غياب الشفافية والقضاء العسكري.. عقبات تواجه طرح الشركات العسكرية بالبورصة المصرية

للقصة بقية-جمهورية الضباط.. كيف احتكر الجيش المصري قطاعات الدولة؟
انهيار البورصة المصرية بسبب انتشار جائحة كورونا أوقف مشروع السيسي لطرح شركات عسكرية في البورصة (الجزيرة)

بدا التوقيت موفّقا، حين أعلن صندوق مصر السيادي في 3 فبراير/شباط الماضي أنه يستعد لطرح أسهم عشر شركات عسكرية في البورصة الوطنية، وكانت وزارة المالية وخبراء اقتصاد يتوقعون أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.8% في السنة المالية الحالية 2020-2021، أي ضعفي المعدل العالمي".

بهذه الكلمات استهل الباحث السياسي يزيد صايغ دراسته الجديدة حول تعويم الشركات العسكرية في البورصة المصرية، والتي نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط على موقعه الرسمي.

وأضاف صايغ في دراسته أن جائحة كورونا أفسدت مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو توقفه إلى حين؛ فقد تسببت الأزمة في تدهور البورصة المصرية، لتسجّل أكبر تراجع بين مجمل البورصات العربية بحلول 16 مارس/آذار الماضي، وتخسر 95 مليار جنيه مصري في أسبوع واحد (الدولار يعادل 15.70 جنيها).

ومضى قائلا "بعدها بستة أيام، أعلن السيسي دعما للبورصة قيمته عشرون مليار جنيه (1.27 مليار دولار)، في محاولة لإنعاش أسعار الأسهم، ولكن خسائر البورصة التراكمية بلغت 132 مليار جنيه حتى أبريل/نيسان الجاري، ولم يعد مؤكدا المضي قدماً بفكرة تعويم الشركات العسكرية، ويتعيّن على السيسي والهيئات الحكومية المعنية أن تعتبر جائحة كورونا فرصةً لإعادة النظر تماما في الفكرة، أو القيام بما يجب لإنجاحها".

ووفقا للباحث اللبناني، فلم تكن كورونا العقبة الوحيدة في وجه المشروع؛ فقد كانت ثمة عوائق مهمة تقف حجر عثرة في طريق الشركات العسكرية؛ فقد أعلن السيسي فكرته أصلاً في أغسطس/آب 2018، وبالتالي فإن مرور سنة ونصف السنة تقريبا قبل أن يتولى الصندوق السيادي مهمة تقييم ملاءمتها التجارية، إنما يدل على صعوبات طرح الشركات العسكرية في البورصة، كما يؤكده تردد الوزراء في تبنّي الفكرة.

مفارقات
ويكشف التأخر في طرح الشركات العسكرية عن مفارقة كبيرة، مقارنة بالإسراع المُلفت في إطلاق مشروعات أكثر طموحا وكلفةً بكثير تبنّاها السيسي بعد مجيئه إلى الرئاسة؛ فقد انطلق العمل في توسعة قناة السويس -على سبيل المثال- بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان السيسي المشروع عبر التلفاز في 5 أغسطس/آب 2014، مما اضطر وزارة المالية لإعداد الإجراءات القانونية لاستقبال استثمارات المواطنين في وقت قياسي.

أما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التي ستبلغ كلفتها الإجمالية أضعافا مضاعفة عن كلفة توسعة القناة، فقد انتقل من الإعلان في مارس/آذار 2015 إلى بدء الحفر في الموقع المختار شرقي القاهرة بعد بضعة شهور فقط، حسب الباحث بمركز كارنيجي.

