بعد نحو سنة على وفاته.. طرح رواية جديدة للكاتب لو كاريه ملك روايات التجسس

في هذا الكتاب الذي يعيد أجهزة الاستخبارات إلى واجهة الأحداث، يترك بطل القصة جوليان لوندسلي منصبا مرموقا في لندن لتولي زمام مكتبة في منطقة ساحلية إنجليزية صغيرة، وفق ملخص الكتاب الذي نشرته دار "بنغوين فايكينغ"

ديفيد كورنويل (جون لو كاريه) عاش حياة بـ3 وجوه: جاسوس ودبلوماسي وروائي (شترستوك)

صدرت في بريطانيا أمس الخميس، رواية جديدة لملك روايات التجسس البريطاني جون لو كاريه بعنوان "سيلفرفيو"، بعد نحو سنة على وفاته، فيما أعلن نجله عن التوجه لنشر روايات جديدة أخرى.

وكان الروائي الذي باع ملايين الكتب، واسمه الحقيقي ديفيد كورنويل، سيحتفل بعيد ميلاده التسعين في 19 من الشهر الجاري لو كان على قيد الحياة، ولكنه توفي في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي عن 89 عاما بسبب مضاعفات التهاب رئوي.

وخلال الإعلان في الربيع الماضي عن طرح "سيلفرفيو"، وعد وكيله الأدبي القراء بأنهم سيجدون في هذه الرواية الـ26 "الصوت المميز" لجون لو كاريه.

وفي هذا الكتاب الذي يعيد أجهزة الاستخبارات إلى واجهة الأحداث، يترك بطل القصة "جوليان لوندسلي" منصبا مرموقا في لندن لتولي زمام مكتبة في منطقة ساحلية إنجليزية صغيرة، وفق ملخص الكتاب الذي نشرته دار "بنغوين فايكينغ".

وبعد عدة أشهر فقط من بدء هذه المسيرة الجديدة، يأتي زائر ليعكّر صفو حياة "جوليان" الهانئة. ويبدو أن هذا الرجل المدعو "إدوارد" وهو مهاجر بولندي مقيم في سيلفرفيو، يعرف أمورا كثيرة عن عائلة "جوليان" ويبدي اهتماما مفرطا بأنشطته الجديدة.

وقال وكيل أعمال الكاتب الراحل، إن لو كاريه "أعطى مباركته" لنشر الرواية على يد أبنائه الذين يعملون بمساعدة أخصائي في الأرشفة على وضع جدول لطرح أعماله غير المنشورة سابقا.

وأكد نيكولاس كورنويل، أصغر أبناء لو كاريه، أن محفوظات والده تشمل قصصا غير منشورة لشخصية جورج سمايلي الجاسوس الخجول والبطل المفضل للروائي. وقال "لا نعلم حتى الساعة إلى أي مدى هذه القصص ناجزة وجاهزة للنشر ويمكن جمعها، وهذا أمر يتعين علينا اكتشافه".

ملك روايات التجسس

وُلد لو كاريه باسم ديفيد كورنويل عام 1931، وعمل في المخابرات البريطانية "إم آي5″ (MI5) و"إم آي6" (MI6) خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

ودارت روايات الأديب الراحل حول الحرب الباردة ورسم عالم الجاسوسية في تلك الحقبة التي عرفت قصصا مثيرة للجواسيس الأميركيين والسوفيات على حد سواء. وقدم "لو كاريه" صورة مختلفة لعالم الاستخبارات البريطانية حيث تزول الحدود الفاصلة بين الصواب والخطأ، وتبرر الغاية الوسيلة، بعيدا عن الصور المثالية والرومانسية التي رسمها سواه من الروائيين الذين كتبوا في الأدب البوليسي والجاسوسية.

حياة سرية أضحت روايات شهيرة

وعاش "لو كاريه" طفولة صعبة مع أبيه بعيدا عن والدته، وانتقل إلى سويسرا ليلتحق بجامعة "برن" لدراسة اللغات الحديثة، وهناك تم تجنيده من قبل جاسوس بريطاني يعمل متخفيا في السفارة، حيث بدأت حياة التجسس لقرابة 16 عاما قبل أن يحوّل خبرته في الجاسوسية إلى الكتابة الأدبية عنها.

لفترة وجيزة، عاش حياة ثلاثية: دبلوماسي، وجاسوس، وروائي، ومنعته السلطات من الكتابة باسمه، فاختار "جون لو كاريه" الذي اشتهر به.

