نقل التكنولوجيا في اتفاقات منظمة التجارة العالمية

صباح نعوش..تسهم التكنولوجيا بصورة فاعلة في تطوير الصناعات التحويلية وتحسين قدرتها التنافسية

صباح نعوش

تسهم التكنولوجيا مساهمة فاعلة في تطوير الصناعات التحويلية وتحسين قدرتها التنافسية. لذلك تسعى منظمة التجارة العالمية إلى تسهيل نقلها من الدول الصناعية إلى الدول النامية، بيد أن الاستفادة العملية من هذا التسهيل تصطدم بعدة معوقات. ولا يمكن أن تنطلق التنمية التكنولوجية إلا بالاختراعات التي تتسم بقلة عددها في البلدان النامية بما فيها الدول العربية.

ضعف الإنفاق على البحث العلمي
أحكام تسهيل نقل التكنولوجيا
رفض الدول الصناعية

ضعف الإنفاق على البحث العلمي
في عام 2013 بلغ عدد طلبات براءات الاختراع لكل مليون نسمة من السكان 16 طلبا في السعودية التي تسجل الرقم القياسي العربي، ثم يهبط العدد إلى 9 في المغرب و5 في الأردن وإلى الصفر في السودان وليبيا وسوريا العراق، في حين يصل العدد إلى 587 في ألمانيا.

كما يعاني الوضع العربي من ندرة البحوث العلمية في مختلف الميادين الأمر الذي يفسر ذلك المستوى المتدني من الاختراعات. فقد بلغ العدد السنوي الكلي في مصر 2515 بحثا فقط. وهي بذلك تحتل المرتبة العربية الأولى تليها السعودية ثم تونس فالمغرب والإمارات. إن عدد البحوث العلمية في جميع الدول العربية لا يتجاوز حتى عدد البحوث في إيران.

يتأتى هذا التخلف من الضعف الشديد للإنفاق على البحث العلمي والتطور التقني. إذ يبلغ هذا الإنفاق مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي 0.4% في الأردن ومصر ويهبط إلى أقل من 0.1% في السعودية والجزائر والعراق. في حين تصل النسبة إلى 3.3% في اليابان. لم تنفق جميع الدول العربية على البحث العلمي سوى أربعة مليارات دولار عام 2013 أي 41% فقط من الإنفاق في تركيا. أما النفقات العسكرية العربية وهي غير منتجة بل مضرة فتصل إلى 210 مليارات دولار.

يلقي هذا التخلف بظلاله على هيكل التجارة الخارجية العربية الذي يتميز بضعف صادرات الصناعات التحويلية البالغة 19.8% من مجموع الصادرات، علمًا بأن ثلثي صادرات هذه الصناعات يعتمدان اعتمادًا أساسيا على اليد العاملة غير الماهرة وعلى المواد الأولية. أما صادرات المعدات ذات الكثافة المعرفية العالية (التكنولوجيا العليا) فهي ضعيفة جدا وتنحصر صناعتها في الشركات الأجنبية.

إن عدد البحوث العلمية في جميع الدول العربية لا يتجاوز حتى عدد البحوث في إيران، وهذا التخلف ناتج  عن الضعف الشديد للإنفاق على البحث العلمي والتطور التقني

تدل تلك المؤشرات دلالة واضحة على عدم وجود إمكانية لدى الدول العربية في توليد التكنولوجيا الذي يحتاج إلى فترة زمنية طويلة واعتمادات مالية ضخمة وجهود علمية كبيرة.

لذلك لابد من استيراد المعرفة أي نقلها. ونقل التكنولوجيا يعني شراء المعرفة المؤدية إلى الصناعة بواسطة ترخيص أو تنازل يمنحه مالك التكنولوجيا للمتلقي لقاء مقابل يتفق عليه. وعلى هذا الأساس فإن استيراد أجهزة الاتصالات الحديثة والمعدات الإلكترونية المتطورة وامتلاك الأقمار الصناعية ووجود مصانع مملوكة لشركات أجنبية مختصة بإنتاج معدات الطائرات لا تمت بصلة إلى نقل التكنولوجيا.

