بعد حملة اعتقالات لمشاهير مواقع التواصل بالعراق.. الجزيرة نت تستطلع آراء الخبراء

Social Media Applications- - ANKARA, TURKEY - SEPTEMBER 04: Icons of WhatsApp Messenger messaging and Voice over IP service, Instagram social networking service, Social network company Facebook, YouTube video sharing company, Snapchat multimedia messaging app, Twitter news and social networking service, Swarm mobile app, Facebook Messenger messaging platform and Gmail email service applications are seen on a screen of smart phone as the Facebook logo is seen on the back
الداخلية العراقية تعتقل عددا من مشاهير مواقع التواصل بتهمة نشر محتوى غير أخلاقي (الأناضول)

بغداد– أثار اعتقال عدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بالعراق، جدلاً واسعا، بعد أن شنت وزارة الداخلية حملة اعتقالات في العاصمة وعدد من المحافظات ضد من ينشرون محتويات وصفتها الوزارة بـ (السيئة) وغير اللائقة وبما لا ينسجم مع الآداب العامة.

المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن
سعد معن: حملة الاعتقالات وفق قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 (الجزيرة نت)

المسوغات الحكومية

في غضون ذلك، وعن أسباب الاعتقال يقول مدير العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية سعد معن "إن عمليات الاعتقال الخاصة بأصحاب المحتوى السيئ جاءت نتيجة شكاوى وصلت الوزارة من قبل مواطنين وناشطين عبر منصة (بلّغ) الإلكترونية التي استحدثتها الوزارة مؤخرا للتبليغ عن المحتويات التي تخدش الحياء".

وفي تصريح للجزيرة نت، أشار معن إلى أن المعتقلين سيحالون إلى القضاء وبحضور لجنة من الخبراء للنظر في قضاياهم، منبها إلى أن وزارته لاحظت تراجعا واضحا في انتشار المحتوى "الهابط" بعد عمليات الاعتقال، في الوقت الذي أكد فيه أن عملية الاعتقال تمت وفق المادة 403 من قانون العقوبات.

في السياق، تقول المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صورا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".

ندى العابدي باحثة اجتماعية - خاص بالجزيرة
ندى العابدي ترى أن حملة الاعتقالات لا تتعدى كونها حلولا ترقيعية (الجزيرة نت)

مشكلة المحتوى

ولم يفصح مدير العلاقات والاعلام بالداخلية عن أسماء المعتقلين، إلا أنه أكد أنهم 5 أشخاص بينهم سيدتان، في الوقت الذي أشارت فيه مصادر صحفية إلى أسماء هؤلاء المعتقلين وهم: حسن صجمة، سيد علي، عسل حسام، أم فهد، قدوة المعروف بسعلوسة. وهم من الناشطين على تطبيق تيك توك Tiktok ويستخدمون مفردات أثارت جدلا بين العراقيين، سيما أن عدد متابعيهم يبلغ مئات الآلاف.

وترى الباحثة الاجتماعية ندى العابدي أن المحتوى الرقمي بحاجة إلى دراسة ومراجعة واقع المجتمع العراقي، ومعرفة أسباب لجوء غالبية الشباب والمراهقين لمتابعة هذه المحتويات التي وصفتها بـ "الخالية من المعنى".

وفي حديثها للجزيرة نت، تعلق العابدي بالقول "هناك غياب لفهم معنى الحرية من قبل هؤلاء الذين يبثون محتويات تافهة أو سطحية تعمل على إشغال الشباب في قضايا قد تعيق تنمية مواهبه وتطوير ذاته".

غياب الإحصائيات

وفي خضم الحديث عن مشكلة المحتوى الرقمي، يبدو أن الحكومة لا تملك إحصائيات بأعداد أو نسب العراقيين المستخدمين لشبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بحسب ما يؤكده المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي عبد الزهرة الهنداوي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الهنداوي أن مثل هذه الإحصائيات لن تتوفر قبل إجراء التعداد السكاني العام، لافتا إلى أن الوزارة أعلنت منتصف يناير/كانون الثاني الماضي عن إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن، مرجحا تنفيذ التعداد السكاني أواخر العام الحالي.

