"المهنة الملعونة".. لماذا استقطبت "كول سنتر" الشباب المصري؟

مواطنون يترددون على أحد فروع شركة وي للاتصالات في مصر
مهنة خدمة العملاء (الكول سنتر) أصبحت خلال السنوات الأخيرة الأكثر انتشارًا وطلبًا بقطاع الاتصالات (الجزيرة)

حسن المصري-القاهرة

"هي صخرة تتحطم عليها طموحات الشباب". هكذا يصف عمرو عبد الوكيل مهنة موظف خدمة العملاء (كول سنتر)، حيث استمر يعمل بها نحو ثماني سنوات بأحد شركات الاتصالات بمصر.

ورغم حصول "عمرو" على شهادة جامعية مرموقة بكلية الألسن، فإنه لم يتمكن من العثور على فرصة عمل تناسب مؤهلاته؛ فاضطر للعمل في هذه المهنة، مثله مثل قطاع كبير من الشباب المصري الذي بسبب غياب فرص العمل الملائمة يضطر للعمل في مهن مختلفة، حتى وإن كان موظفا في خدمة العملاء بإحدى شركات الاتصالات، خاصة خلال الأعوام الأخيرة، في ظل ارتفاع الطلب على المهنة.

وانتشرت مهنة خدمة العملاء خلال السنوات الأخيرة لتبدأ من داخل قطاع الاتصالات حتى باتت تعتمد عليها شركات الخدمات الأخرى مؤخرًا؛ كشركات النقل أوبر وسوفيل وغيرهما من الشركات، إلا أن قطاع الاتصالات يعد الأكثر انتشارًا وطلبًا لهذه المهنة.    

‪مواطنون يترددون على أحد فروع شركة للاتصالات في مصر‬ (الجزيرة)
‪مواطنون يترددون على أحد فروع شركة للاتصالات في مصر‬ (الجزيرة)

إحصاءات وأرقام
لا توجد إحصاءات حقيقية تشير إلى معدلات البطالة في مصر، إلا أن ثمة ربطا بين نسب البطالة وشيوع مهنة خدمة العملاء، التي يمكن أن يعمل بها طلبة وأصحاب مؤهلات عليا دون أي قيود.

وتشير إحصائية تقريبية أصدرها جهاز التعبئة العامة والإحصاء المصري في بيانه الشهر الماضي إلى أن معدلات البطالة بين الشباب بلغت 23.4%، ووصلت بالنسبة للشباب الحاصلين على مؤهل جامعي إلى 45%، مقابل 20.7% للحاصلين على مؤهل متوسط فني.

وبسبب البطالة يتجه الشباب للعمل في وظائف موظفي خدمة العملاء في ظل انتشار الإعلانات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي عن حاجة شركات الاتصال لحل مشاكل العملاء، وتقديم الدعم الفني لأعطال هواتف المحمول.

 ووصل عدد العملاء إلى 94 مليونا و311 ألف مشترك حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكل شركات الاتصالات الموجودة بمصر، حسب وزارة الاتصالات.

استنزاف حقيقي
يقول عمرو للجزيرة نت "سنك يكبر وتصحى على كابوس إنك مش عارف تسيب الشغل لأنك لم تتعلم مهنة غيرها وعمرك أصبح كبيرا".

ويضيف أنه بعد مرور أول ستة أشهر من العمل اتضح له أن هذه المهنة تستنزف عمره وجهده دون عائد حقيقي، عليه سواء على المستوى المهني أو المادي.

عمرو مطالب بالرد يوميًا على عشرات المكالمات، كما أن ساعات العمل تمتد لتسع ساعات في اليوم لا تتخللها فترة استراحة وبراتب لا يتجاوز ألفي جنيه (123 دولارا) وهو لا يكفي لمواجهة الالتزامات الشخصية والأسرية.

وحسب عمرو، فإن تحقيق الذات والتطوير المهني يصبحان حلمًا بعيد المنال في ظل أوقات العمل الطويلة وغياب المرونة والضغط المستمر، وهو ما يجعل المهنة في حد ذاتها سجنا كبيرا للشباب، في ظل غياب المرونة في توزيع نوبات العمل خلال الصباح والمساء.

عيوب المهنة
خالد أحمد، خريج كلية تجارة، شاب آخر التحق بالعمل في إحدى شركات الاتصال الكبرى ليعمل "كول سنتر"، حيث يتطلب منه الحصول على الوظيفة امتحانات لتحديد مستوى اللغة الإنجليزية واختبار ذكاء ومقابلة شخصية إلا أنه صُدم عندما اكتشف أن الوظيفة سيئة ولا تقدم له أي جديد.

خالد أوضح للجزيرة نت أنه خلال عمله كان يتلقى عشرات المكالمات من العملاء، وهو ما كان يرهق أذنه خاصة خلال الأيام التي يكون فيها ضغط العمل كبيرا (مئة مكالمة في اليوم).

ولفت إلى أنه مطالب بأن يكون خط دفاع عن الشركة التي يعمل فيها في مواجهة عصبية بعض العملاء وشتائمهم التي لا يستبعد حدوثها.

وأضاف أن المنافسة غير عادلة بمهنة "كول سنتر" في ظل راتب متدن لا يختلف من شركة اتصالات إلى أخرى. 

وأضاف أن الترقية بالوظيفة أمر يرتبط بالقدرة على التحمل، في ظل كل تلك الظروف والصعوبات، وهو ما جعله يترك المهنة التي كان قد اتجه إليها في ظل غياب فرص عمل مناسبة براتب جيد.

‪مهنة
‪مهنة "كول سنتر" توفر راتبا متدنيا لا يختلف من شركة اتصالات لأخرى‬ (الجزيرة)

أضرار صحية
وحسب الدكتور محمد مصطفى استشاري أمراض السمع والاتزان للجزيرة نت، فإن هناك أعراضا مزمنة قد تقع لمن يعمل في تلك المهنة حسب طبيعة التكوين الفسيولوجي لكل شخص وطول مدة التعرض.

ولفت إلى أن وضع سماعة بالأذن لمدة ثماني ساعات بصورة يومية وعلى المدى البعيد يؤدي إلى حدوث مشاكل وأمراض بالأذن.

وبين أن السماعة تجعل الشمع يتراكم في القناة الخارجية، مما يسبب انسدادها، ويؤثر على حدة السمع، وقد يصل الأمر إلى فقدانه بصورة تدريجية في ظل الضغط العصبي والنفسي المصاحب لفترة العمل.

المصدر : الجزيرة