على غرار أهرامات المايا في المكسيك.. اكتشاف هيكل هرم بمدينة تيكال في غواتيمالا

آثار جواتيمالا تبوح بسر عظمة حضارة شعب المايا
آثار غواتيمالا تبوح بسر عظمة حضارة شعب المايا (الجزيرة)

قد يكون الهرم والساحة المكتشفان في مدينة تيكال الأثرية لحضارة المايا بمثابة سفارة للزوار لمدينة تيوتيهواكان الكبرى الواقعة على بعد أكثر من 620 ميلا.

وفي التقرير الذي نشره موقع "لايف ساينس" الأميركي، قالت الكاتبة ستيفاني باباس إن هذا الموقع الأثري ربما يكون شاهدا على فترة تعاون بين مدينة تيكال التي توجد في غابة غواتيمالا المطيرة، ومدينة تيوتيهواكان التي تقع بالقرب من العاصمة المكسيكية (مكسيكو سيتي)، وبعد قرن أو نحو ذلك من بناء الهيكل سيطر الغزاة -الذين من المحتمل أن يكونوا من تيوتيهواكان- على تيكال.

تبدو الساحة المغلقة وهرم الدرج نسخة مصغرة من هيكل يسمى "لا سيوداديلا" أو الحصن في مدينة تيوتيهواكان، وكان ذلك الحصن يضم معبدا يعرف باسم "هرم الحية المجنحة" وساحة تبلغ مساحتها 38 فدانا وتكفي لاستيعاب 100 ألف شخص.

ولا تتميز النسخة الصغرى في مدينة تيكال التي تعود لحضارة المايا بنفس التصميم فحسب، بل لديها أيضا نفس التوجه، وهي مليئة بالقطع الأثرية التي لها روابط بمدينة تيوتيهواكان، بما في ذلك قبر مبني بأسلوب تيوتيهواكان.

وحسب مدير مشروع التنقيب إدوين رومان راميريز عالم الآثار في مؤسسة التراث الثقافي والطبيعي للمايا الذي أعلن عن الاكتشاف في مؤتمر صحفي في 8 أبريل/نيسان الماضي، فإن هذا الاكتشاف أثبت أن "اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ينتمون إلى مدينة ﺗﻴﻮﺗﻴﻬﻮاﻛﺎن أو اﻷﺷﺨﺎص اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﻴﻦ ارﺗﺒﺎﻃﺎ وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﻴﻮﺗﻴﻬﻮاﻛﺎن احتلوا مدينة تيكال لفترة طويلة".

المايا في تيكال

كانت تيكال إحدى المدن المحتضنة لحضارة المايا والتي ربما كانت موطنا لعشرات الآلاف من الناس خلال ازدهارها في فترة حضارة المايا الكلاسيكية بين حوالي 250 إلى 900 ميلادي.

وبعد تعاقب سلسلة من الحكام المحليين تم غزو المدينة عام 378 ميلادي من قبل جنرال اسمه سياه كاك.

وفي المنحوتات الحجرية يُصوَّر الجنرال على أنه قائد يمثله رامي الرمح والبومة، وهو نحت موجود أيضا في تيوتيهواكان، وأدى هذا الارتباط إلى اعتقاد العديد من علماء الآثار أن الغزاة جاؤوا من تيوتيهواكان.

لكن ربما لم تبدأ علاقة المدينتين على هذا النحو، فربما عاش أكثر من 100 ألف شخص في مدينة تيوتيهواكان خلال ازدهارها في النصف الأول من القرن الأول ميلادي، ويبدو أن تأثيرها الثقافي كان واسعا، وقال رومان راميريز إن الفن والتحف على أسلوب تيوتيهواكان عُثر عليها منذ فترة طويلة في الحفريات في غواتيمالا.

مخطط بيانات ليدار على خريطة لمدينة تيكال يظهر هيكلا غير محفور يشبه الهرم (مبادرة باكونام ليدار / توماس غاريسون)

رصد رومان راميريز وفريقه لأول مرة الهيكل الجديد للهرم والساحة في مسح "الليدار" (تقنية تحديد المدى عن طريق الضوء) في عام 2019، ويستخدم الليدار أشعة الليزر لرسم خريطة دقيقة للتضاريس على الأرض عبر طائرة في السماء.

