تعطل الزراعة والطرق يفاقمان الأوضاع المعيشية بكركوك

مراد زينلبقية الصور من اسواق كركوك
عراقي يمر بجانب أحد أسواق الفواكه في مدينة كركوك (الجزيرة)

الجزيرة نت-كركوك

بعدما كان كاكا شيروان -شاب يبيع الفواكه والخضر بمدينة كركوك (شمالي العراق)- لا يسافر خارج مدينته إلا نادرا، فإن الظروف التي تعيشها كركوك منذ أكثر من نصف عام اضطرته للذهاب يوميا إلى مدينة السليمانية (120 كيلومترا شمال شرق كركوك) ليجلب احتياجات أهل المدينة من الفواكه والخضر.

ويقول شيروان إنه لم يكن بحاجة لمثل هذه الرحلة اليومية الشاقة، التي يصفها بالمتعبة والمرهقة، إذ إن سلة كركوك الغذائية في أغلبها من المناطق الزراعية القريبة منها، وتحديدا من الحويجة ومناطق ديالى والضلوعية ويثرب، وكانت تصل يوميا مئات الشاحنات الكبيرة والصغيرة التي تحمل كل المنتجات الزراعية التي يستهلكها الناس في كركوك.

غير أن الأوضاع تغيرت -كما يقول الشاب- بعد سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق زراعية شاسعة، فأصبحت الأوضاع صعبة بعض الشيء، وتفاقمت الأمور بعد سيطرة ميلشيات الحشد الشعبي على الكثير من المناطق في ديالى وصلاح الدين.

‪شيروان يضطر للقيام برحلة شاقة لجلب الفواكه والخضر من السليمانية لكركوك‬ (الجزيرة)
‪شيروان يضطر للقيام برحلة شاقة لجلب الفواكه والخضر من السليمانية لكركوك‬ (الجزيرة)

وقد غادر سكان هذه المناطق خوفا من عمليات القتل والاختطاف التي تنسب للحشد، كما أن الكثير من البساتين والمزارع حرقت، فتأثرت سوق كركوك بهذه الأحداث بصورة مباشرة، ولهذا يضطر شيروان للتسوق من أربيل والسليمانية.

المحاصيل الزراعية
ويشير مراد زينل -بائع للمحاصيل الزراعية في السوق الشعبي بكركوك- إلى أنه قبل الأحداث الأخيرة كان يذهب إلى سوق الفواكه والخضار في وسط كركوك، وتسمى "علوة المخضر الشعبية"، ويشتري منها كل حاجته.

وأضاف أن التعامل كان يتم أحيانا بشكل مباشر مع الفلاحين الذين يأتون من مناطق قريبة ببضاعتهم، إذ إن أكثر أصحاب المزارع يأتون بمحصولهم مباشرة إلى التجار أو إلى العلوة، وكان هؤلاء المزارعون يبيعون إنتاجهم بسعر رخيص ليعيد التجار بيعه للمواطن بسعر زهيد.

ولكن -وفقا لزينل- بعد وقوع الأحداث وتعطل الطرق ارتفعت الأسعار وأصبحت البضائع أقل جودة، إذ تتأثر بطول الطريق، كما تعلق الشاحنات التي تنقل المنتجات الزراعية لعدة أيام بسبب المعارك وقطع الطرق، مما يؤثر على السعر والجودة، وقد تتعرض الفواكه للتلف بسبب طول التوقف.

إنفاق أقل
وأدى تردي الأوضاع المعيشية في كركوك إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي، إذ يقول عمر محمد -وكان في طريقه لشراء بعض المواد المعيشية الأساسية- "نشتري في الوقت الحالي أقل من احتياجاتنا لسببين: أولهما ضعف ذات اليد بسبب قلة الوظائف، والثاني ارتفاع الأسعار وكثرة النازحين. ويأمل محمد أن يزول هذا الوضع الذي يصفه بالاستثنائي، ويعود المواطنون إلى مناطقهم.

‪خليل: كثرة النازحين وصعوبة نقل البضائع جعلتا المعيشة بكركوك صعبة‬ (الجزيرة)
‪خليل: كثرة النازحين وصعوبة نقل البضائع جعلتا المعيشة بكركوك صعبة‬ (الجزيرة)

ويقول عضو مجلس محافظة كركوك ورئيس لجنتها الاقتصادية إبراهيم خليل إنه في ظل سيطرة تنظيم الدولة على نصف أراضي المحافظة، وهي أراض زراعية، واستمرار القتال والقصف في تلك المناطق، اضطر الكثير من المزارعين إلى مغادرة أراضيهم ونزحوا إلى المناطق الآمنة في مدينة كركوك، مما أثقل ميزانية المحافظة، وهي المثقلة أصلا جراء انخفاض أسعار النفط.

ويقر خليل بصعوبة الأوضاع المعيشية في كركوك، مشددا على عدم وجود "حلول سريعة" بسبب الأعداد الكبيرة للنازحين، وتراجع الإنتاج الزراعي وصعوبة نقل البضائع بمختلف أنواعها بما فيها الأدوية، وهو ما دفع الأسعار إلى الارتفاع.

كارثة اقتصادية
ويشير الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كركوك برهان زنكنة إلى أنه بالنظر لخصوبة مناطق جنوب غرب كركوك، واشتغال معظم السكان بالزراعة وتربية الماشية، فقد سميت السلة الغذائية لمحافظة كركوك، ولكن الظروف المعروفة تسببت في قلة إنتاج المواد الزراعية وتقلص الموازنة نتيجة انخفاض أسعار النفط.

ويتوقع زنكنة كارثة اقتصادية في العراق عامة وكركوك خاصة، لأن أغلب المزارعين أصبحوا مستهلكين بعدما كانوا قبل فترة قصيرة منتجين ويبادلون محصولهم ويزودون المدينة وما حولها بحاجاتها الغذائية، وينبه الأستاذ الجامعي إلى أن جميع المعطيات تشير إلى أن الأوضاع المعيشية في كركوك ستشهد المزيد من التعقيدات.

يذكر أن عشرات الآلاف قد نزحوا من مدن غرب العراق وديالى وصلاح الدين والموصل إلى مدينة كركوك، وقد أصبحت عوائل كثيرة نازحةً دون مصدر مالي للعيش، كما أنها اضطرت إلى دفع ثمن إيجار للمنازل والشقق التي شهدت ارتفاعا زاد على 50%، إذ يبلغ إيجار البيت الصغير ستمائة دولار.

المصدر : الجزيرة