زيارة في الظلام.. الاتحاد الأوروبي "يغمض" عيونه عن انتهاك قيمه بمصر

Belgian Prime Minister Charles Michel is seen during his meeting with Israeli President Reuven Rivlin in Jerusalem February 6, 2017. REUTERS/Gali Tibbon/Pool
شارل ميشال: إذا كنا عازمين على مكافحة الإرهاب فإنه يتوجب علينا تعزيز الحوار مع شركائنا (رويترز)

بودوان لوس – صحفي في بروكسل

مرت رحلته إلى مصر من دون أن يلاحظها أحد، في وقتٍ كانت فيه أعين العالم مشدودة إلى أميركا، التي كانت تحبس أنفاسها في خضم الفرز الانتخابي.

هكذا قام البلجيكي شارل ميشال رئيس المجلس الأوروبي بزيارة لبضع ساعات إلى القاهرة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السّيسي. ويتعلق الأمر -وفق بروكسل- بالاستشارة مع أحد أهم القادة العرب، في وقت تُلقي فيه الأزمة الجديدة التي اندلعت في فرنسا، وهي قضية الرسوم الكاريكاتيرية للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بظلالها وتهدد بتعتيم العلاقات بين الغرب والشرق.

بلغة خشبية، قال شارل ميشال عبر تغريدة من العاصمة المصرية "استهدفت الهجمات الأخيرة في أوروبا قيمنا الأساسية، وحرية الضمير والدّين. إذا كنا عازمين بشكل مطلق على مكافحة الإرهاب، فإنه يتوجب علينا أيضًا تعزيز الحوار مع شركائنا. أنا اليوم في مصر من أجل توحيد جهودنا".

وتوضح هذه الزيارة بشكل جلي الغموض الذي يكتنف العلاقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر العربية. إن اتحاد القوى بين كيان أوروبي يمجد -إلى حدّ التباهي- قيمه الأساسية، ودولة من جنوب البحر الأبيض المتوسط تسعى بنجاح لأكثر من نصف عقد من الزمن لتستحق لقبها كدكتاتورية شرسة؛ يُثير بالفعل العديد من الأسئلة، إن لم تكن حتى الشكوك.

وتهيمن "السياسة الواقعية" بشكل ساحق، لتُقوّض بشكل كبير تطبيق القيم التي يدّعي الأوروبيون التمسك بها.

ويبرز التاريخ الحديث تقدما على مستوى الأولويات بين المصريين والأوروبيين. ويرى كورت ديبوف الباحث في جامعة بروكسل الحرة، ورئيس تحرير موقع "إي يو أوبزيرفر" (EU Observer) الإلكتروني، وهو الذي قضى الفترة بين 2011 و2016 في القاهرة مبعوثا خاصا للمجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي؛ أن "العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر تطورت على مرّ السنين".

ويشرح ديبوف الأمر قائلا إن هذه العلاقات "بعدما كانت رسمية إلى غاية سنة 2011، وتعتمد على مشاريع صغيرة من دون أمل في تحقيق تقدم كبير، مرت إلى مرحلة من التعاون المكثف بهبوب رياح التغيير الديمقراطي في المنطقة، قبل أن تقتصر خلال السنوات الأخيرة على المفيد: مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشّرعية".

تعذيب ممنهج
لكن هناك ما هو أخطر؛ فتحت القيادة "الاستبدادية" للرئيس السيسي، شرع شريك الأوروبيين المصري -منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 الذي وضع حدا لسنة من حكم الإخوان المسلمين- في إدارة البلاد على أساس نزع الحرّيات، وبالتالي قمع أي اختلاف.

ومن مكتبه في تونس، يرى المصري حسين باومي، الباحث في منظمة العفو الدولية لشؤون شمال أفريقيا، أن "أزمة حقوق الإنسان في مصر صارخة". ويشرح الوضع قائلاً إن "التعذيب أصبح منهجيًّا، كما أن قوات الأمن تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لقمع المعارضين السياسيين والأصوات المُنتقدة أو حتى نشطاء حقوق الإنسان. ويتعرض آلاف الأشخاص لهذا القمع، وقد يتعرضون للاحتجاز وأحيانًا للتعذيب قبل أن يُحاكموا. يتعلّق الأمر بصحفيين لم يقوموا سوى بعملهم، وبمحامين وأشخاص ذنبهم الوحيد أنهم انتقدوا تدبير وباء كوفيد-19، إلخ".

ويضيف "لقد باتت انتهاكات حرية التعبير هي القاعدة، خاصة على الإنترنت، إذ يجد العديد أنفسهم رهن الاعتقال بسبب "الأخبار الكاذبة" على سبيل المثال، لمجرد إبداء رأيهم على شبكات التواصل الاجتماعي.

وبفضل دعم كلٍّ من واشنطن والرياض وأبو ظبي وتل أبيب، تصاعدت لامبالاة النظام المصري بالانتقادات التي توجّه له في ملف حقوق الإنسان، خاصة مع إغماض الاتحاد الأوروبي نفسه عينيه أمام ما تتعرض له "قيمه" من هجمات شرسة على ضفاف النيل، والاكتفاء بإبداء بعض الملاحظات والنصائح الشكلية تماما.

وبالتالي، باتت حجة الاستقرار الضروري والمقدس لمصر -التي فرضتها العواصم الأوروبية الأكثر نفوذًا- تشكل أساس العلاقات الثنائية بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي.

من جانبه، لا يتردد النظام المصري في تلميع صورته بوصفه شريكا مفيدا؛ ففي بروكسل -على سبيل المثال- رحّب البعض بأدائه الذي يجعل منه نموذجًا للفعالية ضد الهجرة غير النظامية.

المصدر : الصحافة البلجيكية