الدين العام المصري.. الأزمة والمخرج

الدين العام المصري الأزمة والمخرج

 حجم الأزمة
أسباب الأزمة
الدين العام المصري الأزمة والمخرج

حلول مقترحة للخروج من الأزمة

الدين العام مشكلة مزمنة في الاقتصاد المصري، ففي نهاية الثمانينيات كان الدين العام الخارجي هو عصب مشكلة المديونية لمصر حيث بلغ في ذلك الحين نحو 52 مليار دولار، ولم يُخرج مصرَ من كبوتها العالمية سوى أزمة الخليج الثانية التي كان لمصر فيها موقف سياسي مؤيد للغرب، وهو ما دفع مؤسسات التمويل الدولية للوصول إلى اتفاق لتسوية الديون الخارجية لمصر وإسقاط نسبة 50% منها، مع تطبيق مصر أجندة صندوق النقد الدولي أو ما عرف باسم برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وبالفعل اكتمل تطبيق هذا البرنامج مع نهاية عام 1997 وأُسقطت نسبة 50% من دين مصر الخارجي منذ ذلك التاريخ.

لكن في الوقت الذي تراجع فيه الدين العام الخارجي، كانت السياسات الاقتصادية بشكل عام، والمالية منها على وجه الخصوص، تساعد على تفاقم الدين العام المحلي، حتى وصل في ديسمبر/كانون الأول 2011 نحو 1.13 تريليون جنيه.

وأصبح حجم الدين العام المحلي وما يمثله من أعباء على الموازنة العامة لمصر أحد أسباب تخفيض التصنيف الائتماني لمصر لدى المؤسسات الدولية.

وبعد ثورة 25 يناير لوحظ أن الحكومات الانتقالية عملت بنفس أدوات السياسة المالية تجاه قضية الدين، حيث تستسهل آلية الاقتراض، ولا تتخذ خطوات جادة لترشيد الإنفاق، أو تقديم برنامج واضح لتخفيض قيمة الدين ونسبته للناتج المحلي الإجمالي.

وفي ظل تفاقم مشكلة الدين العام المحلي، أعلنت حكومة الجنزوري برنامجها لاقتراض نحو 11 مليار دولار من الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة لعاميْ 2010/2011 و2011/2012.

وفي حالة دخول رغبة حكومة الجنزوري حيز التنفيذ فإن ذلك يعني زيادة الدين العام الخارجي بنسبة 33% في عامين فقط.

بلغ حجم الدين العام في مصر -وفق بيانات البنك المركزي المصري في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011- ما قيمته 1.33 تريليون جنيه، منها 1.13 تريليون جنيه ديون محلية و 204 مليارات جنيه ديون خارجية

ويتناول هذا التحليل توصيف المشكلة، وطرح مجموعة من الحلول التي تساعد على الخروج من أزمة الدين العام.

حجم الأزمة
بلغ حجم الدين العام في مصر -وفق بيانات البنك المركزي المصري في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011- ما قيمته 1.33 تريليون جنيه، منها 1.13 تريليون جنيه ديون محلية و204 مليارات جنيه ديون خارجية.

وبذلك تكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 89.1%، وذلك على اعتبار تقييم الناتج المحلي بالأسعار الجارية، ولكن إذا تم حساب هذه النسبة وفق الأسعار الثابتة للناتج المحلي فسنجد النسبة تقفز إلى نحو 130%. وإذا أخذنا بأقل التقديرات فإن المعايير الدولية تطالب بألا تزيد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي على 60%.

وتشير تفصيلات الدين العام المحلي في مصر في ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى أن الدين المحلي الحكومي بلغ 894.6 مليار جنيه وهو ما يعادل نسبة 79%، بينما ديون بنك الاستثمار القومي بلغت في نفس التاريخ 171.9 مليار جنيه أي يعادل نسبة 15.1%، ثم الهيئات الاقتصادية بنصيب 66.5 مليار جنيه وبنسبة 5.9%. وحسب بيانات موازنة العام المالي 2011/2012 فإن أعباء خدمة الدين العام في مصر بلغت 106 مليارات جنيه فوائد و102 مليار جنيه أقساط.