من جهته، كشف مركز الإعلام الرقمي (منظمة غير حكومية) أن عدد مستخدمي شبكات التواصل بمختلف أنواعها خلال عام 2022 بلغ نحو 28 مليونا و300 ألف مستخدم، حيث يشكل الذكور ما نسبته 67.9%، بحسب المركز.

وتتراوح أعمار مستخدمي مواقع التواصل بين 5 و34 عاما، في الوقت الذي أكد فيه المركز أن تطبيق تيك توك شهد زيادة كبيرة بأعداد المتابعين العام الماضي.

نزار السامرائي، الجزيرة نت
نزار السامرائي أعرب عن خشيته من أن تمتد الاعتقالات لمدونين ينتقدون السلطة (الجزيرة نت)

إدانة الاعتقالات

وتزامنا مع إعلان الداخلية عن عمليات الاعتقال، اعتبر أستاذ الإعلام في كلية الإسراء الجامعية ببغداد نزار السامرائي أن اعتقال منتجي هذا النوع من المحتوى ليست أكثر من "شوشرة" إعلامية أقامتها الجهة المسؤولة لتبين للعراقيين أنها تتابع ما يحدث، مما جعلها أشبه بهيئة رقابية سلطوية على محتوى مواقع التواصل.

وتابع السامرائي -في حديثه للجزيرة نت- أن الأمر يبدو أنه يتعلق بفئة معينة راحت منشوراتها تفضح واقع العديد من المسؤولين والمؤسسات، ومنها الجهات الأمنية التي تتعامل مع هؤلاء حتى أصبحوا هم من يتقدمون على النخب المثقفة والأدباء والإعلاميين في المحافل العامة.

واعتبر أن اعتقال من وصفوا بأصحاب المحتوى الهابط مخالفة دستورية صريحة لعدم وجود ما يبرره، خاصة أن هذا المحتوى أصبح للأسف سمة في الشارع، لذلك "نحن كالنعام نخفي رؤوسنا حتى لا نرى الواقع كما هو".

أما عن الحلول الأخرى بعيدا عن الاعتقال، يبين السامرائي أهمية وجود توعية مجتمعية مكثفة، تبدأ من المراحل العمرية الصغيرة، وذلك عبر إقرار مادة التربية الإعلامية والرقمية ضمن مفردات مناهج وزارة التربية من أجل التوعية بكيفية التعامل مع محتوى كهذا، مع حث الشباب على تجاهله، معتبرا أن هذه الطريقة ستكون أكثر فاعلية من السجن والاعتقال.

وتابع أن من جملة الحلول البديلة عن الاعتقال: تشجيع ودعم الشباب من ذوي المحتوى الهادف، مع استضافتهم كضيوف شرف في المحافل الاجتماعية والثقافية والرسمية بدلا عن استضافة أصحاب المحتوى الهابط.

وبالعودة إلى العابدي فإنها ترى أن حملة الاعتقال ليست حلا، وإنما هي علاج ترقيعي، مضيفة "هذا النوع من المحتوى موجود في غالب دول العالم، وبدل اعتقال من ينشره، لا بد من معالجة المشكلة من جذورها ومعالجة حالة اللا وعي التي تعصف بالمجتمع بسبب تردي مستويات التربية والتعليم والفراغ القاتل الذي يعيشه الشباب".

الرأي القانوني

ويرى الخبير القانوني علي التميمي أن قانون العقوبات ميز بشكل واضح بين السب والقذف والتشهير، معبرا عن أمله بافتتاح قسم خاص في هيئة الإعلام والاتصالات يكون بمثابة تعديل لقانون 65 لسنة 2014.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقترح التميمي أن تتولى هيئة الاعلام والاتصالات مسؤولية المراقبة من خلال تفعيل قسم مختص يضم عددا من خبراء الإعلام والقانون، على أن يكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة لمراقبة ما ينشر عبر الإنترنت، وإحالة ما يخالف القانون للقضاء، مشددا بالوقت ذاته على ضرورة تشريع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ليكون حلا لمثل هذه الجرائم الشائعة.

من جانبه، لا يخفي السامرائي خشيته من أن تكون خطوات الاعتقال هذه ممهدة لاعتقال مدوّنين آخرين يعملون على نقد الجهات الحكومية والسلطة، وبالتالي يصبح الموضوع تكميما للرأي العام، بحسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة