ما سر الرقم 72 في لوحات الخطاط التركي علي ألب أرسلان؟

بصمات الأكاديمي الأديب علي ألب أرسلان حاضرة في لوحات الحرف العربي التي كتبت باللغة العثمانية القديمة.

آية "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" بريشة الخطاط علي ألب أرسلان (موقع الفن الإسلامي⁩)

"خطاط القلم الرشيق"، هذا هو الوصف الذي أطلقته بلدية الفاتح بمدينة إسطنبول على الخطاط والأديب والمؤرخ علي ألب أرسلان، وهي التسمية ذاتها التي حملها أول معرض يخلد اسمه في ذكرى وفاته الـ15.

وتحفل لوحات الحرف العربي الذي كتبت به اللغة العثمانية القديمة ببصمات الأكاديمي الأديب علي ألب أرسلان، وقد قدر بعض الباحثين عدد لوحاته الإجمالي بنحو 200 إلى 250 لوحة، لكن 72 منها اختيرت بعناية للمعرض لتعبّر عن دور الفنان الذي يعدّ أحد الرواد الأتراك في هذا المجال في العصر الحديث.

وللرقم 72 سرّ خاص في لوحات علي ألب أرسلان، فهو يرمز إلى عدد الأقوام الذين ينتمي لهم التلاميذ الذين تعلموا منه الخط العثماني بالحرف العربي، وفي الوقت نفسه يمثل عدد الجنسيات التي يقيم أفرادها في منطقة الفاتح العريقة بمدينة إسطنبول.

لوحة بعبارة البسملة لعلي ألب أرسلان (موقع الفن الإسلامي⁩)

وترك علي ألب أرسلان معرضا زاخرا بلوحات للبسملة وآيات من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وأدعية وأذكار وحكم ومواعظ قصيرة وعبارات مأثورة عن المدرسة الصوفية المزدهرة في تركيا.

ولد علي ألب أرسلان في قرية تشورلو بولاية تكيرداغ عام 1923، وتوفي في مدينة اسطنبول عام 2006، وهناك من يقول أنه من مواليد عام 1925.

والتحق علي ألب أرسلان بجامعة اسطنبول ليتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في آداب اللغة التركية والفارسية عام 1948، ثم حصل على درجة الماجستير في الأدب الفارسي من كلية الآداب بجامعة طهران عام 1952، ثم حصل على الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة إسطنبول.

وبدأ الأكاديمي التركي حياته المهنية متنقلًا بين دوائر المكتبات والأرشيف في رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية التركية، ثم انتقل إلى العمل الأكاديمي فحاضر في جامعات تركية عدة وحصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ثم انتقل إلى التعليم في جامعات لندن ببريطانيا وشيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية.

افتتاح معرض الخط الرشيق لعلي ألب أرسلان في المركز الثقافي لبلدية الفاتح (بلدية الفاتح⁩)

خطاط معاصر من الزمن الماضي

ومثّلت الحياة الأكاديمية نقلة كبيرة في تصور الأكاديمي التركي للفنون التي درسها فهي، كما تقول الباحثة في معهد الفنون الجميلة بإسطنبول غوكتشه سونميز، فتحت باب الاطلاع الواسع أمامه على الثقافات العالمية بوجه كبير.

وأوضحت سونميز -للجزيرة نت- أن تنقل ألب أرسلان بين إسطنبول وطهران ثبّت الهوية المشرقية لفنونه المستندة إلى خط الحرف العربي، في حين أطلعه عمله في كبريات جامعات الغرب على تقنيات البحث والتطوير في الآداب والفنون الغربية، وهو ما يفسر اتساع رقعة الدول التي انتشر فيها تلاميذه.

وأشارت سونميز إلى أن تخصصه في الأدبين التركي والفارسي يفسر اهتمامه الشديد بالخط العربي الذي كتبت به حروف اللغتين العريقتين، مبيّنة أن "الحرف العربي يعدّ أحد عناصر الموروث الثقافي الذي يعاد إحياؤه بوصفه شكلًا من أشكال الفنون الجميلة التي تنقلت بين عصورالسلاجقة والعثمانيين وصولًا إلى زمن تركيا الحديثة".

وتصف سونميز ألب أرسلان بأنه شخصية عثمانية بالمفهوم الحضاري وإن كان قد عاش في العصر الجمهوري، فتقول "هو شخصية رئيسة من فنّاني التخطيط بالحرف العربي الذين مدّوا جسرًا بين حاضر تركيا المعاصر وماضيها العثماني".

الخطاط والمؤرخ علي ألب أرسلان
الخطاط والمؤرخ علي ألب أرسلان (موسوعة الإسلام)

ذائقة الخط

وتقول سونميز إن آثار الخطاط علي ألب أرسلان خلدت في الخطوط التي أبدع بها خاصة الخط الديواني، وخط الثلث الذي علمه لعدد كبير من خطّاطي الحرف العربي من الأتراك والأجناس الأخرى.

لم ترق مدرسة الحداثة في الخط العربي لعلي ألب أرسلان الذي لم يأت في مؤلفاته على ذكرها، لكنه في المقابل كان شديد التأثر بعميد الخط الفارسي مير عماد الحَسني (1554-1615) الذي طالما أثار إعجابه بمدرسة الخط الفارسي.

كما كان يرى أن المدرسة العثمانية بلغت منتهى الكمال في تحسين الخط العربي؛ فكتب عن الفن والذوق الجمالي في الخطوط العثمانية التي قال إن العثمانيين كانوا يُحسدون عليها.

وترك علي ألب أرسلان إرثًا فنيًا ثريًا في الثقافة التركية، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الخطاطين الأتراك المعاصرين مثل عبد الله غون وداود بكتاش وأورهان داغلي وأحمد كوتلوهان وأحمد كوجاك وأحمد أرباتشي.

ويصف طلاب علي ألب أرسلان أستاذهم بأنه كان "حجة في الخط العربي"، إذ يقول أحد أشهرهم وهو محمود شاهين إن طريقة معلمه في تعليم الخط لتلاميذه كانت تقوم على الحب، والإغراق في شرح كيفية رسم الخط وكأنه "يجري عملية تشريح له".

ويشير في مذكراته إلى أن أهم ميزة كان يتمتع بها ألب أرسلان كانت موهبته في التعامل مع تلاميذه وفقا لقدراتهم على الفهم وعلى قاعدة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم".

المصدر : الجزيرة