قبيل قرار أممي بتأجيله.. سخرية من مؤتمر لمناهضة التعذيب يعقد في مصر

مؤتمر دولي بالدوحة يبحث آليات مكافحة الإفلات من العقاب
منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013 وملف حقوق الإنسان بمصر في انحدار مستمر (الجزيرة)

محمد سيف الدين-القاهرة

أثار اختيار مصر لعقد مؤتمر إقليمي حول تعريف وتجريم التعذيب، العديد من التساؤلات حول اختيار القاهرة على الرغم من سجلها الحافل في انتهاك حقوق الإنسان وخاصة في السنوات الست الماضية، ما دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لوصف الأمر بالكوميديا السوداء.

ويبدو أن الاحتجاج والسخرية نجحا هذه المرة، حيث أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عصر اليوم الثلاثاء تأجيل المؤتمر الإقليمي حول تجريم التعذيب الذي كان مقررا عقده في القاهرة يومي 4-5  سبتمبر/ أيلول المقبل، بالشراكة مع المجلس القومي (المصري) لحقوق الإنسان.

ومنذ الإعلان عن إقامة المؤتمر في القاهرة تصاعدت الاعتراضات، حيث رأى كثيرون أن التعاون بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والسلطات المصرية يعني استمرار التواطؤ الدولي حول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بينما رأى آخرون أن المؤتمر إجراء روتيني بحت كون مصر هي رئيسة الاتحاد الأفريقي حاليا.

قرار روتيني
وينحاز مدير منظمة السلام الدولية لحقوق الإنسان علاء عبد المنصف للفريق الأخير، حيث يرى أن المؤتمر أمر روتيني، كما هو الحال في الاتحاد الأفريقي التي تتولت مصر رئاسته في دورته الحالية التي بدأت في 9 فبراير/ شباط الماضي وتنتهي بعد عام، وذلك رغم الانتقادات التي سبق وأن وجهها الاتحاد للقاهرة في صيف 2013 وجمد على إثرها عضويتها آنذاك، مضيفا أن عقد المؤتمر في مصر لا يعني بالضرورة اعتراف المفوضية السامية بأن ملف حقوق الإنسان في مصر يسير بصورة جيدة.
 
وألمح الحقوقي المصري في حديثه للجزيرة نت، أن المفوضية السامية أول من دعت إلى تحقيق مستقل في ظروف وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وكذلك عبّر مكتبها في شهر فبراير/شباط الماضي، عن قلقه إزاء المحاكمات التي وصفها بغير العادلة، والتي أدت إلى إعدام 15 شخصا في مصر بالشهر نفسه.
 
في المقابل، وضمن رصد الجزيرة نت لردود الأفعال المختلفة، فإن مدير مركز الشهاب للحقوق والحريات المحامي خلف بيومي يعتقد أن قرار عقد المؤتمر في مصر كان يعني خسارة للآلية الدولية، التي سبق وأصدرت قرارا يعتبر أن التعذيب يتم في مصر بصورة ممنهجة، بحسب ما أوضح للجزيرة نت. 
بدوره، اعتبر مدير منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقي والمحامي المصري أحمد مفرح، أن التعاون الذي يتم بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والحكومة المصرية ممثلة في المجلس القومي لحقوق الإنسان، لا يتفق مع انحدار حالة حقوق الإنسان في مصر.
 
وأوضح في حديثه للجزيرة نت، أن المؤتمر يأتي في إطار الترتيبات والاستعدادات التي تقوم بها الأجهزة المعنية في مصر لتحضير ملفها الحقوقي، لتقديمه للمراجعة الدورية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
 
وأكد مفرح أن رعاية المفوض السامي لمثل هذا المؤتمر يعطي رسالة سلبية للغاية إلى المجتمع الحقوقي المصري المستقل في مصر وفي الخارج، والذي يتم تحجيمه وقمعه واستهدافه بشكل ممنهج من قبل النظام المصري.
 
فيما اعتبر وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري سابقا عز الدين الكومي، أن مؤتمر المفوضية السامية في مصر يأتي ضمن مسلسل التواطؤ الدولي لمنع تحريك الدعاوى القضائية الجنائية ضد من ارتكبوا ما وصفها بالمذابح بحق شعب مصر، رغم وجود الوثائق والأدلة التي تثبت تورطهم.
 
وأوضح الكومي في حديثه للجزيرة نت أن مثل هذه المؤتمرات تشرعن الجرائم التي يمارسها النظام المصري بشكل روتيني يومي، مثل الاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون وممارسة التعذيب.

سجل حافل بالانتهاكات
ومنذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في صيف 2013، وملف حقوق الإنسان في مصر منحدر، وفق وصف حقوقيين.

ففي مطلع الشهر الجاري، أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (مجتمع مدني)، تقريرا بعنوان "كابوس التعذيب في مصر: عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف ضحايا التعذيب"، ووثقت خلاله

86 حالة تعذيب في مقرات الأمن الوطني ومقرات الاحتجاز، وذلك خلال الفترة ما بين من شهر يونيو/حزيران 2017 وحتى يونيو/حزيران 2018.

الانتهاكات لم تتوقف عن حد التعذيب داخل مقرات الاحتجاز وحسب، بل وصلت لقتل خارج إطار القانون، حيث وثقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا في تقرير لها بعنوان "خمس سنوات من القهر والإخضاع" مقتل 3110 أشخاص خارج إطار القانون منذ أحداث الانقلاب العسكري وحتى يوليو/تموز 2018.

وفي سيناء، بلغ عدد القتلى من المدنيين 4010 أشخاص، منهم 3709 أشخاص قال عنهم الجيش إنهم قُتلوا نتيجة مواجهات أمنية، والبقية قتلوا بصورة عشوائية دون أن يُفتح تحقيق في واقعة واحدة.

ومن القتل خارج إطار القانون للقتل بالإهمال الطبي داخل السجون، حيث توفي منذ مطلع العام الجاري نحو 25 معتقلا داخل محبسهم، وفق رصد مراسل الجزيرة نت.

وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي أصدر مركز عدالة للحقوق والحريات (مجتمع مدني) تقريرا بعنوان "كيف تعالج سجينا حتى الموت"، أشار إلى أن أعداد حالات الإهمال الطبي داخل السجون في الفترة بين عامي 2016 و2018 وصلت إلى نحو 819 حالة.


كوميديا سوداء
وقبل ورود الخبر العاجل بتأجيل المؤتمر، كان نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قد اعتبروا أن تنظيمه  في مصر نوع من "الكوميديا السوداء"، في ظل ما يتعرض له المعتقلون وسجناء الرأي في البلاد.







المصدر : الجزيرة