الاحتياطات الأجنبية لمصر تفقد خمس قيمتها.. لماذا؟ وأين صرفت هذه الأموال؟

Central Bank of Egypt's headquarters is seen in downtown Cairo, Egypt, November 3, 2016. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
البنك المركزي أعلن انخفاض الاحتياطي النقدي الدولاري إلى 37 مليار دولار بخسارة نحو 19% من قيمته (رويترز)

عبد الله حامدالقاهرة 

من الطبيعي أن تنخفض الاحتياطات الأجنبية لمعظم دول العالم نتيجة اجتياح فيروس كورونا المستجد أغلب البلدان، لكن ما أثار القلق لدى المراقبين للاقتصاد في مصر –عقب إعلان البنك المركزي انخفاض الاحتياطي النقدي الدولاري إلى نحو 37 مليار دولار، بخسارة نحو 19% من قيمته في شهرين- هو عدم تقديم تفسير دقيق للمصارف التي أُنفقت كل هذه الأموال، في ظل إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تخصيص مئة مليار جنيه (ستة مليارات دولار) لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد. 

وأكد البنك في نشرته أن انتشار الفيروس أثر على الأسواق العالمية للشهر الثاني على التوالي، وتواصلت إثر ذلك عمليات التخارج لاستثمارات الصناديق المالية الأجنبية من الأسواق الناشئة، وكذلك الأسواق المصرية، خلال أبريل/نيسان الماضي. 

وتراجعت صافي الاحتياطات الدولية من العملات الأجنبية الموجودة في خزائن البنك المركزي، بقيمة بلغت 3.07 مليارات دولار، بنهاية أبريلنيسان 2020، لتسجل 37.03 مليار دولار، مقارنة بنحو 40.1 مليار دولار في مارس/آذار السابق عليه. 

وتتمثل الأهمية الكبرى للاحتياطات النقدية في ضمان تدفق السلع الأساسية المستوردة من الخارج، وذلك لمدة محددة، وتكشف تصريحات مسؤولي الحكومة في مناسبات مختلفة عن أن هذه المدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وذلك على فرض انعدام كل الموارد الدولارية للبلاد. 

وتستورد مصر ما قيمته خمسة مليارات دولار شهريا في المتوسط من السلع والمنتجات، بإجمالي سنوي يقدر بأكثر من 55 مليار دولار؛ وبالتالي فإن المتوسط الحالي للاحتياطي من النقد الأجنبي يغطي نحو ثمانية أشهر من الواردات السلعية لمصر. 

الاقتراض 
يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند مصطفى شاهين أن السر الحقيقي وراء هذا الانخفاض الذي كان متوقعا هو خروج الأموال الساخنة، التي كانت تقدّر بـ22 مليار دولار، فصارت 13 مليارا فقط، بخسارة تسعة مليارات، تحمّل منها البنك المركزي خمسة مليارات وأربعمئة مليون دولار، والباقي دفعته بنوك خاصة. 

وقال شاهين للجزيرة نت إن أزمة فيروس كورونا المستجد ضربت موارد الاقتصاد المصري على أكثر من صعيد؛ إذ انحسر عائد السياحة عند الصفر، وانخفضت عوائد قناة السويس.

 كما تراجعت تحويلات المصريين بالخارج، التي تعد أكبر مورد للعملة الصعبة، حيث تبلغ نحو 29 مليار دولار، وتوقع شاهين مزيدا من الانخفاض حتى نهاية العام. 

ولفت المتحدث إلى أن البنك المركزي يدفع ديونا سنوية تقدر بنحو 18 مليار دولار، ستتآكل في ظل تراجع الموارد الدولارية. 

ولكي يحافظ المركزي على الاحتياطي، فلا حل أمامه سوى الاقتراض، وهو ما أقدمت عليه الحكومة فعليا بالتوجه لصندوق النقد الدولي، لتغطية الواردات ورفع سعر الفائدة إلى 14% بعد خفضها إلى 10.25% وتخصيص شهادات بفائدة 14% للجم الاندفاع لاقتناء الدولار. 

واستبعد شاهين تآكل الاحتياطي الدولاري لمصر تماما، ما دام الاقتراض متاحا على الدوام أمام الحكومة في كل أزماتها، لدرجة بلوغ الديون أرقاما غير مسبوقة، إذ قفزت من 109 مليارات دولار في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 112 مليار دولار في ديسمبر/كانون الثاني الماضي. 

ورجح الخبير الاقتصادي ألا تخرج احتمالات تداعيات هذا التراجع عن أحد سيناريوهين، أقربهما للتحقق هو مزيد من الاقتراض، أما ثانيهماالأقل ترجيحا لدى المتحدثفهو تعويم الدولار مرة أخرى تعويما جزئيا مع رفع سعر الفائدة؛ حتى لا يظل المركزي يدافع عن الجنيه مع عودة الدولار للارتفاع وعودة السوق السوداء. 

‪أحد الحلول المطروحة هو إعادة تعويم العملة أو الاستمرار في دعم الجنيه‬ (الجزيرة)
‪أحد الحلول المطروحة هو إعادة تعويم العملة أو الاستمرار في دعم الجنيه‬ (الجزيرة)

تطمينات 
وربط محللون بين انخفاض الاحتياطي الدولاري وتقديم الحكومة طلبا لصندوق النقد الدولي للحصول على قرضين، من شأنهما تعزيز قدرة مصر على مواجهة أية صعوبات اقتصادية متوقعة، وحماية القطاعات الأكثر عرضة لأضرار انتشار فيروس كورونا. 

ووافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الاثنين الماضي على إقراض مصر نحو 2.8 مليار دولار من خلال "أداة التمويل السريع"، وهو ما اعتبره مسؤولو البنك المركزي تأكيدا على الثقة في مستقبل أداء الاقتصاد المصري وقوة مؤشراته عقب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي استمر خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وحتى الشهر نفسه من عام 2019. 

وحصلت مصر خلال العامين الماضيين على ست شرائح من صندوق النقد، بقيمة 12 مليار دولار، كما حصلت على تدفقات ضخمة من مؤسسات دولية. 

رسائل طمأنة
بدوره، طمأن رامي أبو النجا نائب محافظ البنك المركزي المصري المواطنين بأن احتياطي النقد الأجنبي لا يزال في الحدود الآمنة، رغم التراجع المشهود، ويغطي في وضعه الراهن واردات سلعية لنحو سبعة أشهر. 

أبو النجاالذي يتولى مسؤوليات الاستقرار النقدي- ألمح إلى أوجه الإنفاق بالقول إن البنك المركزي يدير الأزمة بأسلوب استباقي، وهو ما دعاه للتحرك مبكرا من خلال حزمة تمويل كبيرة وإجراءات استثنائية لدعم وتعزيز الاقتصاد المصري ومساندته في مواجهة الأزمة. 

وأكد في تصريحات صحفية أن تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد على الأسواق العالمية استمرت للشهر الثاني على التوالي، وإن كانت بوتيرة أقل من الشهر السابق، الذي شهد ذروة التخارج من المحافظ الاستثمارية في الأسواق الناشئة. 

واستبعد نائب محافظ البنك المركزي حدوث تأثيرات جوهرية نتيجة انخفاض الاحتياطي الأجنبي على ميزان المدفوعات وسوق الصرف، مؤكدا أن السوق المحلية تجاوزت ذروة خروج الاستثمارات الأجنبية من سوق أدوات الدين الحكومي.

المصدر : الجزيرة