تزايد معاناة أبناء المهاجرين المسلمين في فرنسا


undefinedيعاني الآلاف من مهاجري شمالي أفريقيا في فرنسا من ظروف قاسية. وفي الوقت الذي يطلب فيه الفرنسيون من أولئك المهاجرين الاندماج في الثقافة الفرنسية يشكو هؤلاء من أن فرنسا لم تتخلص من تاريخها الاستعماري وتمارس التمييز معهم.

لقد أشاد الفرنسيون بزين الدين زيدان عندما قاد فرنسا للفوز بكأس العالم لكرة القدم عام 1998 باعتباره "الابن الموهوب" لفرنسا. وتقول الصحافة الليبرالية إن موجة الهستيريا القومية الفرنسية بزيدان أوقدت شعلة الأمل لملايين المهاجرين والعرب المولودين في فرنسا مثله في بلد لا يزال يحاول التكيف مع تركيبة المجتمع المتعدد الأعراق.

غير أن أندريه خبزاوي زعيم السكان المسلمين في بلدة روبيه الشمالية -حيث معدلات البطالة مروعة- يرى غير ذلك ويقول "أنا فرنسي ولدت في فرنسا لكني أشعر بأني مرفوض هنا.. منحت فرنسا الآباء ميداليات تكريم لدورهم في حرب الجزائر ويتعجب الأبناء بعد 40 عاما لماذا بقوا محصورين في منطقة مغلقة لا فكاك منها".

ويعكس فوز الزعيم اليميني الفرنسي جان ماري لوبن في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الشهر الماضي إحساس الناخبين في فرنسا على نطاق واسع بعدم الأمان بشأن معدلات الجريمة والبطالة في المدن, وهي الظواهر السلبية التي يقول حزب الجبهة الوطنية بقيادة لوبن إن المهاجرين سببها.


undefinedبيد أن مراقبين يرون أن الأمر يكشف فشل الحكومات المتعاقبة من اليمين واليسار على حد سواء في دمج الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين في المجتمع الفرنسي. وقال مولود عونيط الأمين العام لجماعة "م آر إيه بي" لمكافحة العنصرية "فرنسا التعددية التي نراها في صناعة الترفيه والموسيقى أو كرة القدم لا وجود لها.. فرنسا لم تتخلص من العنصرية، إنها لم تتخلص من تاريخها الاستعماري". ومضى يقول "النظام الأميركي أكثر عدلا بكثير من حيث احترام تعددية السكان والاعتراف بها مقارنة بالنموذج الفرنسي، في وسائل الإعلام يمكن مطالعة أميركا المتعددة الأعراق أكثر، والأمر نفسه في السياسة وكذلك في الجيش، نفتقد ذلك في فرنسا".

وترفض فرنسا رسميا الاعتراف بالمجموعات العرقية وتصر على ضرورة أن يتشرب المهاجرون بالثقافة الفرنسية تماما. وقد فعل المهاجرون القادمون من دول أوروبا الأخرى ما أرادت المؤسسة الرسمية في فرنسا، لكن أولئك القادمين من أفريقيا وخاصة المسلمين يجدون صعوبة في الاندماج.

لقد كانت روبيه بلدة زاهرة ذات يوم عندما كانت مركزا لصناعة النسيج يضاهي مدينة مانشستر في إنجلترا وهي مدينة تدين بالكثير من نجاحها للمهاجرين بداية من الناطقين باللغة الفلمنكية في القرن التاسع عشر ومرورا بموجات البولنديين والإسبان والبرتغاليين والإيطاليين قبل الحرب العالمية الثانية حتى موجات المهاجرين من شمال أفريقيا.

وكثيرون من عناصر الموجة الأخيرة جزائريون حاربوا في صفوف الفرنسيين بالجزائر إبان حرب الاستقلال بين الأعوام 1954 و1962 إضافة إلى المستوطنين الفرنسيين الذين عاشوا في الجزائر ثم هربوا منها عند الاستقلال. والآن فإن 75% من المقيمين في روبيه البالغ تعداد سكانها 97 ألف نسمة من أصول أجنبية وأغلبهم من بلدان إسلامية. وتراجعت صناعة النسيج منذ السبعينيات فارتفعت معدلات البطالة إلى 27% وهي تعادل ثلاثة أمثال متوسط البطالة في فرنسا.


أبناء المهاجرين يتعرضون للرفض في مجتمع ما زال يشعر بالمرارة والذنب لتجربة الحرب من ناحية ولكونه تساوره الشكوك تجاه الإسلام من ناحية أخرى

وقال أندريه رينارد المستشار السياسي لرئيس بلدية روبيه "نموذج ثقافي رسخ أقدامه الآن، نموذج من البطالة والبؤس والفقر". وتابع "إنها (أي هذه الظروف) أبشع مما وجده أولئك الذين جاؤوا بعد حرب عام 1962 في الجزائر. لقد كان ينظر إليهم في وطنهم باعتبارهم خونة والمجتمع الفرنسي لم يتقبلهم أبدا".

ورفضت فرنسا طويلا مواجهة ماضيها الاستعماري حتى عام 1999 عندما قررت الجمعية الوطنية أن ما حدث في الجزائر كان حربا وليس عصيانا مدنيا. والجزائريون الذين حاربوا في صفوف فرنسا إبان حرب الاستقلال المعروفون باسم "الحركيين" جاء بهم الفرنسيون إلى بلادهم لتجنب موجات الانتقام منهم في وطنهم باعتبارهم خونة. لكن كثيرا منهم يتعرض للرفض في مجتمع ما زال يشعر بالمرارة والذنب لتجربة الحرب من ناحية ولكونه تساوره الشكوك تجاه الإسلام من ناحية أخرى.

وقال رينارد "الإسلام يثير الخوف، إنه ليس مفهوما للشعب الفرنسي، مثلما الحال عندما يذبح مسلم شاة في مرحاض منزله، إن ذلك يزعج حقا بعض الناس، بالنسبة إليهم الاندماج يعني العيش مثلنا". وبالنسبة للمسلمين في روبيه فإن الاندماج لا يتعين أن يعني الذوبان، وهم يشكون من أنه لا توجد لحوم مذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية لأطفالهم في المدارس، وأنه وباسم العلمانية رفضت السلطات منحهم أراضي يقيمون عليها مقابر خاصة بهم.

المصدر : رويترز