لماذا ارتفعت معدلات الوفيات في مصر؟

حسب وزارة الصحة المصرية بلغت وفيات كورونا 16 ألفا و306 حالات (الأوروبية)

القاهرة– أثار ارتفاع نسبة الوفيات بمصر، خلال النصف الأول من العام الجاري، والذي اعتبره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء "زيادة كبيرة في المعدل "، تساؤلات حول أسباب تلك الزيادة، وعلاقة وباء كورونا المستجد بها.

وحسب بيان للجهاز، نشره أمس الأول الاثنين، فإن مصر سجلت زيادة في الوفيات بنسبة 14.9% خلال النصف الأول من 2021، مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2020، في حين بلغت نسبة الزيادة 31.3% مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019.

وأوضح جهاز الإحصاء في بيانه أن عدد الوفيات ارتفع 16.8% خلال 2020 مقارنة بعام 2019، ليسجل 666.2 ألف حالة وفاة، مقابل 556.9 ألفا عام 2019، مشيرا إلى أن هذه الزيادة بلغت نحو 50 ألف حالة خلال الشهور الستة الأولى من عام 2021.

وفي الوقت الذي لم يوضح البيان أسباب تلك الزيادة، علق عليها بأنها "زيادة كبيرة في المعدل" وهو ما دفع إلى إثارة تساؤلات حول أسباب هذه الطفرة في أعداد الوفيات وعلاقتها بوباء كورونا المستجد.

وحسب وزارة الصحة، فقد بلغت وفيات كورونا 16 ألفا و306 حالات، من بين 282 ألفا و421 إصابة تم تسجيلها منذ بدء الجائحة في مارس/آذار 2020، إلا أن مسؤولين وخبراء قالوا في تقارير سابقة إن عدد الإصابات الحقيقي أعلى بكثير لقلة الاختبارات واستبعاد نتائج الفحوص الخاصة.

وفي مايو/أيار الماضي، قالت دراسة أجراها معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في كلية الطب بجامعة واشنطن إن عدد وفيات كورونا بمصر يقترب من 13 ضعفا للرقم المعلن، حيث قدر عددها بأكثر من 170 ألف وفاة حتى موعد صدور الدراسة، رغم أن الرقم الرسمي المعلن عنه حينها لم يتجاوز أكثر من 13 ألفا و500 حالة.

ما الأسباب؟

علميا، وعلى الصعيد الطبي ودون مبالغة أو تهويل، يرى عبد الجليل مصطفى، أستاذ الطب بجامعة القاهرة، وعضو لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أن فيروس كورونا ربما يكون من ضمن أسباب ارتفاع الوفيات خلال الآونة الأخيرة، لكنه ليس السبب الوحيد.

وأوضح الأكاديمي بكلية طب القاهرة، في تصريحات صحفية، أن نقص الوعي لدى المواطنين، وإحجامهم عن الذهاب للمستشفيات خوفًا من انتقال العدوى، أدى إلى سوء الأحوال الصحية، ومن ثم كان ذلك سببا في ارتفاع عدد الوفيات خلال الفترة الأخيرة.

وأشار في هذا السياق إلى أن العديد من الأمراض الخطيرة التي تستلزم رعاية صحية خاصة، كأمراض السرطانات والقلب والسكتة الدماغية، كانت ضمن أسباب ارتفاع أعداد الوفيات، بسبب إهمال الرعاية الصحية اللازمة، وترك المتابعة الضروية في المستشفيات.

ارتفاع الوفيات في مصر/ الجزيرة مصر تويتر

خلل وقصور

بالمقابل، فإن عدد الوفيات ونسبها، هي -حسب خبير الوبائيات والمسؤول السابق بوزارة الصحة، الدكتور مصطفى جاويش- من المؤشرات الهامة على جودة وكفاءة وعدالة تقديم الرعاية الصحية في أي مجتمع، معتبرا زيادتها تعكس "خللا وقصورا عاما في الرعاية الصحية".

وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت الدكتور جاويش إلى أن تقرير الجهاز المركزي أشار بدقة إلى زيادة نسبة الوفيات لدى الكبار وتراجعها عند حديثي الولادة والأطفال، وزيادة النسبة في الذكور عنها بالاناث، كما أنها أكثر في المدن عنها بالقرى، وهي تفاصيل من المهم أخذها بعين الاعتبار.

وفي تحليله لنسب الزيادة، والأرقام المعلنة للوفيات صحيا وديموغرافيا، يرى المسؤول السابق بوزارة الصحة وجود علاقة منطقية بينها وبين خصائص انتشار وباء كورونا بصورة عامة بين الكبار، وقلته أو ندرته  بين الأطفال، كما الحال مع زيادتها في المدن وعواصم المحافظات.

وحيث إن المتغير الوحيد الحاصل خلال فترة ارتفاع نسب الوفيات هو ظهور فيروس كورونا، فإنه السبب الأبرز لها -في تقدير الدكتور جاويش- فلو رصدت وفيات أكبر من المعدلات الطبيعية، مع تثبيت العوامل الأخرى، في ظل وجود جائحة، فإن ارتفاع أعداد الوفيات يكون بسببها، حتى لو لم تجر لأصحابها الفحوص.

نتيجة طبيعية

بدوره، يرى رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى سابقا، عبد الغفار صالحين، أن الطفرات الكبيرة في نسب الوفيات مرتبطة بالحوادث الكبيرة ومنها "الأوبئة" غير المسيطر عليها، وهي نتيجة طبيعية لتهاوي المنظومة الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي.

ويرجع صالحين، في حديثه للجزيرة نت، هذا التهاوي إلى "الأمراض المزمنة الموجودة بالفعل في مصر، كانتشار السمنة والسكري والفشل الكلوي والكبدي، وانتشار الأمراض القلبية والرئوية، والتراخي الآني في تطبيق الاحترازات الوقائية".

والافتقاد لهذه المنظومة يَظهر كذلك، حسب البرلماني السابق، في عدم توعية المجتمع وتربيته على احترام القواعد المرورية والتراخي في محاسبة المخالفين وعدم تمهيد الطرق، مما يؤدي زيادة الوفيات على الطرق والذي تثبته الإحصاءات الحديثة.

خطة سريعة

من جهته يشدد استشاري التحاليل الطبية والميكروبيولوجية، محمود صابر، على أن هذه النسب المرتفعة للوفيات لا يمكن قبول تبريراتها بأي شكل، وهي مؤشر سلبي لصحة المجتمع، وتستلزم خطة سريعة وطارئة للعلاج للحيلولة دون تفاقم الأمور.

ويذهب صابر، في حديث للجزيرة نت، إلى أن جائحة كورونا لها دور، ربما غير مباشر في ارتفاع هذه النسبة، حيث إنه في ظل ارتفاع أعداد أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة، وضعف المنظومة الصحية، من الطبيعي أن تزيد أعداد الوفيات بسبب الوباء.

من جانب آخر يرى أحمد رامي، عضو مجلس نقابة الصيادلة السابق، في حديث للجزيرة نت، أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لا يمكن أن يذكر أسباب هذه الزيادة، لأنه بذلك سيضطر إلى تكذيب بيانات الحكومة بشأن إحصائياتها لمصابي ووفيات كورونا.

ويشير بهذا السياق إلى ما أعلنه الجهاز مطلع العام الجاري من تسجيل نحو 60 ألف حالة وفاة إضافية أثناء مايو/أيار ويونيو/حزيران ويوليو/تموز 2020 مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي اعتبره مراقبون آنذاك يعكس الأعداد الحقيقية لوفيات الفيروس التي تمثل أضعاف أرقام الوفيات المعلنة رسميا.

ويشدد رامي على أن مواجهة هذه الطفرات المتتالية في أعداد الوفيات تستلزم العمل على توفير الإمكانيات اللازمة لهذه المجابهة، وزيادة مخصصات الصحة بشكل عام والخاصة بالتحاليل وأدوات الوقاية بشكل خاص.

المصدر : الجزيرة