وشدد صايغ على أن طرح الشركات العسكرية في البورصة يشكل -بصورة نظرية- ابتعادا مهما وايجابيا عن الضبابية المالية والجدوى المشكوك في أمرها اللتين تشخّصان الاقتصاد العسكري المصري، فإذا أُنجز الطرح بطريقة صحيحة، يمكنه الكشف تماما عن الأوضاع المالية لهذه الشركات، وتقديم وسيلة معقولة لزيادة رأس مالها، غير أن المشكلات الفنية والتحديات السياسية المتعلّقة بالشفافية والتنافس غير المتكافئ والربحية والغموض القانوني؛ تثير كلها الشكوك المهمة حول أهلية الشركات العسكرية للطرح في البورصة، ومدى جدوى ذلك اقتصاديا.

الحسابات المالية
أولى العقبات التي قد تعرقل مشروع السيسي -كما يقول صايغ- أن "الشركات العسكرية من المستبعد، بل من المستحيل، أن تقدم كشفا ماليا كاملا، لا سيما أن الشركات العشر التي قد تبيع الأسهم تتبع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، والذي تبقى حساباته طي الكتمان لدواعي الأمن القومي، وغير خاضعة لتفتيش الجهاز المركزي للمحاسبات".

وأضاف أن حسابات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية خارج صلاحية أجهزة الكشف المالي والتدقيق والمحاسبة الحكومية كافة، وغير خاضعة للرقابة البرلمانية، كما هي الحال أيضا بالنسبة لحسابات وزارة الدفاع، وميزانية الدفاع عموما.

وشدد صايغ على أن طرح شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في البورصة يستلزم فتح حساباتها أمام أنواع ومستويات التدقيق نفسها التي تخضع لها الشركات الأخرى المطروحة في البورصة، لكي تكون هي أيضا صالحة للطرح، وسيكشف ذلك عن مصادر الاستثمارات في شركات جهاز المشروعات، وعن إنفاقها ورأس مالها الفعليين، وكذلك عن ديونها ومستحقاتها، ومصير أرباحها.

لكنه يرى أن إدارة السيسي قد تسعى إلى تعديل قواعد البورصة للسماح بطرح الشركات العسكرية من دون أن تقوم بالكشف المالي الكامل، مستشهدا على ذلك بتصريحات السيسي عندما جدد الحديث عن اقتراحه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، قائلا "إحنا شغّالين في الموضوع ده بقالنا ثلاث سنوات، لكن موضوع الطرح في البورصة له إجراءات كثيرة مش عايز أتكلم فيها".

ولا تعد هذه الخطوة سهلة في نظر الباحث، الذي علق قائلا "لقد تفادت مصر حتى الآن التعرض للمراقبة الدولية، ما دام تنافس الشركات العسكرية للحصول على حصص في أسواق محددة وعلى التمويل الحكومي يؤثّر فقط على نظيراتها من الشركات المدنية الوطنية، إلا أن تعديل قواعد الطرح في البورصة من شأنه إبراز المشكلة في الخارج، وإلحاق الضرر الشديد بسمعة البورصة المصرية، وينبغي على إدارة السيسي أن تخطو بحذر إذا كانت تريد استدراج الاستثمار الأجنبي".

هيمنة اقتصادية
ولا تعد الحسابات المشكلة الوحيدة، فحسب صايغ يجب أن تعمل إدارة السيسي على تأمين التنافس المتكافئ بين الشركات العسكرية والمدنية، إذا كان الهدف الحقيقي من طرح الشركات العسكرية في البورصة هو تحسين قدرتها على البقاء وليس أن يكون مجرد حيلة لانتزاع رأس المال من المستثمرين المُضلَّلين.

وأضاف أن الهيئات العسكرية تتمتع بامتيازات تمنحها أفضليات اقتصادية مهمة مقارنةً بنظيراتها المدنية في قطاعي الأعمال الخاص والعام، فهي معفية من دفع ضريبة الدخل أو الضريبة العقارية، والرسوم الجمركية، وغيرها من الرسوم والاقتطاعات الحكومية.

