إشكالات التنقيب عن النفط في الصومال

تصميم قضايا اقتصادية- العنوان: إشكالات التنقيب عن النفط في الصومال الكاتب: محمود محمد حسن عبدي الاقتباس: من الضروري الإسراع بإيجاد حلول للإشكالات المصطنعة التي تشوب العمل بقطاع النفط الصومالي

محمود محمد حسن عبدي

حالة منطقة أرض الصومال
نظرة تاريخية للفاعلين في مجال النفط
احتكار لاعبين دوليين لأعمال التنقيب
غياب الشفافية والمبالغة في التوقعات
حلول للإشكالات المطروحة


أعاد الارتفاع الطفيف الذي شهدته أسعار النفط العالمية التفاؤل لأوساط المهتمين بالشأن النفطي في منطقة القرن الأفريقي التي تضم الصومال وجيبوتي وإريتريا، وقد أثيرت نقاشات حول ما يكتنف التنقيب عن النفط في الإقليم المعروف عالميا بعدم الاستقرار، وضعف الوجود الحكومي، وانخفاض الدخل لدى فئات واسعة من السكان.

ومع الوجود المبكر لدلائل على توفر المنطقة على مخزونات كبيرة من النفط فيه منذ العام 1912، وما أعلنته الشركات الحاصلة على رخص الاستكشاف من أرقام فلكية للاحتياطيات المتوقعة بلغ حد الإعلان عن أن الصومال قد تحل في المرتبة السابعة دوليا، وهي المكانة التي تحتلها الكويت حاليا، يبقى محيرا للمتابعين عدم نجاح شركات التنقيب في الإعلان عن إنجازات حقيقية لعملها على الأرض.

إنه مما لا يمكن إنكاره واقع انتشار الفساد في الأوساط الحكومية الصومالية، خاصة مع توالي التقارير الأممية الموثقة لحالات نهب وسوء استغلال السلطة، والعبث بالأموال العامة، والتصرف غير القانوني بالمساعدات والهبات، وتهديد حياة المسؤولين الراغبين في تطهير محيط عملهم من منابع الفساد، ولعل أشهر تجليات تلك الحالة استقالة المحافظة السابقة للبنك المركزي يُسر أبرار نتيجة لتهديدات خطيرة تعرضت لها بعد محاولتها ممارسة عملها على الوجه المطلوب.

وتزداد الأمور تعقيدا بوجود كيانات متعددة ذات حدود افتراضية غير واضحة، من التي تتبنى منهج الحكم الديني (حركة الشباب المجاهدين)، والكيان السياسي الأقدم في البلاد بعد انهيار الدولة المركزية، ويتمثل بما يعرف بجمهورية أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها من طرف واحد دون اعتراف دولي.

وتصر هرجيسا على أن الوريثة لكامل أراضي المحمية البريطانية السابقة، التي باتحادها مع المستعمرة الإيطالية حققت وحدة اثنين من الأجزاء الخمسة المكونة للصومال، وقد انفضت الشراكة بين هرجيسا ومقديشو نتيجة لانعدام العدالة وممارسة التطهير العرقي تجاه بعض أهم مكونات المنطقة الأولى.

رغم السلام والاستقرار النسبيين الذي عاشته وتعيشه أرض الصومال فإن إصرارها على أن تعامل كدولة معترف بها دوليا أدخلها حالة من العزلة الفعلية، وأغلق الأفق أمامها على إمكانيات الاستثمار الدولي

حالة منطقة أرض الصومال
ورغم السلام والاستقرار النسبيين الذي عاشته وتعيشه أرض الصومال فإن إصرارها على أن تعامل كدولة معترف بها دوليا أدخلها حالة من العزلة الفعلية، وأغلق الأفق أمامها على إمكانيات الاستثمار الدولي، خاصة في غياب كامل للنشاط المصرفي بالشكل المتعارف عليه، الذي كان من الممكن أن يتيح القيام بصفقات تتناسب مع حجم البلد وإمكانياته.

كما أن من معوقات العمل في أرض الصومال التعقيدات التي تواجهها الشركات والهيئات الدولية، التي تؤدي غالبا إلى الفشل، وتتعلق بالحاجة الدائمة للحصول على موافقة مقديشو وهرجيسا تحت طائلة تعطيل أحد الطرفين للاتفاق، إما باللجوء للمجتمع الدولي من لدن مقديشو، أو المنع من العمل على الأرض من لدن هرجيسا.

يترافق ذلك مع ازدياد الكيانات السياسية التابعة اسميا للحكومة المركزية أو الفدرالية، والناشئة عن توازنات القوى التي خلقها انحلال الفصائل القبلية، وانتقالها إلى مرحلة متطورة ممثلة بالولايات التي بدأ عصرها بإعلان ولاية "أرض البونت" سنة 1998، والتي تعيش حالة من الحكم الذاتي، مما أتاح لها تحقيق قدر كبير من الاستقرار والسلم الأهلي، مع قدرة على المساهمة في صنع القرار في العاصمة مقديشو، وهو ما أهلها لتكون بجدارة أول منطقة في الصومال تستأنف فيها أعمال الاستكشاف النفطي بحفر بئري "شبيل 1″ و"شبيل 2" في العام 2012.