وتقع مدينة تيكال في غابة مطيرة، ويزيل الليدار الغطاء النباتي ليسلط الضوء على أي أشكال أو تكوينات تحتاج إلى مزيد من التحقيق.

وبعد 4 أشهر من التنقيب تم اكتشاف هيكل بني على 6 مراحل مختلفة، ولا يعرف الباحثون الكثير من التفاصيل عن المرحلة الأولى من البناء حتى الآن، ولكن المرحلة الثانية تعود تقريبا إلى عام 250 ميلادي، والتي تذكّر بالهندسة المعمارية الموجودة في وسط المكسيك.

أما المرحلة الثالثة من البناء -التي تمت بعد فترة وجيزة- فقد جعلت الهيكل أكثر شبها بحصن تيوتيهواكان، وكان الهرم والساحة متجهين بمقدار 13 درجة شرقا من الشمال الحقيقي، والهرم مشابه جدا للمباني الاحتفالية في تيوتيهواكان التي كانت تقع 15 درجة شرقا من الشمال الحقيقي.

وخلال هذه المرحلة عثر الباحثون على قبر ولا يعرفون حتى الآن الكثير عن هوية الشخص المدفون داخله، ولكن المتوفى كان مغطى بطبقة رقيقة من الخزف المكسور محاط برؤوس السهام المصنوعة من السبج الأخضر التي كان يستخدمها محاربو تيوتيهواكان.

وذكر رومان راميريز أنه لم يُعثر سوى على 6 مدافن مماثلة في تيكال، وكشف التحليل الكيميائي لأحد الهياكل العظمية في تلك المدافن أن الشخص نشأ في وسط المكسيك.

ومن المثير للاهتمام أن هرم الحية المجنحة في حصن تيوتيهواكان هو موطن لمقبرة جماعية لأكثر من 200 شخص ربما كانوا أسرى والذين دفنوا أيضا مع رؤوس السهام وشظايا الخزف.

وقال رومان راميريز "لا نعرف ما إذا كان القبر الذي اكتشفناه يعود لشخص محلي أو شخص آخر، أو ما إذا كان أسيرا"، لكن الباحثين ما زالوا يدرسون العظام.

التبادل الثقافي

أظهرت مراحل البناء اللاحقة أدلة على طقوس غامضة تشمل آلاف القطع من الخزف والمباخر المستخدمة في احتفالات تيوتيهواكان، ورسوما تمثل إله المطر لمدينة تيوتيهواكان.

وقال رومان راميريز إن المباخر بدت وكأنها مصنوعة من مزيج من المواد المحلية والأجنبية، مما يشير إلى أن شخصا على دراية بفن تيوتيهواكان كان يصنعها في تيكال.

ووجد الباحثون بعض التلميحات الأخرى حول تيكال، والتي تفيد بأن تيوتيهواكان أو الأشخاص الذين تبنوا ثقافتها كانوا يعيشون في المدينة التي تحتضن حضارة المايا، فعلى سبيل المثال كان هناك مجمع سكني في المدينة مشيد بالتربة المغطاة بالجص، وهو أسلوب معماري تتميز به تيوتيهواكان، وهو نفس فن العمارة الذي تم رصده في الحصن المصغر في تيكال.

ويخطط الباحثون لقضاء 4 أشهر أخرى في أعمال التنقيب في حصن تيكال هذا العام، وسيقومون بتمديد أعمال التنقيب حتى 2022 في حال عثروا على المزيد من الأدلة.

وأشار رومان راميريز إلى أن البحث يكشف عن عمق الارتباط الذي كان قائما بين مدن أميركا الوسطى في تلك الفترة، مضيفا أن "الأمر المثير للاهتمام والمهم بالنسبة للباحثين هو إظهار كيف كانت تيكال مدينة متعددة الثقافات للغاية".

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية