حظر الزراعة.. فلاحو العراق في محنة الجفاف

أحد الحقول التي يزرع فيها الأرز بمحافظة النجف جنوب غربي بغداد
زراعة الأرز ممنوعة في العراق هذا العام (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

منذ أعلنت الحكومة العراقية قبل أيام منع زراعة المحاصيل الصيفية، لم ينقطع الحاج جبار كاظم عن الحضور إلى مقهى صغير في ناحية المشخاب (30 كلم جنوب النجف) ليناقش مع زملائه المزارعين تداعيات هذه الخطوة على مستقبلهم وأسرهم.

يقول الحاج جبار غاضبا "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، ويؤكد أن قرار الحكومة سيقضي على ما تبقى من زراعة في البلاد.

ويشاطره الرأي الحاضرون الذين يرفضون ما يعتبرونه منطقا مغلوطا من قبل السلطات العراقية في مواجهة أزمة الجفاف وشح المياه.

ويقولون إن العراق شهد أزمات بيئية مشابهة في تاريخه الحديث، لكن ذلك لم يمنعهم من زراعة محصول "الشلب" الذي يعتاشون منه منذ قرون. والشلب هو نوع من الأرز يعرف أيضا بأرز العنبر ويتميز بكبر حبته ورائحته المميزة.

وقبل حلول الصيف، بدأ الحاج جبار تهيئة أرضه التي تبلغ مساحتها مئتي دونم لزراعة المحصول، قبل أن "يصعق" بهذا القرار، وهو يتساءل اليوم: كيف سنطعم أبناءنا وأسرنا؟ وهل ستعوضنا الحكومة ماليا؟

ومما يزيد صعوبة الأمر -كما يؤكد هؤلاء المزارعون- أنهم مطالبون بتسديد قروض والتزامات مالية لبعض البنوك والمؤسسات عن السنين الفائتة، لقاء توفير مستلزمات زراعية وأسمدة وبذور، وهو ما سيعرضهم لخسائر مالية كبيرة.

ناحية المشخاب من أهم مراكز زراعة الأرز في العراق (ناشطون)
ناحية المشخاب من أهم مراكز زراعة الأرز في العراق (ناشطون)

خيارات مرّة
ويتحدث الحاج جبار عن خياراته القادمة، معتبرا أن من أسوئها الهجرة نحو المدينة، كما فعل الكثيرون من منطقته على مدار السنوات الماضية، لكنه لا يعرف كيف سيمكنه أن يعيش هناك بعيدا عن أرضه ومزرعته.

ويؤكد للجزيرة نت أنهم فقدوا الكثير من الدعم الحكومي خلال السنوات الماضية، بعدما أغرقت المحاصيل المستوردة الأسواق العراقية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج كثيرا في الفترة الأخيرة، وخاصة من أرز العنبر.

ويبدو أن مشكلة جديدة ستواجه هؤلاء المزارعين الراغبين في تسديد ما عليهم من ديون، فهم لا يستطيعون بيع ما بحوزتهم من آلات اقتنوها مؤخرا، لأنها ما زالت مرهونة حتى تسديد القروض.

ورغم حجم التذمر الذي يسود أوساط الفلاحين بسبب هذا القرار، فإنهم مضطرون للانصياع له لعدم وجود بدائل، كما يقول الحاج جبار، فكميات المياه الكبيرة اللازمة لزراعة الأرز لا يمكن توفيرها دون موافقة الحكومة.

وقد بدأ مسلسل التدهور الزراعي هذا منذ بضع سنوات، لكنه وصل إلى ذروته هذا العام. ويمكن اعتبار المحافظات الجنوبية هي الأكثر تضررا من ذلك القرار الحكومي، نظرا لتركز زراعة الأرز هناك، كما ستتضرر محافظات في المنطقة الغربية نتيجة منع زراعة بعض المحاصيل الأخرى مثل الذرة والقطن.

‪المزارعون عبّروا عن استيائهم من تعامل الحكومة مع أزمة الجفاف‬ (ناشطون)
‪المزارعون عبّروا عن استيائهم من تعامل الحكومة مع أزمة الجفاف‬ (ناشطون)

تقنين مؤقت
لكن وزارة الزراعة تصف القرار بـ"التقنين المؤقت" وبأنه ليس منعا لزراعة هذه المحاصيل، وذلك لأسباب تراها منطقية إثر ما تمر به البلاد حاليا من جفاف وانخفاض لمستوى الأنهار.

ويقول المتحدث باسم الوزارة حميد النايف إن وزارته تعد خطة لكل موسم زراعي، وقد تضمنت خطة هذا الموسم زراعة مليون وأربعمئة ألف دونم من المحاصيل الزراعية المختلفة، لكن هذا لا يمكن أن يتم دون موافقة وزارة الموارد المائية.

ويضيف للجزيرة نت أن هناك لجنة مشكلة من الوزارتين لإقرار هذه الخطة، وبعد التفاوض أبلغتهم وزارة الموارد المائية أنه لا يمكن تأمين زراعة أكثر من ستمئة ألف دونم بسبب شح الأمطار وارتفاع نسبة الجفاف.

لذا فإن خطة هذا العام جاءت خالية من العديد من المحاصيل الصيفية كالأرز والذرة والذرة البيضاء والسمسم والقطن والدخن، لأنها تحتاج إلى كميات وافرة من المياه.

ويعلل النايف هذه الخطوة بعدم وجود سدود وخزانات مياه تستطيع تغطية زراعة هذه المساحات الكبيرة، ويشير إلى أنه تم استثناء زراعة خمسة آلاف دونم خارج الخطة لأرز العنبر الذي يتميز به العراق "من أجل المحافظة عليه".

وبشأن الوضع المالي للمزارعين، يقول المتحدث إن الوزارة أقرّت برنامجا لتعويضهم ماليا بحسب حجم محاصيلهم العام الماضي، بالإضافة إلى السماح بزراعة أراضيهم بالخضار وبعض المحاصيل هذا العام.

المصدر : الجزيرة