هل تبيع مصر خطوطها الحديدية؟

صورة 1 التصريحات الرسمية تشير إلى خسائر يتكبدها مرفق النقل. تصوير المراسل.jpg
خسائر الهيئة القومية لسكك حديد مصر قدرت بـ558 مليون دولار (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

يبدو أن الحكومة المصرية تخطو خطوات ثابتة نحو خصخصة هيئة السكك الحديد، وهو ما يرى فيه خبراء انعكاسا لحالة فساد في البلاد وطريقا لإضافة تكاليف جديدة على العباد.

فقد أعلن مساعد وزير النقل أن وزارته ستستعين بالقطاع الخاص في إنشاء وتشغيل وإدارة خطوط السكة الحديد خلال المدة المقبلة، وستبدأ التجربة بقطارات البضائع، بعدها تنتقل لقطارات نقل الركاب.

وكشف رئيس قطاع الحسابات الختامية بوزارة المالية عن خسائر الهيئة القومية لسكك حديد مصر والتي تُقدر بنحو 10 مليارات جنيه (558.4 مليون دولار) بنهاية السنة المالية 2017-2018، مما يمثل نسبة 40% من حجم خسائر الهيئات الاقتصادية والبالغ عددها 16 هيئة، وهو ما دفع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري قبل أيام إلى التوصية بتشكيل لجنة تقصي حقائق لمراجعة هذه الخسائر.

تعديل القانون
وفي فبراير/شباط الماضي، أقر البرلمان المصري تعديلات على قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر لينص على إشراك القطاع الخاص في إدارة وصيانة قطاع السكك الحديد، وهو ما عدّه مراقبون وقتئذ تمهيدا لخصخصة هذا القطاع.

ويبدو أن خطوات الحكومة والبرلمان جاءت كمظلة لتوجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أعلن قبل عامين عن تدشين المشروع القومي لتطوير السكك الحديد، لكنه عاد وأكد -قبل أيام من التعديل البرلماني على قانون هيئة السكك الحديد- رفضه تحمل الدولة تكاليف تطوير السكك الحديد.

واعتبر أن ما سينفق على تطوير السكك الحديد بلا جدوى في ظل ضعف المرفق وقلة إيراداته، مفضلا وضع هذه المبالغ في البنك لتدرّ أرباحا من الفوائد.

‪مليون و250 ألف راكب يستخدمون القطارات بمصر يوميا‬ (الجزيرة)
‪مليون و250 ألف راكب يستخدمون القطارات بمصر يوميا‬ (الجزيرة)

أوضاع مزرية
ورغم التاريخ الطويل لهيئة السكك الحديد في مصر -الذي يزيد عن 180 عاما- والاعتماد الكبير عليها من جانب المواطنين، حيث يستخدم القطارات نحو مليون و250 ألف راكب يوميا وفق البيانات الرسمية، فإن الأرقام تشير إلى أن هذا المرفق يعيش أوضاعا مزرية.

ووفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدر في مارس/آذار الماضي، بلغت حوادث القطارات خلال الفترة بين عامي 2003 و2017 نحو 16174 ألف حادث.

وذكر التقرير أن عام 2017 شهد أكبر عدد لحوادث القطارات بـ1657 حادثا، بينما جاء عام 2012 أقل عددا بـ447 حادثا.

وتوضح تقارير حقوقية سقوط نحو ستة آلاف قتيل وإصابة أكثر من 21 ألفا آخرين بسبب حوادث القطارات خلال السنوات العشر الأخيرة.

وهذا العدد الضخم من الحوادث، وضع مصر من بين أسوأ عشر دول على مستوى العالم في ارتفاع معدلات حوادث قطارات السكك الحديد والتي تؤدي إلى الوفاة.

وفي ظل هذا التردي حصلت مصر في يونيو/حزيران 2017 على قرض بقيمة 575 مليون دولار من شركة جنرال إلكتريك العالمية لتطوير القطارات وتدريب المهندسين.

وتحدث رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر في الأيام الأخيرة عن خطة تطوير قصيرة المدى بتكلفة إجمالية 56 مليار جنيه (3.13 مليارات دولار) حتى عام 2022، تشمل تطوير 139 محطة من أصل 702 محطة، والانتهاء من تنفيذ مشروع كهربة نظم الإشارات لنحو 950 كيلومترا فى 2020، والتعاقد لشراء 1300 عربة قطار جديدة بمبلغ مليار يورو.

‪البرلمان وافق على إشراك القطاع الخاص في تطوير وإدارة قطاع السكك الحديد‬ (الجزيرة)
‪البرلمان وافق على إشراك القطاع الخاص في تطوير وإدارة قطاع السكك الحديد‬ (الجزيرة)

تبعات الخصخصة
استقلت مصر في تسعينيات القرن الماضي خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك قطار الخصخصة أو بيع شركات وأصول القطاع العام لشركات خاصة محلية ودولية، ولم تصل بعد لمحطته الأخيرة، كما لم يلمس منه المصريون أي عائد إيجابي، حسب مراقبين.

ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين إن عنصر الفساد هو اللاعب الأكبر في عملية الخصخصة داخل مصر.

وأضاف للجزيرة نت أن الحكومة المصرية منذ أن انتهجت الخصخصة كحل لتدارك خسائر شركات القطاع العام وتسديد الديون لم تجن أي عائد إيجابي.

وفسر ذلك بكون الدولة تبيع أصولها لرجال أعمال أو شركات لا يقومون بالواجب المستهدف، وهو زيادة الإنتاج وتحسين كفاءته، معتبرا الخصخصة أحد أسباب تردي الوضع الاقتصادي المصري.

وكون الحكومة تعاني من نقص التمويل لتطوير السكك الحديد وبالتالي تلجأ للقطاع الخاص، وجد شاهين في ذلك ابتعادا عن السبب الحقيقي للمشكلة.

وأوضح أن الأزمة تكمن في سوء الإدارة وليس الموارد، وقال إن "الأوْلى رفع كفاءة هذا المرفق ولو على حساب رفع تكلفة الخدمة المقدمة".

‪هيئة سكك الحديد بمصر نفت أي خصخصة للقطاع‬ (الجزيرة)
‪هيئة سكك الحديد بمصر نفت أي خصخصة للقطاع‬ (الجزيرة)

نفي رسمي
لكن رئيس هيئة سكك حديد مصر المهندس أشرف رسلان نفى أن يكون التوجه الحكومي هو خصخصة القطاع، بل أكد استحالة ذلك.

وفي الوقت نفسه أعلن عن دراسة لتنفيذ مشروع ازدواج المسافة لخط المناشي بمشاركة القطاع الخاص.

وأوضح في تصريح صحفي أن مشاركة القطاع الخاص تستهدف تطوير ودعم هذا المرافق لتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة.

من جانبه رأى البرلماني السابق الدكتور عز الدين الكومي أن الدولة لديها خطة مسبقة لخصخصة هذا المرفق الحيوي، مستدلا بالتصريحات الرسمية حول خسائره لتكون مبررا لبيعه للقطاع الخاص.

ووفق الكومي فإن البرلمان بموافقته على تعديل قانون إنشاء الهيئة القومية للسكك الحديد قنّن دخول القطاع الخاص إلى هذا المرفق.

وقال إن "التعديلات في القانون تقضي بمنح القطاع الخاص الحق في المراقبة وتحديد أسعار الخدمة".

وتوقع البرلماني السابق أن تشكل خصخصة سكك حديد مصر عبئا على المواطنين حيث سترتفع تكلفة خدمة النقل.

وأضاف "المواطن سيتحمل فشل وفساد الدولة في إدارة المرافق".

المصدر : الجزيرة