سوق العملات السوداء تهدد الاقتصاد الجزائري

البنك الوطني الجزائري
أحد فروع البنك الوطني الجزائري التي يفضل الكثير من الجزائريين عدم شراء العملات منه ومن باقي المصارف (الجزيرة)

ياسين بودهان-الجزائر

حذر اقتصاديون جزائريون من تأثير انتشار السوق السوداء لتجارة العملات الأجنبية على اقتصاد بلادهم، خاصة أن قيمة التداولات في هذه الأسواق وصلت عشرات المليارات من الدولارات لتفوق ما يتداول في السوق الرسمية.

يأتي ذلك بعد قيام فرق من الشرطة هذا الأسبوع بحملات على التجار غير الشرعيين للعملات في عدة ولايات مثل العاصمة وسطيف وقسنطينة وعنابة، وأهم هذه الأسواق سوق "السكوار" وسط العاصمة، وقامت باعتقال العديد من التجار، في حين تمكن آخرون من الفرار، وحجزت السلطات كمية من العملات كانت بحوزة المقبوض عليهم وتم تحويلها إلى خزينة الدولة.

ورغم أن بعض المتابعين يؤكدون أن هذه الحملة مرتبطة بمعلومات تفيد بوجود كمية من الأوراق النقدية المزورة في السوق السوداء، شدد بعض الاقتصاديين على أن الفرصة مواتية لإقرار قوانين عاجلة للقضاء على هذه السوق.

وكان رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال وجه منذ أيام تعليمات مشددة لمختلف المصالح الأمنية لتشديد عمليات الرقابة، واسترجاع الكتلة النقدية المتداولة خارج الأسواق القانونية، والتي تتجاوز حسب تقديرات السلطات 3.7 تريليونات دينار جزائري (37 مليار دولار)، وهي كتلة نقدية تفوق بالضعف قيمة التداولات في السوق الرسمية.

مقصد الجزائريين
وتعد السوق السوداء المقصد الأول للجزائريين من أجل شراء العملة الصعبة، والتي يحدد أسعارها التجار بطريقة "عرفية" في ظل غياب سياسة صرف رسمية تتسم بالليونة.

ويعد ضعف قيمة منحة السفر التي يمنحها بنك الجزائر (البنك المركزي) لمواطنيه الراغبين في السفر إلى الخارج وتقدر بـ130 يورو (139 دولارا) سنويا أحد أهم أسباب إقبال الجزائريين على السوق السوداء، والتي شهدت تطورا في السنوات الأخيرة في ظل عدم اعتماد مكاتب الصرف منذ إقرار القوانين المنظمة لذلك في آخر العام 1996.

‪بريش: أنشطة السوق السوداء تشوه الاقتصاد الجزائري‬ (الجزيرة)
‪بريش: أنشطة السوق السوداء تشوه الاقتصاد الجزائري‬ (الجزيرة)

ومنذ ذلك الوقت تواجه الحكومة انتقادات لعجزها عن وضع حد للسوق السوداء لتجارة العملات، والتي تتغذى من تحويلات المغتربين، والمتعاملين الأجانب، بالإضافة إلى جزائريين، وشكلت بديلا عن المصارف.

تشويه للاقتصاد
وبين الخبير المالي عبد القادر بريش أن كل الأنشطة الاقتصادية الموازية هي مشوهة ومؤثرة على اقتصاد أي بلد، بما في ذلك الجزائر، وشدد في حديثه للجزيرة نت على ضرورة إعادة بناء الاقتصاد على أسس سليمة، ومن ذلك إصلاح المنظومة المصرفية.

ويكون القضاء على سوق الصرف السوداء حسب بريش عبر إسراع الحكومة في إيجاد بدائل لهذه السوق، وذلك من خلال تفعيل القانون الذي يسمح بإنشاء مكاتب صرف قانونية.

واعتبر المتحدث أن ضعف قيمة منحة السفر التي وصفها بـ"الزهيدة جدا"، ولا تكفي لقضاء يوم واحد في أية دولة خارج الجزائر من أهم أسباب تطور السوق الموازية، ودعا إلى ضرورة مراجعة قيمة المنحة ورفعها وفق أسس مدروسة ومعقولة.

ويبقى السؤال الجوهري في القضية، حسب بريش، متعلقا بمصدر العملات الأجنبية التي يتم تداولها في السوق السوداء، لأن القضاء عليها برأيه لا يكون إلا عن طريق تجفيف منابع هذه السوق.

مشكلة أخلاقية
من جانب آخر، قلل الخبير المالي محمد بوجلال من أهمية الحملة الأمنية التي استهدفت التجار غير الشرعيين العملة الصعبة، معتبرا أن الأسواق المنتشرة في بعض الأحياء تبقى أسواقا هامشية، وأكد للجزيرة نت أن أموالا ضخمة تتداول في أسواق سرية وغير تقليدية، لذلك من الصعب حسب بوجلال معرفة القيمة الحقيقية للأموال المتداولة في الأسواق السوداء.

ويعتبر المتحدث أن النظام المصرفي الجزائري هو "الأكثر تخلفا في العالم"، وأضاف أن هذا الواقع قائم بإرادة من وصفهم بـ"كبار القوم"، ويعتقد بوجلال أن أصل المشكلة أخلاقي مرتبط بغياب حس المواطنة، لأن الكثير من الجزائريين يستثمرون في بلادهم ولكنهم يحولون الأرباح إلى الخارج.

المصدر : الجزيرة