أسباب الأزمة
من هذه الأسباب اتساع رقعة الفساد في الجهاز الإداري للدولة، حيث أشار تقرير لجنة النزاهة والشفافية لوزارة التنمية الإدارية بمصر في أكتوبر/تشرين أول 2010 إلى رصد 70 ألف قضية فساد في العام الواحد بالجهاز الإداري للدولة. وهو ما أدى إلى إهدار المال العام والمبالغة في تكاليف قيمة الخدمات والسلع التي تحصل عليها الحكومة من خلال المقاولين والموردين، وتنفيذ باقي مشروعاتها الإنتاجية والخدمية أو البنية الأساسية. 

كما غلب على هيكل الموازنة العامة المصرية -منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين- أنها تهمش النشاط الاستثماري وتتوسع في الإنفاق الجاري، وبذلك أصبح الدين المحلي مصدرا للقلق. فهو إنفاق لا تلتزم مجالات الإنفاق بسداده أو تحمل أعبائه، بينما لو تم تمويل مشروعات استثمارية بهذا الدين لكان من الطبيعي مطالبتها بالالتزام بتسديد أعباء هذه القروض من أقساط وفوائد.

ومع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات تم فصل مشروعات قطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية عن الموازنة العامة للدولة، وأصبحت علاقتها بالموازنة هي علاقة العجز والفائض. والأمر السلبي هنا أنه لوحظ أن الشركات والهيئات الرابحة توسعت في منح العاملين بها -وخاصة الإدارة العليا فيها- العديد من الحوافز والبدلات، وأصبح الجزء الذي يؤول للموازنة لا يتناسب مع حجم الاستثمارات الموجودة في هذه الشركات أو الهيئات.

أيضًا سمحت الاستثناءات في بعض القوانين بالتوسع في إنشاء الصناديق الخاصة، وهو ما ساعد على هدم مبدأ عموم وشمول الموازنة، وكانت هذه الصناديق وفقًا لتقارير الجهات الرقابية تتصرف بطريقة يشوبها العديد من ممارسات الفساد، والإنفاق خارج الأهداف التي أنشئت من أجلها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر رصد تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات في عام 2009/2010 أن حجم إنفاق هذه الصناديق بلغ 15.8 مليار جنيه، وبلغ حجم المخالفات في هذا الإنفاق 8.8 مليارات جنيه، وتمثلت المخالفات في الإنفاق على إعلانات التهاني والتعازي وصرف مكافآت مبالغ فيها وبدل انتقالات.  

التداعيات السلبية للأزمة
مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في مجال الاقتراض من الجهاز المصرفي، وهو ما لوحظ من خلال عزوف رجال المصارف عن تقديم القروض لمشروعات القطاع الخاص والاكتفاء بشراء سندات وأذون الخزانة الحكومية، بسبب انعدام نسبة المخاطر في القروض المقدمة للحكومية. وفي نفس الوقت تشتكي المشروعات المتوسطة والصغيرة من عدم تمكينها من الاقتراض من الجهاز المصرفي. ومن هنا عجز القطاع الخاص عن تقديم فرص العمل المطلوبة كل عام، أو المساعدة في تقديم السلع الضرورية، واتجهت مصر لتعويض ذلك من خلال الاستيراد.

– التأثير على حجم الإنفاق على مجالات التعليم والصحة وباقي المجالات المتعلقة بتحسين سبل المعيشة في المجتمع المصري. ففي الوقت الذي تبلغ فيه أقساط وفوائد الدين العام 208 مليارات جنيه، نجد أن حجم الإنفاق على الأجور والتعليم والصحة لا يزيد عن 186 مليار جنيه. وهو ما يعني أن تخفيض أعباء الدين العام من أقساط وفوائد بنحو 50% يحسن من كفاءة قطاعات التعليم والصحة والأجور، ويقضي على العديد من المشكلات الاجتماعية، أو يحسن من أداء مؤشرات التنمية البشرية في قطاعيْ التعليم والصحة.

– من شأن استمرار مشكلة الدين العام بهذا الحجم وقابليتها للزيادة، أن تنعكس على مؤشرات أخرى مثل قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم. فاستمرار الحكومة في الاقتراض ساعد الأجانب على دخول السوق المحلية وشراء أذون الخزانة التي ارتفعت معدلات الفائدة عليها بشكل كبير وصل لنحو 16%، في حين أن السياسة النقدية تعمل على استقرار سعر الصرف، وهو ما يعني الخروج الآمن للمستثمرين الأجانب في السندات الحكومية. وقد ظهرت هذه المشكلة بشكل واضح بعد الثورة، حيث خرجت 8 مليارات دولار خلال الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2011، وأثرت بشكل واضح على سعر الجنيه وعلى حجم احتياطي النقد الأجنبي.

