دمار لتاريخ إنساني عريق.. هل تحمي المعاهدات الدولية تراث أفريقيا الغني من الحروب؟

الحروب والنزاعات الأهلية في أنحاء القارة الأفريقية تؤدي إلى خسائر فادحة لا يمكن تعوضيها في التراث الإنساني (الأوروبية)

تعيش العديد من البلدان في أنحاء القارة الأفريقية نوعا أو آخر من أنواع الحرب. ومن بين تلك البلدان الأكثر تضررا جنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغيرها.

تنجم هذه النزاعات المسلحة عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك سوء الإدارة والفساد والفقر وانتهاكات الحقوق والتعصب. وأدى الصراع المسلح إلى إزهاق أرواح الملايين من الأفارقة على مدى عقود وأثر سلبا على التنمية الوطنية، كما تسبب في خسائر فادحة للتراث الثقافي.

وفي مقال بموقع "ذا كونفرسيشن" (the conversation)، تناولت الأكاديمية بجامعة إبادان النيجيرية، أفولسادا أديومي، القوانين المعنية بالمقتنيات التراثية والأيقونات الثقافية، وحللت السياسات والتشريعات المعمول بها التي من شأنها حماية التراث في أثناء النزاع.

وترى الكاتبة أنه بدون إعادة إيقاظ الضمير الثقافي بين الأفارقة والإرادة السياسية من الحكومات، سيظل تراث القارة يعاني الإهمال والدمار.

وتعد الشراكات بين الدول الأفريقية وأصحاب الاهتمام في مجال التراث والمنظمات الإقليمية والدولية أساسية بالقدر نفسه في إرساء أساس متين لحماية التراث.

دمار واسع النطاق

هناك العديد من الروايات عن تدمير التراث الأفريقي في حالات الصراع. على سبيل المثال، أدت الحرب بين إريتريا وإثيوبيا -التي بدأت عام 1998 وانتهت باتفاق سلام عام 2000- إلى قيام الجيش الإثيوبي بإسقاط تمثال ستيلا ماتارا، وهو منحوتة ذات أهمية ثقافية عمرها 2500 عام.

في مالي عام 2012، استولت جماعات "إسلامية متشددة" متمردة على تمبكتو ودمرت المساجد والأضرحة والمقابر الصوفية التي تم بناؤها منذ القرن الخامس عشر.

في كوت ديفوار، سرقت أقنعة دائرية مقدسة وأحرق بعضها خلال نزاع بدأ عام 2002. سرقت "كلين كبلي" (Klin Kpli)، وهي آلة طبل صوتية يقدسها شعب باول، من البلاط الملكي في ساكاسو.

في السنغال بين عامي 1990 و2011، تم تدمير الكنائس والمساجد والغابات المقدسة حيث استخدمها المدنيون للجوء وسعى المقاتلون للاختباء فيها من القوات الحكومية.

في الحرب الأهلية النيجيرية بين عامي 1967 و1970، احتلت قوات مسلحة متحف أورون في شرق البلاد. وتم نقل قطع أثرية مهمة تم الاحتفاظ بها هناك إلى بلدة أومواهيا في الجنوب لحفظها. عندما وصلت الحرب إلى أومواهيا، تم نقل الأشياء إلى أورلو، على بعد حوالي 70 كم. لسوء الحظ، أدى نقص المعرفة بقيمة هذه المصنوعات اليدوية إلى استخدامها كحطب من قبل سكان أورلو.

في سيراليون، ألحقت الحرب الأهلية بين عامي 1991 و2002 أضرارا جسيمة بمتحف في فريتاون عاصمة البلاد. بعض القطع الأثرية كانت مثقوبة بفعل الرصاص، بينما دمرت الأمطار قطعا أخرى بسبب الأضرار التي لحقت بسقف ونوافذ وأبواب المتحف.

وأعادت إثيوبيا مؤخرا إلى الواجهة مثالا واضحا ونموذجا لكيف يدمر النزاع المسلح الآثار وعناصر التراث التاريخية، فالمنطقة الشمالية من البلاد تيغراي -غنية بالتراث الديني وتمثل بيئة جذب سياحي- تمزقها الحرب منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

تعرضت المخطوطات القديمة والتحف التي لا تقدر بثمن في المنطقة للتدمير والنهب من قبل القوات الإثيوبية والإريترية.

المعاهدات الدولية

ينص القانون الدولي على حماية التراث الثقافي في أثناء الحرب. ومع ذلك، لكي تدخل هذه الآليات القانونية حيز التنفيذ، يتعين على الحكومات تطبيقها في أوقات السلم.

أحد هذه القوانين اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، وبها برتوكولان.

ويعد البروتوكول الثاني الأكثر فعالية في حماية التراث في أثناء النزاع؛ إذ يمكن للدول الأطراف في البروتوكول ممارسة الاختصاص القضائي العالمي لتسليم أو محاكمة أي من المتسببين في ضرر للتراث الموجود على أراضيها.

وجاءت اتفاقية لاهاي في رد فعل على الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية لمواقع التراث الإنساني، وخربت الحرب العديد من الكنوز الثقافية على يد قوات الحلفاء والمحور. وعبرت الاتفاقية عن رغبة المجتمع الدولي في تجنيب التراث الثقافي العالمي ويلات الحرب، والاعتراف بأن فقدان هذا التراث يمثل خسارة للبلد المستهدف وكذلك للإنسانية.

قانون آخر مهم هو اتفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن الآليات التي تستخدم لحظر ومنع الاستيراد والتصدير غير المشروع ونقل ملكية الممتلكات الثقافية. وهناك أيضا اتفاقية اليونيدروا لعام 1995 بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة.

يمكن أن تساعد اتفاقيتا اليونسكو لعام 1970 و1995 يونيدروا -إذا تم تنفيذهما بشكل صحيح من قبل البلدان- في منع النهب والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. لتنفيذ هذه الاتفاقيات، يتعين على الدول الأطراف، من بين أمور أخرى، أن يكون لديها تشريعات تراثية حديثة وقوائم جرد لمشغولاتها الفنية.

ومع ذلك، لا يوجد بلد أفريقي لديه أي قوانين تهدف -على وجه التحديد- إلى إضفاء الطابع المحلي على هذه الاتفاقيات الدولية. وهذا يجعل تنفيذ أحكامها مستحيلا إلى حد كبير.

إثيوبيا والمعاهدات

أصبحت إثيوبيا من الدول الأطراف في اتفاقية لاهاي لعام 1954 في 31 أغسطس/آب 2015، ومع ذلك، لم تنضم إلى البروتوكول الثاني لعام 1999 الخاص بالاتفاقية؛ وهذا يعني أن الدولة لا يمكن أن تستفيد من هذه الأحكام.

يمكن لإثيوبيا الاعتماد على هذه الأحكام من خلال المكاتب الدبلوماسية، لضمان إعادة الأشياء المنهوبة خلال الحرب.

ومع ذلك، هناك تقارير تفيد بأن القوات الإثيوبية تقف وراء تدمير ونهب مختلف عناصر التراث التاريخي والثقافي في تيغراي. ويوضح ذلك وجود الثغرات في الإرادة السياسية للحكومة لحماية تراث البلاد.

وترى الكاتبة أن المعلومات المضللة والفهم السطحي لأهمية عناصر التراث هما السبب الجذري للعنف الذي تم توثيقه ضد عناصر التراث في أجزاء كثيرة من أفريقيا وخارجها.

لمواجهة ذلك، تتطلب حماية التراث كلا من توفر الإرادة السياسية، والتربية المدنية على قيمة التراث، والشراكة بين الدول الأفريقية وأصحاب المصلحة في التراث والمنظمات الإقليمية والدولية، وتعزيز التشريعات الوطنية ومواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية.

المصدر : ذا كونفرسيشن