تقديرات منظمة العمل.. سيناريوهات متشائمة لمستقبل العمالة بالعالم فماذا عن العرب؟

‎⁨عمال مياومة في أحد المصانع. الجزيرة أرشيفية. منطقة ماركا الصناعية شرق العاصمة عمان.⁩.JPG
منظمة العمل قالت إن عدد من سيصبحون عاطلين هذا العام قد يتجاوز 25 مليونا (الجزيرة-أرشيف)

 

عبد الحافظ الصاوي

منتصف مارس/آذار 2020، ذهبت تقديرات منظمة العمل الدولية إلى وجود سيناريوهين للزيادة في عدد العاطلين بسبب أزمة وباء كورونا: سيناريو التفاؤل الذي يقدر الزيادة في عدد العاطلين المتوقع بنحو خمسة ملايين فرد، أما النظرة التشاؤمية فتقدر وصول عدد المتضررين بالأزمة والذين سينضمون لصفوف العاطلين إلى بنحو 25 مليون فردا.

وكانت المنظمة قد بنت تقديراتها الأولية عن عدد العاطلين في الشهر الماضي على تقديرات الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي خلفت آنذاك نحو 22 مليون عاطل.

لكن السيناريوهات مختلفة بين الأزمتين، فالأزمة المالية العالمية لعام 2008 كانت محددة المعالم، وتكاتفت فيها الجهود العالمية للخروج منها.

لكن أزمة كورونا 2020 -في ظل سيناريوهاتها المفتوحة- حملت منظمة العمل الدولية على القول -في تقريرها الصادر اليوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان- إن الأمر متوقف على التطورات المستقبلية للسيطرة على فيروس كورونا، وكذلك السياسات الاقتصادية المتبعة لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة.

لذلك ترى المنظمة أن ثمة خطرا كبيرا يتهدد دول العالم من حيث ارتفاع عدد العاطلين، ليتجاوز الأمر التقديرات الأولية، ويتعدى بكثير حاجز 25 مليون فرد بنهاية 2020.

‪منظمة منظمة العمل توقعت فقدان 8.1% من ساعات العمل بالمنطقة العربية‬ (رويترز)
‪منظمة منظمة العمل توقعت فقدان 8.1% من ساعات العمل بالمنطقة العربية‬ (رويترز)

القادم أسوأ
الحالة الضبابية للتعامل مع الأزمة على الصعيد العالمي، من حيث عدم الوصول لحلول على الصعيد الصحي، وانكفاء كل دولة على معالجتها للأزمة بطريقتها الخاصة، دعت منظمة العمل إلى الذهاب إلى تقديرات مختلفة، قد تكون هي الأعلى في التداعيات الاقتصادية السلبية بشكل عام، وعلى عدد العاطلين بشكل خاص.

فحسب تقرير منظمة العمل، يتوقع أن يشهد النصف الثاني من 2020 فقدان نسبة 6.7% من ساعات العمل على مستوى العالم، وهو ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل.

وفيما يخص منطقتنا العربية، فإن تقرير المنظمة يذهب إلى أن حصتها من هذه التوقعات هي فقدان 8.1% من ساعات العمل، وبما يعادل خمسة ملايين وظيفة بدوام كامل، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف التقدير الذي أعلنته منظمة "أسكوا" منتصف مارس/آذار الماضي، حيث توقعت أن يزيد عدد العاطلين في المنطقة العربية بنهاية 2020 بنحو 1.7 مليون فرد.

وكانت منطقة آسيا والمحيط الهادي الأكثر تضررًا حسب تقديرات المنظمة -من حيث تراجع ساعات العمل بسبب أزمة كورونا- بنسبة 7.2% أو ما يعادل 125 مليون عامل بدوام كامل. وطبيعي أن تتأثر هذه المنطقة بشكل كبير، بسبب ما تشكله من كثافة سكانية على الخريطة العالمية، حيث تفيد التقديرات أن سكان هذه المنطقة يمثلون نحو 56% من سكان العالم.

ولا يستثني تقرير منظمة العمل قطاعات بعينها من الآثار السلبية المتعلقة، بتقليص ساعات العمل، فالخطر يشمل قطاعات خدمات الإقامة والطعام، والصناعات التحويلية، وتجارة التجزئة، وأنشطة الأعمال والأنشطة الإدارية.

ومن شأن فقدان الاقتصاد العالمي -لهذه النسبة من ساعات العمل- أن يلقي بظلاله السلبية على معدلات النمو الاقتصادي التي قد تفوق معدلات تراجعه عما هو متوقع من قبل البنك والصندوق الدوليين.

طرق المواجهة
تقديرات منظمة العمل الحديثة تفرض تبعات جديدة على حكومات العالم، وستكون التبعة أكبر على حكومات تلك المنطقة، حيث لا تمتلك نُظم رعاية اجتماعية تمكنها من مواجهة التداعيات السلبية للأزمة، فضلًا عن هياكلها الاقتصادية المتهالكة. 