كما أنها تتمتّع بنفقات إنتاجية أدنى بكثير من الشركات المدنية، فهي مثلا تحصل على دعم الصناعات المُستهلِكة للطاقة، مثل مصنع الإسمنت التابع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية الذي اقترح السيسي طرحه في البورصة؛ وتستخدم عربات القوات المسلحة للنقل، وتعفى من دفع رسوم المرور على الطرق السريعة التي تديرها الهيئات العسكرية؛ وتحصل بسهولة على العملة الصعبة وبأسعار تبادل ميسَّرة؛ بالإضافة إلى العمالة شبه المجانية في ما يخص شركات جهاز المشروعات تحديدا.

بيد أن الامتياز الأهم -وفقا للباحث- هو أنه يحق بالقانون للهيئات العسكرية ولشركاتها أن تتلقى -وأن تُرسي بدورها- العقود، بما يُعرف بمصطلح "الإسناد المباشر"، أي من دون منافسة أو مناقصة، ويوفّر ذلك أفضلية ضخمة في استثناء المنافسين المدنيين من قطاعي الأعمال الخاص والعام، إذ يضمن للهيئات والشركات العسكرية المداخيل حتى لو كانت السلع والخدمات التي تقدمّها متدنية الجودة.

كما يقدّم هذا الامتياز للجهات العسكرية القدرة على لي ذراع الشركات المدنية لتقبل شروطا تجارية مُجحفة في الحاضر، لعلمها أنها ستحظى بعقود إضافية مستقبلا إن قبلت، وأنها لن تتمكّن من دخول مناقصات مستقبلية إن رفضت.

امتيازات ومخاطر
بيد أن هذه الامتيازات قد لا تُضعِف شهيّة المستثمرين لشراء الأسهم في الشركات العسكرية كما يرى صايغ، فمن المرجّح جدا أن أغلب من سيشتري الأسهم في الشركات العسكرية سيكونون مواطنين مصريين تحركهم دوافع وطنية، وكذلك لأنهم سيفترضون أن الحكومة لن تدع هذه الشركات تفشل، وأنها (أي الشركات) ستظل تتلقى العقود الحكومية المُربِحة بغض النظر عن كفاءتها أو أدائها الفعليين.

ومضى قائلا "لكن ذلك لا يخفي كليا المخاطر التي سيتعرّض لها المستثمرون، لا سيما أن شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التي قد يتم طرحها في البورصة تخضع للقضاء العسكرية، وبالتالي فإن المشاريع أو الشراكات المشتركة التي تُقام بين الهيئات العسكرية والشركات الخاصة -بما فيها الأجنبية- لا تخضع إلى قانون الشركات المصري، ولا إلى قوانين الشركات الأجنبية".

وحسب ملحق تجاري بإحدى السفارات الغربية في القاهرة، تحدثت معه وكالة رويترز عام 2018؛ فإن المستثمرين الأجانب شعروا بأنه لا فائدة من اللجوء إلى التحكيم في حال نشوب نزاع مع أي جهة عسكرية، بل الأفضل "أن تغادر البلاد"، فلم تكن العلاقات السياسية كافية كذلك لحمل مستثمرين صينيين وإماراتيين رئيسيين على عدم الانسحاب من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بسبب اختلافات حول تسعير الأرض وتقاسم الأرباح مع وزارة الدفاع والشركات العسكرية التي تديره.

وأكد صايغ أنه رغم غياب الشفافية أو أي حاجز قانوني واقٍ؛ فإن إغراء الربح السهل والسريع هو الذي دفع مستثمرين أوروبيين وعربا ومصريين إلى التعبير عن اهتمامهم بشراء أسهم في هذه الشركات، حتى قبل أن يعرفوا ما هو مطروح للبيع منها.

وشدد على أن هناك دافعا آخر لاختيار شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للطرح، وهو بحث السيسي الدائم عن رأس المال، وهو ما يفسر إصرار السيسي على تعويم الشركات العسكرية حتى قبل استكمال جرد أصولها وقبل التأكد من جدواها بزمن بعيد.

المصدر : الجزيرة