ورغم كون الولاية مصدر إلهام لكثير من الأقاليم الراغبة في جذب شركات التنقيب والاستكشاف، فإن السمة العامة التي تعيشها البلاد بكل مناطقها دون استثناء والمهددة لأنشطة التنقيب تتمثل في بروز إشكالات وتوترات مفاجئة وغير معروفة السبب، وهي مرشحة دائما للاشتعال والاتساع بسرعة، نتيجة لمزاجية القيادات العشائرية والعائلية في مناطق الاستكشاف والتنقيب، التي تسعى لإحراج الكيانات السياسية القائمة، وابتزاز الإدارات والشركات في آن واحد.

نظرة تاريخية للفاعلين في مجال النفط
كان البريطانيون أول من جمع البيانات ونشر البحوث حول الثروات الباطنية في القرن الأفريقي في فترة الحماية والاستعمار، وبذل الإيطاليون جهودا كبيرة في مجاراة الإنجليز في أعمالهم، مما أدى إلى الخروج بخلاصات أولية ومهمة حول طبيعة الاستثمار الذي يمكن القيام به في بلاد الصومال.

وبانتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور، ووقوع البلاد تحت الوصاية البريطانية ثم الدولية، تمكن البريطانيون من توسيع دائرة أعمالهم لتشمل معظم القرن الأفريقي، واستمر حضورهم هو الأقوى حتى وقوع انقلاب العام 1969، وانتقال الصومال إلى المعسكر الشرقي، الذي سرعان ما اصطدم به نظام الجنرال محمد سياد بري بعد دخوله في حرب 1977/1978م بدعوى تحرير إقليم الصومال الغربي من إثيوبيا.

وبخسارة الصومال للدعم السوفياتي، غدت البلاد مفتوحة للاستثمارات الأميركية، مما مكن الشركات الأميركية الكبرى من الحصول على نصيب الأسد في قطاعات التنقيب التي غطت البلاد بطولها وعرضها وبرها وبحرها، وبقيت الشركات البريطانية في المرتبة الثانية من حيث حجم التراخيص والامتيازات، مع محاولات ناجحة إيطالية وفرنسية وصينية للحصول على نصيب منها.

ومع اتساع حالة التبرم من النظام الديكتاتوري وتوالي التمردات والثورات في أنحاء البلد لم يكن من بد لتعليق أعمال التنقيب تحت بند "القوة القاهرة" في الفترة بين 1989 و1991، وكان موقف شركة كونوكو الأميركية ودورها الاستثنائي في التمهيد للإنزال الأميركي سنة 1993 علامة فارقة في فهم طبيعة عمل الشركات الدولية في شبه الجزيرة الصومالية.

بخسارة الصومال للدعم السوفياتي، غدت البلاد مفتوحة للاستثمارات الأميركية، مما مكن الشركات الأميركية الكبرى من الحصول على نصيب الأسد في قطاعات التنقيب التي غطت البلاد بطولها وعرضها وبرها وبحرها

احتكار لاعبين دوليين لأعمال التنقيب
وتوالت المؤشرات الواضحة على أن البلاد وأعمال التنقيب عن الثروة النفطية فيها حكر على لاعبين دوليين رئيسيين اثنين، خاصة مع ما حدث مع الوفد النفطي الآسيوي (ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة)، الذي قام بزيارة عمل مهمة إلى أرض الصومال سنة 1997، تلك الزيارة التي اختصرت مدتها بصورة تعذر معها على الحكومة في هرجيسا تبرير الأمر إلا بـ"حصول تطور مهم"، وهو ما أدى بالصينيين إلى سحب الوفد الآسيوي الذي جاء تمهيدا لقدومهم.

ورغم أن العلاقات الصومالية والروسية أثمرت الكثير من المشاريع والإنجازات إبان الفترة الاشتراكية، كان الفشل مصير مساع بذلها رجال أعمال محليون في جلب استثمارات روسية للعمل ضمن مجالات التنقيب عن المعادن والأحجار الكريمة واستغلال الأنهار الجوفية، وتوليد الطاقة الكهربائية وغيرها.

وأدى هذا الفشل لخسائر بملايين الدولارات للطرفين، بسبب غياب التعاون الحكومي والعراقيل المتعمدة الموضوعة في طريق الحصول على المستندات اللازمة لمباشرة العمل، وذلك نتيجة قلق المسؤولين الحكوميين في الصومال من تبعات الحضور الروسي بصورة مخالفة لرضى أطراف دولية "معينة" يُخشى من غضبها في حال تجاوزت السلطات المحلية الخطوط الحمراء المرسومة "بوضوح" في هذا المجال.

