سجلات النفوس السورية.. ما خفي أعظم

روايات مروعة عن التعذيب والقتل الجماعي بسجن صدنايا _ سجون - سوريا
السجون السورية تشهد فصولا مستمرة من التعذيب والقتل الجماعي (الجزيرة)

سلافة جبور-دمشق

تسارع أم مروان إلى دائرة السجل المدني في مركز العاصمة السورية دمشق لاستخراج قيد نفوس (التسجيل المدني) لعائلتها، في محاولة لمعرفة مصير ابنها الأصغر محمود المعتقل في سجون النظام السوري منذ العام 2011 على خلفية مشاركته في الحراك السلمي في أشهره الأولى.

تبدو الدقائق الفاصلة بين تقديم أم مروان طلب الحصول على الورقة وبين استلامها وقراءتها أشبه بسنوات. تقرأ السيدة الخمسينية سطور الورقة وتستقر عند اسم محمود ليتجدد أملها بأنه لا يزال على قيد الحياة، إذ لم يكتب بجانب اسمه أنه متوفى.

وتقول السيدة الخمسينية في حديث للجزيرة نت إنه رغم غياب أي خبر عن ابنها منذ اعتقاله، فإنها تعدّ نفسها محظوظة مقارنة بعدد من أقربائها في بلدتها معضمية الشام في ريف دمشق الغربي الذين تأكدوا من وفاة أبنائهم تحت التعذيب.

فعلى مدار الأسابيع الفائتة، وصلت قوائم بأسماء مئات المعتقلين الذين توفوا بسجون النظام السوري إلى دوائر السجلات المدنية في أكثر من محافظة سورية على رأسها دمشق وريفها وحماة والحسكة وذلك بشكل تدريجي، لتعرف بعض العائلات خبر وفاة أبنائها بمحض الصدفة عند استخراج ورقة رسمية ما، ولتهرع عائلات أخرى للبحث بين سجلات ورقية أو ملفات إلكترونية.

ويبدو أن هذه طريقة جديدة بات النظام السوري يتبعها لنشر أسماء من قتلوا تحت التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة له بعد أن كانت عائلات المعتقلين تُبلغ عن طريق الشرطة العسكرية بالحضور واستلام الأوراق الثبوتية للمعتقل المتوفى دون معرفة مصير الجثة، لتصبح دوائر النفوس هي السبيل لذلك، والسبب دائما واحد: الوفاة لأسباب طبيعية كالأزمات القلبية.

من معرض في مقر الأمم المتحدة عن التعذيب في السجون السورية (الجزيرة)
من معرض في مقر الأمم المتحدة عن التعذيب في السجون السورية (الجزيرة)

مختفون قسريا
ووفق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم الجمعة الفائت، فإن أكثر من 81 ألف سوري مختفون قسريا لدى النظام السوري وحده منذ مارس/آذار 2011 وحتى يونيو/حزيران الفائت، وتوثق الشبكة وفاة أكثر من 13 ألف شخص منهم في سجون النظام الرسمية والسرية بسبب التعذيب.

ويعتبر المحامي ميشال شماس -وهو عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير- أن تسريب أسماء المعتقلين الذين قتلوا تحت التعذيب لدوائر النفوس المدنية في المحافظات السورية ما هو إلا محاولة من النظام للتهرب من تبعات ملف المفقودين والمعتقلين في سجونه، واصفا هذا الملف بأنه مأساة كبيرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

ويرى شماس في حديثه للجزيرة نت أن إرسال القوائم بهذه الطريقة التدريجية يهدف للتخفيف رويدا رويدا من وقع هذه المأساة للنجاة من أي تبعات قانونية لها، مستبعدا أن ينجح النظام في ذلك نظرا لضخامة عدد المعتقلين "فمهما فعل النظام لا يمكنه حجب ضوء الشمس بغربال".

ويشرح الحقوقي بسام الأحمد تبعات هذه الإجراءات على ملف المعتقلين السوريين، إذ يرى في حديث للجزيرة نت أن هدف النظام الأساسي التلاعب بهذا الملف الحساس والتخفيف من وطأته قدر الإمكان، خاصة مع ادعاءات الوفاة لأسباب طبيعية وتجاهل التعذيب والتجويع والظروف غير الصحية التي يعيش فيها عشرات الآلاف من المعتقلين لأشهر وسنوات طويلة.

وبحسب الأحمد الذي يعمل مديرا لمنظمة "سوريون لأجل الحقيقة والعدالة"، فإن الجهود الحثيثة التي يبذلها عشرات النشطاء والحقوقيين للوصول إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام تسبب للأخير نوعا من القلق والإزعاج خاصة مع التقدم العسكري والميداني الذي يحرزه على الأرض، "فهو بذلك يفضل إحراز تقدم مشابه في ملف المعتقلين، ويبدو أن تسريب الأسماء الأخير بات الحل الوحيد بالنسبة له للتخلص من هذا الملف الشائك".

وينوّه الحقوقي إلى خطورة الجمود الذي يلف قضية المعتقلين أثناء المباحثات السياسية سواء في جنيف أو أستانا أو سوتشي أو حتى على مستوى المصالحات المحلية، فلا حل في الأفق لهذه القضية.

المصدر : الجزيرة