مدرسة العلاج بالتوبيخ.. هل أنت مستعد لإهانات الطبيب؟

مدرسة العلاج بالتوبيخ.. هل أنت مستعد لإهانات الطبيب؟
العلاج بالتحفيز أسلوب جديد متبع في عيادات إنقاص الوزن (غيتي)
 

فريدة أحمد

بكامل إرادتك تذهب إلى طبيب تغذية لإنقاص وزنك بطريقة صحية، ومع أول إخفاق لك في إتباع النظام الغذائي في إحدى المتابعات الدورية تجده يعنفك لفظيا ويهينك بأكبر قدر من الألفاظ المهينة، وقبل أن تفيق من ذهولك تكتشف أن تلك هي وسيلته العلاجية المجربة لضمان نتائج إيجابية، وتجد نفسك من بين عشرات الحالات التي يعاملها بالطريقة ذاتها، وتذهب في المرة المقبلة لتتأكد من إيجابية أسلوبه في العلاج.

العلاج بالعنف اللفظي مدرسة يتبعها بعض الأطباء ومتخصصو التغذية وإنقاص الوزن تحديدا، فبالنسبة لهم المرض واحد وهو "النهم" والعلاج واحد وهو "النيل من الكرامة" حتى يغلق المريض فمه ويتوقف عن تناول الطعام.

أغلق فمك وإلا..
في حي مصر الجديدة، واحد من أرقى أحياء القاهرة، تزدحم عيادة "اختصاصي تغذية" ذي شهرة وصيت واسعين، جدوله الممتلئ لا يسمح بزيارات جديدة إلا بعد شهر كامل من طلب الزيارة على أفضل تقدير، والنتائج الإيجابية التي تظهر على مرضاه، عادة، تحفز الكثيرين لزيارته رغم ألفاظه "النابية".

تقول وسام حسين، فتاة في بداية الثلاثينيات، إنها ذهبت للطبيب وهي تزن 85 كيلوغراما وبعد ثمانية أشهر فقدت 22 كيلوغراما.

وتؤكد وسام أن أسلوب الطبيب هو الذي شجعها على خسارة وزنها، موضحة "خوفي من الإهانة جعلني ألتزم بالنظام الأسبوعي الذي كان يحدده، رغم أنني حاولت مع ثلاثة أطباء سابقين ولم أكن ألتزم بتاتا، وكنت أستعيد الوزن الذي أخسره".

تعتمد فلسفة الطبيب على توبيخ المريض حتى يشعر بالحرج ويلتزم بالتعليمات، وفي سبيل ذلك يقابل عددا من المرضى ما بين 5 و6 أشخاص في مكتبه، يزن كل منهم نفسه أمامه، وإمعانا في الإحراج تكون المجموعة مختلطة تضم رجالا ونساء، ويبدأ الطبيب في توبيخ من لم ينقص وزنه واصفا إياه بـ"البقرة" أو "الجاموسة".

‪أطباء يستخدمون أساليب الإهانة للتحفيز على إنقاص الوزن‬ (بيكسابي)
‪أطباء يستخدمون أساليب الإهانة للتحفيز على إنقاص الوزن‬ (بيكسابي)

تقول ريهام أحمد (26 عاما) "كان وزني 75 كيلوغراما وبعد 9 أشهر أصبح 54 كيلوغراما، ولولا طريقة الطبيب الفجة لم أكن لأخسر كل ذلك الوزن"، وتضيف "أهانني مرتين لعدم التزامي بالنظام، ووصفني بالبقرة التي تلتهم الحشائش، شعرت بحرج بالغ خاصة أنه كان هناك رجال ونساء آخرون معي في الغرفة، حتى أني بكيت ولم يتعاطف معي، وفي اللحظة نفسها قررت أنني لن أعود مرة أخرى".

تراجعت ريهام عن قرارها بعد أن تصالحت مع فكرة "أن يهينني الطبيب لمصلحتي حتى أخسر وزني أفضل بكثير من أن تهينني عائلتي والمحيطين بي ويسخرون مني على وزني الزائد دون مساعدة حقيقية".