وأصبحت مبادلات أدوات التكنولوجيا (بيع وشراء المعلومات والاختراعات) على درجة كبيرة من الأهمية في الوقت الحاضر. لذلك فهي تدخل في الميادين التي تهم منظمة التجارة العالمية. كما تبين أن التطور التقني يقود إلى نمو سريع للتجارة الخارجية. لذلك نصت اتفاقات المنظمة على تسهيل نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول النامية.

أحكام تسهيل نقل التكنولوجيا
نص اتفاق حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة على حماية براءات الاختراع وحقوق المؤلف والعلامات التجارية. إنه يعتمد اعتمادا أساسا على اتفاقية برن لعام 1971 واتفاقية باريس لعام 1967. وقد أضاف هذا الاتفاق المتعدد الأطراف فقرات جديدة لمواكبة التطور التقني كتلك التي تتعلق بالمعدات الإلكترونية، ولجعل الالتزامات أكثر دقة كحماية براءات الاختراع لمدة عشرين سنة، ولمساعدة الدول النامية كتسهيل حصولها على التكنولوجيا.

يتعين أن تفضي الحماية إلى نقل التكنولوجيا استنادا إلى المادة السابعة من الاتفاق التي تنص على ما يلي "يجب أن تسهم حماية حقوق الملكية الفكرية في تعزيز الابتكارات وفي نقل ونشر التكنولوجيا".

وذهب الاتفاق إلى أبعد من ذلك في مراعاته للبلدان الأقل نموا، إذ لا يقتصر الأمر على العلاقة بين الحماية والنقل، بل تناشد الفقرة الثانية من المادة السادسة والستين الدول الصناعية تقديم التسهيلات لشركاتها كي تنقل التكنولوجيا إلى هذه البلدان.

ومن المعلوم أن هنالك قائمة محددة ومعترفا بها دوليا للبلدان الأقل نموا من بينها ثلاث دول عربية أعضاء في منظمة التجارة العالمية هي اليمن وجيبوتي وموريتانيا إضافة إلى دولتين عربيتين غير حاصلتين على عضوية المنظمة هما السودان والصومال.

ولكن على الصعيد العملي نلاحظ تناقضا واضحا في مواقف الدول الأعضاء في المنظمة، إذ ترى الدول الصناعية أن العلاقة وطيدة بين حماية الملكية الفكرية والتقدم الاقتصادي، أما الدول النامية فينطلق موقفها من ضرورة نقل التكنولوجيا للقيام بالتنمية الاقتصادية.

وقد صرح مندوبوها في عدة مناسبات بأنهم وافقوا على اتفاق حقوق الملكية الفكرية في جولة أوروغواي لأنه ينص على تسهيل نقل التكنولوجيا. وقد رفضت بعض البلدان وبخاصة الهند ربط حماية الملكية الفكرية بالتنمية الاقتصادية.

جاءت الفقرة الثانية من المادة الثامنة من الاتفاق بحكم على درجة كبيرة من الأهمية عندما نددت بالممارسات الرامية إلى عرقلة نقل التكنولوجيا. فقد نصت على اتخاذ التدابير "لمنع مالكي حقوق الملكية الفكرية من إساءة استخدامها ومنع الممارسات التي تسفر عن تقييد غير معقول للتجارة أو تؤثر سلبا على النقل الدولي للتكنولوجيا".

لكن حتى نهاية عام 2001 لم تكن لمنظمة التجارة العالمية مؤسسة متخصصة في تنظيم نقل التكنولوجيا. ويشكل المؤتمر الوزاري الرابع للمنظمة المنعقد بالدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 نقطة تحول جوهرية بهذا الشأن لأنه وضع الإطار العام لنظام دولي لنقل التكنولوجيا.

