معاناة ذوي السجناء المُخفَين بموريتانيا

مجموعة من أسر السلفيين المعتقلين أمام السجن المدني بنواكشوط
undefined

أحمد الأمين-نواكشوط

"أغبط كل فتاة تعيش بين والديها. تسيل دموعي كل ما رأيت فتاة مع أبيها. أغص باللقمة وتعلق بحلقي حين أتذكر واقع أبي. أريد أن أرى والدي وأن أعرف أين هو ولماذا غُيّب عني قسرا".

اختلطت تلك الكلمات الحزينة بعبرات من عيني إسلم بوها بنت الخديم ولد السمان، المحكوم عليه بالإعدام بتهم الإرهاب في ما يعرف بملف السلفية الجهادية، ورحل رفقة مجموعة من المحكوم عليهم بالإعدام من سجن نواكشوط إلى "مكان آمن" حسب قول السلطات الموريتانية، و"اختطفوا إلى جهة مجهولة" حسب قول ذويهم.

حين كانت بنت السمان تصف معاناتها كان التصديق يأتيها من نسوة يضعن البراقع تجمهرن حولها، وجمعهن معها القلق والرغبة بمعرفة مصير من غيبهم السجن.

ففي منتصف سنة 2011 نقل 14 من مجموعة السلفيين المحكوم عليهم بالإعدام من سجن نواكشوط إلى وجهة مجهولة، وأثار ذلك لغطا كبيرا بالأوساط الحقوقية ووسائل الإعلام المحلية، وساْءلت فيه المعارضة بالبرلمان وزير العدل.

أسر هؤلاء لا تزال تبحث عنهم، وتطالب بعودتهم وسجنهم في مكان يستطيعون اللقاء بهم كباقي المساجين. وتتحدث هذه الأسر عن أصناف مما تصفه بالمعاناة النفسية، والقلق بشأن مصيرهم.

تقول أخت التقي ولد يوسف (أحد المخفين) في حديث للجزيرة نت إن أخاها "نقل في ظروف غامضة ودون علم أسرته، أبناؤه الصغار يشعرون بفقد أبيهم، ووالداه يتمزقان ألما، وكل ما نريده أن نرى التقي".

بنت السمان: من حقي أن أعرف مكان أبي  (الجزيرة نت)
بنت السمان: من حقي أن أعرف مكان أبي  (الجزيرة نت)

معاناة إنسانية
وتمكنت الجزيرة نت من التواصل عبر الهاتف مع التجاني ولد سيدينا المعتقل بنفس الملف بالسجن المدني بنواكشوط، وتحدث لنا عن معاناة أسرته بعد اعتقاله هو وإخفاء شقيقه سيدي ولد سيدينا. ويقول إن أسرته تعرضت لمعاناة كبيرة، حيث كف بصر والده وتوفيت الأم بعد صراع مع الفشل الكلوي.

ويضيف التجاني للجزيرة نت أن كل أفراد أسرته خضعوا للاستجواب، وأن أخاه الشيخاني توفي داخل السجن في ظروف غامضة حسب قوله، لكن القضاء أكد حينذاك أن سبب الوفاة مرض الكبد.

وقد شكل ذوو السجناء وأصدقاؤهم منظمة للدفاع عن حقوقهم، تضم في عضويتها محامين وناشطين حقوقيين. وحسب بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه فإن المنظمة تعمل على مساندة مختلف سجناء الرأي في موريتانيا ومؤازرتهم ودعمهم لنيل حقوقهم، والتضامن مع أسرهم، وتنسق مع الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية في هذا المجال.

خرق القانون
ويرى المحامون المدافعون عن السجناء أن تغييبهم خرق لحقهم في الدفاع. ويقول المحامي بلال ولد الديك -الذي يتولى الدفاع عن بعض أفراد المجموعة- إن ترحيل هؤلاء غير قانوني لأنه يلغي حقهم في الدفاع ويحرمهم من زيارة ذويهم.
 
ويضيف للجزيرة نت أن "قانون الإجراءات الجنائية الموريتاني ينص على أنه لا يمكن احتجاز شخص إلا في مؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل".

إلا أن الحكومة الموريتانية نفت أكثر من مرة أن يكون ترحيل هؤلاء خارج نواكشوط تغييبا قسريا، وبررت الترحيل "بضرورة حماية أمن المواطنين من خطر هؤلاء".

ويقول الصحفي المتابع لقضايا الإرهاب بمنطقة الساحل والمغرب العربي أحمد سالم ولد المختار السالم إن الحكومة الموريتانية اعتمدت إستراتيجية متعددة الأبعاد لمواجهة الإرهاب وحاورت السلفيين وأصدرت عفوا عن مجموعة منهم وقدمت لهم الدعم المالي بغية إعادة دمجهم في الحياة النشطة.

وأوضح للجزيرة نت أن "تمسك أفراد من هؤلاء بموقفهم المتشدد فرض على الدولة تحويلهم لمكان آمن".

المصدر : الجزيرة