان سليم لإسطنبول بعد رحلته للشرق الإسلامي عام 1516م، ولا يُسمح في أيام السنة العادية بزيارة ذلك المكان.

وتنتشر طيلة أيام الشهر الفضيل دروس دينية في المساجد وقراءة القرآن، وهي من المظاهر الرمضانية البارزة لدى الأتراك، وتُرى المساجد الشهيرة في هذا الشهر عامرة بالمصلين والواعظين والمستمعين والمتفرجين الطوافين من النساء والرجال.

المغرب
عندما يحين موعد أذان المغرب تُطلِق المدافع بعض الطلقات النارية، ثم يتبع ذلك الأذان في المساجد، وبعد تناول طعام الإفطار يُهرع الجميع مباشرة صوب المساجد لتأمين مكان يؤدون فيه صلاة العشاء وصلاة التراويح.

التراويح
ومن المعتاد في صلاة التراويح عند الأتراك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل ركعتين، إضافة إلى قراءة بعض الأذكار الجماعية التي تقال بعد كل أربع ركعات، كقولهم "عز الله، وجل الله، وما في قلبي إلا الله".

ومنذ بدء الشهر تنار مآذن الجوامع، وتوصل بعضها ببعض بلافتات ضوئية تحمل عبارات دينية أو ترحيبية وتبقى منارة حتى أذان الفجر، كما يزين كثير من الناس شرفات منازلهم بالأهلة والنجوم الضوئية التي تلمع طول ليالي الشهر الكريم.

‪الأتراك يقبلون على شراء مستلزمات الفاكهة المجففة‬ (الجزيرة)
‪الأتراك يقبلون على شراء مستلزمات الفاكهة المجففة‬ (الجزيرة)

ترحيب ووداع
ومن عادة الأتراك قولهم في النصف الأول من رمضان "مرحبا يا رمضان" وقولهم في النصف الثاني منه "الوداع". ومن الأمور التي يحرصون عليها في هذا الشهر "صلاة التسابيح" وهم يؤدونها عادة في الأيام الأخيرة من رمضان، أو ليلة العيد، أما ليلة القدر فيقرؤون فيها المدائح النبوية، إضافة إلى بعض الأناشيد الدينية.

وفي هذا السياق، ذكرت الكاتبة الصحفية سنيم جنكيز أن الذين لا يعرفون تركيا حق المعرفة لا يدركون مدى روعة شهر رمضان المبارك فيها، ولأن تركيا بلد علماني من الناحية السياسية، يعتقد بعض العرب أن الأتراك لا يصومون، وأن شهر رمضان في تركيا لا يختلف عن أي شهر آخر.

وقالت الكاتبة جنكيز للجزيرة نت "على عكس بعض بلدان الشرق الأوسط، نجد المطاعم في تركيا مفتوحة خلال شهر رمضان، ولا يُمنع الناس من تناول الطعام في الأماكن العامة.

وتضيف "رغم أن معظم الأتراك يصومون فإن شريحة لا بأس بها منهم لا يصومون أو على الأقل لا يصومون بانتظام"، لافتة الى أن أفضل ما يميز تركيا هي أن الناس يحترمون من يصومون ومن لا يصومون، لأن رمضان ليس شهر الصيام فحسب، بل شهر التسامح والاحترام والخير".

المصدر : الجزيرة