وقد طرح تقرير منظمة العمل أربع ركائز تبنى عليها سياسات مواجهة أزمة كورونا في المرحلة الحالية:

–  الركيزة الأولى: العمل على تحفيز الاقتصاد للحفاظ والعمل على زيادة فرص التوظف.

– الركيزة الثانية: دعم الشركات والمحافظة على الدخول.

– الركيزة الثالثة: حماية العاملين في أماكن العمل.

– الركيزة الرابعة: الاعتماد على الحوار المجتمعي لإيجاد الحلول.

وهي أجندة لجأت إليها كافة الحكومات في الدول النامية والمتقدمة لمواجهة الآثار السلبية لأزمة كورونا.

واختلفت وجهة كل دولة في دعم القطاعات التي تراها تضررت بشكل كبير، كما اختلفت قيم الحزم التمويلية التي دفعت بها الحكومات اقتصادياتها، وكانت أميركا صاحبة أكبر حزمة تحفيز بنحو 2.2 تريليون دولار.

ولكن علينا أن نعي أن الأجل الزمني لمواجهة كورونا سوف يرهق الحكومات، بشكل كبير بشأن تقديم المزيد من حزم التحفيز، وبخاصة الدول النامية التي تعاني من أزمة مديونية، وأزمة تمويل في نفس الوقت.

وليس مستبعدا -في حال استمرت أزمة كورونا إلى ما بعد 2020- أن تعلن العديد من الدول إفلاسها، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، فضلًا عن عدم قدرتها في دعم اقتصادياتها الداخلية، والعمل على تحفيزها عبر تقديم التمويل الحكومي.

خفوت صوت العمال
ثمة ملاحظة مهمة في أزمة كورونا، وهي خفوت صوت العمال في العديد من دول العالم، كما لمسناه في العديد من المناسبات، مثل مؤتمر سياتل 1999، أو في عقد مؤتمرات القمة لمجموعة العشرين، أو اجتماعات مجموعة الثماني الصناعية.

فلم نلمس اعتراضات من قبل منظمات العمال فيما يتعلق بأوضاعها في ظل هذه الأزمة، وتعرض العديد منهم للتشريد وفقدان أعمالهم، كما حدث في الدول الأوروبية وأميركا.

وقد يكون السبب وراء ذلك ما يتمتعون به من وجود الحماية الاجتماعية، فضلًا عن تضمينهم في حزم التحفيز، كما عبرت عن ذلك حالة أميركا كمثال بحماية الأسرة عبر تقديم مبلغ ثلاثة آلاف دولار لكل أسرة متضررة تدفع لمرة واحدة.

أما الدول النامية، وبخاصة التي تعاني من اتساع عدد العاملين في القطاع غير المنظم -كما أقر بذلك تقرير منظمة العمل الصادر اليوم، وكونهم من أكبر الشرائح التي ستضرر من تخفيض ساعات العمل بنسبة 6.7% على مستوى العالم في النصف الثاني من 2020- فلا يتوقع أن تحظى هذه الشريحة بالحماية الاجتماعية المناسبة.

ولذلك يطالب التقرير بالعمل على تقديم المساعدات النقدية والغذائية، لشريحة العاملين بالقطاع غير المنظم، خلال الفترة القادمة، وبخاصة في الدول النامية.

فهل كل ما تتمناه منظمة العمل الدولية تدركه؟ وكيف يتحقق ذلك في بلدان مثل الهند، أو باكستان، أو بنغلاديش، والعديد من البلدان النامية والفقيرة؟ وكيف يتحقق ذلك أيضًا في دولة مثل مصر وباقي الدول العربية غير النفطية؟

وقد تكون الركيزة الرابعة التي طرحها تقرير منظمة العمل، حول الاعتماد على الحوار المجتمعي لإيجاد الحلول، صعبة المنال في الدول التي لا تتمتع بوجود نظم ديمقراطي، ومنظمات الأعمال بها شديدة الالتصاق بالسلطة، ولا تسمح بمشاركة المجتمع الأهلي في صناعة واتخاذ القرار.

لذلك كما أشرنا، وجدنا صوتا خافتا للنقابات العمالية، وبخاصة في الدول النامية، إن لم يكن غير موجود. واختلفت ردود أفعال أرباب الأعمال من القطاع الخاص في قضية حماية العمال والحفاظ على دخولهم، في حين أن الأصل في مثل هذه القرارات أن تتم في إطار ما عرف بالعلاقة الثلاثية (الحكومة، العمال، أرباب العمل).

وعلى ما يبدو فإنه في الحركات العمالية في ظل هذه الأزمة، لم يعد يسمع نداء كارل ماركس "يا عمال العالم اتحدوا". فهل لأن الأزمة أكبر من دائرة الصراع والحوار بين العمال وأصحاب العمل، كونها تأتي خارج إرادة الجميع، وتنال من صحة وحياة العمال وأصحاب العمل، والفقراء والأغنياء؟

المصدر : الجزيرة