– ترتب على سياسة التوسع في الدين العام تزايد معدلات العجز في الموازنة العامة للدولة بمعدلات آخذة في التصاعد من 5% في عام 2000 إلى 11% في عام 2001، وهو معدل يزيد بكثير عن المعايير الدولية التي تحدد نسبة 3% لهذا المؤشر. ويزيد من خطورة الوضع في مصر أن العجز يوجه لتمويل الإنفاق العام وليس للإنفاق استثماري.

ترتب على سياسة التوسع في الدين العام تزايد معدلات العجز في الموازنة العامة للدولة، بمعدلات آخذة في التصاعد من 5% في عام 2000 إلى 11% في عام 2001، وهو معدل يزيد بكثير عن المعايير الدولية

حلول مقترحة للخروج من الأزمة
أزمة بحجم الدين العام في مصر تستأهل الولوج إلى حلول لها في أقرب وقت، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول فيها لمعدلات مرضية قد يستغرق بعض الوقت، خاصة أن بعض الحلول المطروحة هنا تستلزم تأهيل الرأي العام، وبعضها يتطلب تعديل بعض الإجراءات الحكومية، وبعضها يحتاج إلى تعديل تشريعي.

وفيما يلي عرض لهذه الحلول:
1- ثمة مجموعة من الإجراءات يمكن اتخاذها لترشيد الإنفاق العام في الموازنة العامة، منها: إطلاق يد الأجهزة الرقابية لمواجهة الفساد في الجهاز الإداري للدولة، وكذلك باقي المؤسسات الاقتصادية العامة، وإزاحة كوادر الإدارة العليا التي تبوأت مناصبها على أساس علاقتها بالنظام السابق وبعيدًا عن معيار الخبرة والكفاءة.

2- مراجعة ما اتخذته الحكومات الانتقالية من قرارات تعيين للعمالة في المؤسسات الحكومية والعامة تزيد من أعباء الموازنة العامة وزيادة الدين، على أن يصحب هذا الإجراء مصارحة الشعب المصري بحقيقة الوضع المالي، وتقديم برنامج ملزم للحكومة بسداد الديون والوصول بها إلى المعدلات المطلوبة، بحيث لا تشكل خطرا على باقي المؤشرات الاقتصادية.

3- اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه الصناديق الخاصة، بحيث يكون التصرف تجاهها واحدا من أمرين، إما أن تعمل هذه الصناديق وفق الأهداف التي أنشئت من أجلها وتخضع بشكل صحيح لأعمال الأجهزة الرقابية، أو تعود هذه الصناديق مرة أخرى إلى الموازنة العامة للدولة.

4- البدء في تصحيح منظومة الدعم في الموازنة العامة للدولة الذي وصل إلى نحو 138 مليار جنيه في موازنة 2011/2012، منها 95 مليارا لدعم الطاقة. ويمثل مجال الدعم الحالي إحدى أبرز صور إهدار المال العام بسبب عدم وجود قاعدة بيانات، وبالتالي يذهب الدعم لغير مستحقيه، كما لا تتوفر لدى الحكومة قاعدة بيانات تحدد بشكل واضح المستحقين للدعم، فمن شأن إلغاء دعم الطاقة للصناعات الكثيفة استخدام الطاقة أن يقلل المبلغ المحدد لدعم الطاقة بنحو 60%.

5- نهوض الجهاز الإداري للدولة في تحصيل المتأخرات الحكومية من ضرائب ورسوم، حيث تقدر المتأخرات الضريبية بنحو 60 مليار جنيه، منها 40 مليارا لدى مؤسسات وجهات حكومية، و20 مليارا لدى القطاع الخاص.

6- تبني سياسات داعمة للاعتماد على آلية المشاركة في تمويل المشروعات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة، مثل سندات الإيراد أو الصكوك الإسلامية، حيث تعمل هذه الآلية على إخراج هذه المشروعات من إطار الموازنة العامة للدولة، وتضع المشروعات الممولة منها أمام مسؤوليتها بضرورة سداد القروض وتكلفة التمويل، دون تحمل الموازنة لأي أعباء.

7- ضرورة تطبيق سياسة الحد الأقصى للأجور في الجهاز الإداري للدولة وفي المؤسسات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والبنوك.
ـــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة