الأردن.. تغير أولويات إنفاق المستهلكين وشح بالسيولة

تكدس البضائع في المنطقة الحرة
تكدس البضائع في المنطقة الحرة بسبب رفع الضرائب (الجزيرة)
 حسن الشوبكي-عمّان

لا يجد الموظف علي حمدان إلا التقليص من فاتورة الغذاء كسبيل للسيطرة على مصروفات عائلته في ظل دخل لا يتجاوز ثمانمئة دولار شهريا، ويقول حمدان إن التقلبات الحادة التي شهدتها أسعار السلع والخدمات بعد الضرائب المتتالية التي فرضتها الحكومة الأردنية على كثير من الأسعار دفعته إلى تخفيض "ثلث فاتورة الشراء" حتى يحقق بعضا من توازن مفقود في ميزانيته.

ويضيف حمدان الذي يعمل في جامعة خاصة منذ سبع سنوات ويعيل أسرة من ثلاثة أفراد "إن ضغوط الغلاء المتلاحقة دفعتني وزوجتي إلى ضبط الإنفاق إلى أدنى حد ممكن والالتزام فقط بالمواد الغذائية الأساسية".

ولفت في حديث للجزيرة نت إلى أن فواتير الكهرباء والمياه وباقي الخدمات تشكل ضغوطا إضافية، وهي التي شهدت ارتفاعات قياسية منذ بداية العام عقب رفع أسعار الكهرباء وكذلك أسعار المشتقات النفطية وربطها بضرائب جديدة.

ويتفق نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق مع ما أشار إليه حمدان، من أن سلسلة الزيادات الضريبية التي فرضتها الحكومة وشملت عشرات السلع والخدمات منذ مطلع العام الحالي تسببت بتراجع حصة الإنفاق على الغذاء.

ويؤكد الحاج توفيق أن نسبة الإنفاق على الغذاء البالغة 39% من دخل الأسرة في السنوات الماضية منيت بتراجع ملموس في الأسابيع الأخيرة نتيجة ارتفاع الكلف المعيشية.

ويشير إلى أنه بعد ارتفاع الضريبة على المواد المصنعة غذائيا من 4% إلى 10% باتت الأسواق تعاني ركودا ومنافسة حادين لخفض الأسعار بغية حصول التجار على السيولة لأن المواد الغذائية لا تحتمل البقاء طويلا في الأسواق إذ أن لها مدة انتهاء صلاحية ولدى التجار التزامات مالية خانقة.

ركود
ولا يتوقع التجار أن يكون موسم شهر رمضان في مايو/أيار المقبل مختلفا، إذ يستعدون لهذا الموسم عبر تخفيض مستورداتهم وفقا لهيكل الطلب المتراجع في السوق، وبما لا يؤثر في الوقت ذاته على مخزونات الغذاء وفقا لتأكيدات الحاج توفيق.

وثمة ركود أيضا يكشف عنه المتعاملون في قطاعات الإنشاءات والنقل والتصدير. ففي قطاع بيع المركبات يرصد رئيس جمعية مستثمري المنطقة الحرة في الزرقاء نبيل رمان تراجعا بنسبة 75% في التخليص على سيارات البنزين و95% في التخليص على السيارات الهجينة "هايبرد" خلال الشهر الماضي مقارنة مع نفس الفترة من العام المنصرم.

ويأتي ذلك بعد فرض الحكومة رسوما جديدة على السيارات الهجينة وضريبة إضافية على وزن السيارة بمبالغ تتراوح بين سبعمئة وألفي دولار لكل سيارة.

  تجار تحدثوا عن تقلبات حادة في تجارة وتخليص المركبات 
  تجار تحدثوا عن تقلبات حادة في تجارة وتخليص المركبات 

ويقول رمان للجزيرة نت إنه تم التخليص على 15 مركبة هجينة فقط في مارس/آذار الماضي، مشيرا إلى أن 25 ألف أسرة تعيش من وراء العمل في المنطقة الحرة قد تأثرت بكل هذه التقلبات الحادة في حركة البيع والشراء والتخليص على المركبات.

في مقابل ذلك، تشير وزارة المالية عبر بياناتها إلى وجود زيادة في حركة نقل الملكية على السيارات خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ تم نقل الملكية لـ 2975 سيارة هجينة و15811 سيارة تعمل بالبنزين.

حلول
وبشأن البحث عن حلول مع الحكومة، يقول رمان "خاطبنا رئاسة الوزراء مرارا وقدمنا حلولا بديلة للزيادات الضريبية المفروضة لكن كل ذلك قوبل بإصرار الحكومة على ذات القرارات التي اتخذتها".

وكان رئيس الوزراء هاني الملقي أكد في تصريحات سابقة أن حكومته "لم تبحث عن الشعبوية الآنية على حساب الوطن ومستقبل أبنائه".

 وبين أن الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة جاءت "لحماية الوطن والمواطنين" وأنه لولا هذه الإجراءات لوصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 100% وهي نسبة الإفلاس.

ويرى المحلل الاقتصادي سلامه الدرعاوي أن الأسواق تعاني في جانبي التجار والمستهلكين، ولفت إلى أن الشيكات المرتجعة زادت بنسبة 16% في الشهرين الأولين من العام الجاري.

 واعتبر أن ذلك مؤشرا خطيرا على جفاف السيولة، وقال إن "خطط الحكومة لتحريك وتحفيز القطاعات المختلفة لم تتجاوز الإطار الشكلي وإن الأمور لا تزال تراوح ضمن عنق الزجاجة ".

ويطرح الدرعاوي السؤال المتكرر في الواقع الاقتصادي الأردني اليوم "هل استطاعت الحكومة أن تحقق النجاح فيما ذهبت إليه؟" ويوضح أن الحكومة "تقر بأن الإصلاحات مؤلمة لكنها تراهن على أن يكون أثرها في المديين المتوسط والبعيد".

ويقول أيضا "الواضح بشكل ملموس أن القطاعات تعاني بشكل لم يسبق له مثيل وإن أولويات الاستهلاك تغيرت بالنسبة للمواطن سواء على صعيد غذائه أو الخدمات الأخرى التي شهدت ارتفاعات قياسية".

المصدر : الجزيرة