رغم أن سقوط النظام وانهيار الدولة المركزية في الصومال كان من أكبر الأحداث المأساوية على الشعب الصومالي، فإن نكبة أخرى هائلة في تأثيرها على مستقبل البلاد ظلت خارج مركز الاهتمام الإعلامي والتوعوي، تلك النكبة تمثلت في "نهب وحرق" مخازن وزارة المياه والثروة المعدنية في العاصمة، بما يعني ذلك من ضياع بيانات ودراسات واختبارات ونتائج أعمال التنقيب والاستكشاف المحفوظة في أرشيف الوزارة منذ خمسينيات القرن الماضي.

ومع بدء مرحلة جديدة في منح امتيازات للتنقيب والاستكشاف في البلاد في العقد الأول من القرن الحالي بدا جليا أن الشركات العاملة والجهات المانحة للتراخيص تتعمد اتباع أسلوب بعيد كل البعد عن الشفافية، بحيث من السهل رصد غياب أدنى اهتمام في بيان ما تم التوصل إليه، بدءا بطبيعة العقود الموقعة، مرورا بمراحل النتائج المحققة، وصولا إلى إخراج نتائج أعمال المسح والاستكشاف.

غياب الشفافية والمبالغة في التوقعات
وأدى غياب الشفافية إلى شحن الأجواء بالكثير من التكهنات المتشائمة، خاصة أن الجهات المسؤولة في الأقاليم تتعمد استثمار اللقاءات مع قادة شركات التنقيب والاستكشاف استثمارا سياسيا قصير النظر بغية الحصول على المزيد من التأييد والنفوذ، وذلك عبر بث توقعات مبالغ فيها عبر وسائل الإعلام المحسوبة عليها، بشكل يرفع سقف الترقب لدى المواطنين، وأعقب ذلك حالة من الإحباط التام والتبرم الذي أفرز توترات جديدة في مناطق أعمال شركات النفط، إضافة للمدن الكبرى.

وقد تكون القناعة الشعبية بأن إحدى البئرين المحفورتين في واديي "نوغال" و"طرور" دخل مرحلة الإنتاج منذ الوهلة الأولى مخالفة لما أعلنه تحالف الشركات "أفريكا أويل كورب" و"هورن أويل" و"ريد إمبرور"، وقد كانت تلك القناعة متوقعة بسبب اكتشاف قدر كبير من التضليل الذي مارسته الشركات العاملة.

يضاف إلى ذلك ما تم الترويج له من وجود مقاتلين لحركة الشباب المجاهدين في منطقة العمل التي تبعد قريبا بألف كلم عن مناطق وجود تلك الحركة المتطرفة، ناهيك عما جرى في أرض الصومال من قيام شركات المقاولة بالباطن بالمبالغة في تدمير الغطاء النباتي امتد نطاق لما بين 130 و136 كلم في مناطق العمل شبه الصحراوية، وذلك بداعي الرغبة في تسريع الإنجاز.

غياب الشفافية أدى إلى شحن الأجواء بالكثير من التكهنات المتشائمة، خاصة أن الجهات المسؤولة في الأقاليم تتعمد استثمار اللقاءات مع قادة شركات التنقيب والاستكشاف استثمارا سياسيا قصير النظر بغية الحصول على المزيد من التأييد والنفوذ

إن التقديرات التي خرج بها الخبراء حول احتياطيات النفط ودخول شركات للاستكشاف النفطي إلى شبه الجزيرة الصومالية رغم الظروف الصعبة يجعل من الضروري الإسراع بإيجاد حلول للإشكالات المصطنعة التي تشوب العمل في قطاع النفط، وهو ما سيمهد الطريق لحل المشكلات المزمنة التي أفرزتها طبيعة الأوضاع التي مرت بها المنطقة.

حلول للإشكالات المطروحة
وقد تكون أولى الخطوات الواجب اتباعها لضمان سلاسة العمل على الأرض هي بناء قنوات محلية مستقلة لنقل المعلومات والبيانات بين الشركات والجهات الرسمية ووسائل الإعلام والمواطنين، وذلك بصورة تضمن حسن تعامل جميع الأطراف مع المشاريع الجارية، والهدف هو تقليل كلفة الترتيبات التي تتعهد بها بعض الأطراف المحلية الرسمية، وتجاوز حالة الابتزاز التي قد يمارسها بعض الوجهاء التقليديين دون وجه حق.

ومن الخطوات المطلوبة أيضا ضمان توزيع عادل لفرص العمل بين مختلف فئات السكان، وتسهيل حصول العاملين على التدريب المطلوب لأداء المهام الموكلة إليهم، بما يحد من إمكانية حدوث ردود فعل عنيفة أو متعسفة من كل الأطراف، ولا يمكن تحقيق ذلك بصورة مؤسسية ومهنية سوى بالإسهام في إنشاء مراكز دراسات مستقلة ومحلية، والاستعانة كذلك بمكاتب استشارية محلية قادرة على جمع البيانات وتحليلها ليتسنى لها تأمين النصح المطلوب لكل الأطراف المنخرطة والمتأثرة بأعمال الاستكشاف والتنقيب.
ـــــــــــــ
محلل سياسي وباحث صومالي مهتم بالشأن النفطي

المصدر : الجزيرة