فلسفة الطبيب التي نجحت وما زالت مع الكثيرين الذين يتدافعون أمام عيادته على مدى 6 أيام في الأسبوع من الرابعة عصرا حتى الحادية عشر مساء، لم تلق قبولا لدى السيدة ماجدة محمود ذات الـ48 عاما.

تقول ماجدة "سمعت عنه أنه طبيب ناجح ومعروف وكل مرضاه خسروا أوزانهم، وهو ما حمسني لزيارته، فقدت 4 كيلوغرامات في أول استشارة، وخسرت 2 كيلوغرام في الاستشارة الثانية، وفي الثالثة لم أخسر سوى نصف كيلوغرام، فبدأ يوبخني ويتحدث معي بطريقة سوقية، رددت عليه الإهانة بمثلها وأخبرته أنه لا يشرفني أن أتعامل مع طبيب سوقي مثله وخرجت من عيادته ولم أذهب هناك مرة أخرى".

نهج قديم متجدد
لا يعد الأسلوب المتبع في بعض عيادات التغذية حديث العهد تماما، ففي بداية التسعينيات ذهبت إيمان حافظ مع والدتها إلى طبيب تغذية في أحد أحياء القاهرة بعد أن نصحها طبيب العظام بإنقاص وزنها ورشّح لها الطبيب.

تقول إيمان "كانت أول مرة نسمع فيها عن أطباء التخسيس، وكانت والدتي زائدة الوزن كثيرا، وهو ما أصابها بأمراض العظام والقلب والضغط المرتفع، وفوجئنا بالطبيب الشاب يتحدث بحدة عن مخاطر الوزن الزائد وضرورة إنقاصه، وتعمّد استخدام نبرة صوت قوية وتحذيرات تبدو جارحة، وهو ما جعل والدتي تلتزم بتعليماته رغم حبها للطعام، وفي المرة التي لم تلتزم بها تحدث لها بعنف كاد يصل إلى التوبيخ".

وتضيف إيمان "اندهشت من أن والدتي لم توقفه عند حده، وعندما سألتها قالت إنه الشخص الوحيد القادر بأسلوبه على مساعدتها ولو رغما عنها حتى تفقد وزنها، وبالفعل فقدت وزنها واستمرت في الحفاظ عليه سنوات حتى توفيت".

‪العلاج بالتوبيخ يأتي بنتائج سلبية على المدى الطويل‬ (مواقع التواصل)
‪العلاج بالتوبيخ يأتي بنتائج سلبية على المدى الطويل‬ (مواقع التواصل)

تحفيز سلبي مضر
يقول الدكتور أحمد سعيد، كاتب وطبيب نفسي، إن ذلك الأسلوب يسمى "العلاج بالتحفيز"، موضحا أنه أسلوب جديد متبع في عيادات إنقاص الوزن، وهو قريب الشبه بالعلاج بالقسوة، ذلك الأسلوب الذي يتبعه كثير من الآباء مع أبنائهم والمعلمين مع التلاميذ والمدرب مع المتدربين من أجل تحقيق مصلحة المريض الشخصية، وفق تعبيره.

ويرى سعيد أن ذلك الأسلوب لا يأتي بنتائج إيجابية على المدى الطويل، فرغم خضوع الكثيرين له وتحقيق نتائج إيجابية، فإن تأثيره السيئ يظهر على المدى البعيد في شكل انتكاسة أكبر وأسوأ، سواء مع الأبناء أو التلاميذ أو أصحاب الوزن الزائد الذين يستعيدون الوزن المفقود وربما أكثر، وقال "المؤشرات أثبتت أن كثيرا من الأشخاص الذين فقدوا أوزانهم بعد خضوعهم لعنف لفظي من الطبيب اكتسبوا تلك الأوزان مرة أخرى".

ويفسر سعيد استجابة المريض لذلك الأسلوب بأن هناك عبئا مجتمعيا ووصما يقع عليه يدفعه إلى بذل مجهود مضاعف خوفا من الإهانة والقسوة فتكون نتائجه البدنية جيدة، خاصة وأنه نشأ على أن الأب والمعلم يقسوان عليه لمصلحته، فلا مانع من أن يقسو عليه الطبيب لمصلحته كذلك، لكن سعيد يحذر من أن تأثير ذلك على المدى البعيد سيئ جدا بدنيا ونفسيا.

المصدر : الجزيرة