يتعين في جميع الحالات بذل جهود وطنية للنهوض بالتنمية التكنولوجية وهذا يتطلب أمرين: أولهما تحسين مستوى التعليم بجميع مراحله والاهتمام بالبحوث العلمية وتشجيع الاختراعات وتقديم كافة التسهيلات للصناعات التحويلية، وثانيهما تقرير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ برامج نقل التكنولوجيا

 

ووافق مؤتمر الدوحة على إنشاء "مجموعة عمل التجارة ونقل التكنولوجيا" التي تتولى رصد معوقات نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول النامية.

وبسبب رفض الدول الصناعية لم تتضمن تقارير المجموعة أي اقتراح عملي لمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق متعدد الأطراف لنقل التكنولوجيا.

رفض الدول الصناعية
لا تجد الدول الصناعية الكبرى حكمة من هذه المفاوضات وتعارض بشدة أي تنظيم إلزامي بشأن نقل التكنولوجيا. وترى أن تطلعات البلدان النامية إلى تسهيل هذا النقل لا تنسجم مع الأنظمة الاقتصادية للدول الصناعية. فالقسط الأكبر من التكنولوجيا في الدول الصناعية ناجم عن بحوث وابتكارات ونفقات قام بها القطاع الخاص، وبالتالي فإن الاختراعات والمعلومات مملوكة له وهو لا يسعى إلى مساندة الدول بل إلى تحقيق أقصى المكاسب وأعلى الأرباح من ممتلكاته. ولا توجد قوانين تجبر شركات هذا القطاع على نقل التكنولوجيا، فالحكومات في خدمة الشركات وليس العكس، كما تتمتع هذه الشركات بالحرية في التصرف بالتكنولوجيا المملوكة لها، ويحق لها اختيار العقود المناسبة لها بالاتفاق مع المشتري.

وتجدر الإشارة إلى وجود أنظمة داخلية في الدول الصناعية الكبرى تحد من انتقال التكنولوجيا إلى دولة أخرى وتتعارض بالتالي مع هذه الحرية بل ومع الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف. فلا يجوز للشركات والجامعات ومراكز البحوث الأميركية الحاصلة على مساعدات حكومية أن تنقل التكنولوجيا المملوكة لها إلى الخارج إلا إذا ارتبطت الدولة المتلقية بعقود لشراء المعدات الأميركية اللازمة لهذه التكنولوجيا. وهذا يدخل في نطاق الممارسات الممنوعة التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة الثامنة المذكورة أعلاه. إن هذا الوضع لا يشجع حكومات الدول الصناعية على الموافقة على نظام دولي متعدد الأطراف لنقل التكنولوجيا.

ونظرًا لصعوبة إبرام اتفاق متعدد الأطراف يمكن للبلدان النامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تنظيم مفاوضات من أجل اتفاق دولي جمعي. إذ إن وجود نظام يحكم عددا معينا من الدول أفضل من عدم وجوده. وغني عن البيان أن الاتفاقات الجمعية معروفة في المنظمة كاتفاق تجارة الطائرات المدنية والاتفاق حول لحوم البقر والاتفاق الدولي حول قطاع الألبان. هذه الاتفاقات لا تلزم إلا الدول الموقعة عليها، في حين أن الاتفاقات المتعددة الأطراف ملزمة لجميع الدول سواء أسهمت أم لم تسهم في التفاوض بشأنها.

إن معالجة التخلف التكنولوجي للدول النامية بما فيها الأقطار العربية لا تتوقف عند إبرام اتفاق تجاري دولي ينظم نقل التكنولوجيا. فمثل هذا الاتفاق لا يمثل سوى وسيلة لتسهيل هذه المعالجة. يتعين في جميع الحالات بذل جهود وطنية للنهوض بالتنمية التكنولوجية التي تتطلب أمرين: أولهما تحسين مستوى التعليم بجميع مراحله والاهتمام بالبحوث العلمية وتشجيع الاختراعات وتقديم كافة التسهيلات للصناعات التحويلية، وثانيهما تقرير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ برامج نقل التكنولوجيا. وسيقود تضافر هذين العاملين إلى تقدم عربي يتعدى النقل ليصل إلى الهدف المنشود وهو توليد التكنولوجيا.
ـــــــــــــ
باحث اقتصادي عراقي

المصدر : بروجيكت سينديكيت