وكتب تيموثي غارتون آش في مجلة نيويوركر (New Yorker) عام 1999، "من الناحية الموضوعية، موضوع لو كاريه الحقيقي ليس التجسس. إنها متاهة خادعة لا نهاية لها للعلاقات الإنسانية: الخيانة هي نوع من الحب، الكذبة التي هي نوع من الحقيقة، الرجال الطيبون يخدمون القضايا السيئة والأشرار يخدمون الخير"، بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

واعتبر بعض النقاد أن رسالة "لو كاريه" مفادها أن النظامين -الشرق والغرب- متكافئان أخلاقيا، وكلاهما سيئ بالقدر نفسه لكنه لم يصدق ذلك، إذ قال "لو كاريه" في إحدى المقابلات "هناك فرق كبير في العمل من أجل الغرب والعمل من أجل دولة شمولية"، في إشارة إلى عمله كجاسوس في الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي.

وعنه يقول المؤلف إيان ماك إيوان لصحيفة "ذا تلغراف" (The Telegraph) البريطانية، عام 2013 "أعتقد أنه خرج بسهولة من كونه كاتبًا من النوع الأدبي، وسيُذكر أنه أهم روائي في النصف الثاني من القرن الـ20 في بريطانيا"، مضيفًا "رسم خريطة تدهورنا وسجل طبيعة بيروقراطياتنا كما لم يفعلها أي شخص آخر".

في عام 1954، تزوج كورنويل (لو كاريه) من أليسون آن فيرونيكا شارب، وأنجبا 3 أبناء -قبل أن ينفصلا عام 1971- ويتزوج في العام التالي من فاليري جين يوستاس، وهي محررة كتب لدار "هودر وستوكتون" العريقة (Hodder & Stoughton)، وأنجبا ابنا واحدا.

واشتهر لو كاريه بروايته العالمية "الجاسوس الذي جاء من البرد" (1963) وتحولت لفيلم سينمائي، وتحولت أيضًا رواياته، منها "سمكري خياط جندي جاسوس" و"أكثر رجل مطلوب"، لأفلام شهيرة.

مفردات مميزة

في كتبه، كان جهاز المخابرات السرية، والمعروف باسم "إم آي6" (MI6)، هو "السيرك"، وكان العملاء "محبطين"، والعمليات التي تنطوي على الإغواء كانت "مصائد العسل"، وكان العملاء الراسخون بعمق داخل العدو "حيوانات الخُلد"، وهو مصطلح كان يُنسب الاستخدام الواسع له وقد يكون هو من اخترعه. واستخدمت مثل هذه المصطلحات من قبل جواسيس بريطانيين حقيقيين لوصف عملهم، مثلما استوعبت المافيا لغة "الأب الروحي" في أساطيرهم.

في حياته المهنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن، كتب "لو كاريه" أكثر من 20 كتابًا ووضعها في أماكن بعيدة مثل رواندا والشيشان وتركيا ومنطقة البحر الكاريبي وجنوب شرق آسيا. وتناول مواضيع متنوعة مثل قوة شركات الأدوية، والصراع العربي الإسرائيلي، وبعد سقوط جدار برلين أصبحت رواياته أكثر إثارة للجدل.

مواقفه السياسية

انتقد "لو كاريه"، الكاتب سلمان رشدي بخصوص كتاب الأخير "آيات شيطانية"، مشيرًا إلى أنه "لا أحد لديه حق إلهي لإهانة دين عظيم ونشر هذه الإهانة مع الإفلات من العقاب"، بحسب تقرير لصحيفة إيكونوميست (Economist).

وفي يناير/كانون الثاني 2003، قبل شهرين من الغزو الأميركي للعراق، نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقال "لو كاريه" بعنوان "جن جنون الولايات المتحدة" وتضمن المقال انتقادا لتصعيد الحرب في العراق ورد الرئيس جورج دبليو بوش على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وقال إنها "أسوأ من المكارثية، وأسوأ من خليج الخنازير. وعلى المدى الطويل قد تكون كارثية أكثر من حرب فيتنام وأبعد من أي شيء كان أسامة بن لادن يأمل فيه، خلال أحلامه الشريرة"، على حد تعبيره.

وفي عام 2017، أعرب "لو كاريه" عن مخاوفه بشأن مستقبل الديمقراطية الليبرالية، قائلاً "أفكر في كل الأشياء التي كانت تحدث في جميع أنحاء أوروبا في الثلاثينيات، في إسبانيا، واليابان، وألمانيا. بالنسبة لي، هناك إشارات قابلة للمقارنة تمامًا مثل صعود الفاشية، وهو معد، فالفاشية قائمة وتعمل في بولندا والمجر. وهناك تشجيع"، وكتب لاحقًا أن نهاية الحرب الباردة تركت الغرب دون أيديولوجية متماسكة، على عكس "فكرة الحرية الفردية، والشمولية، والتسامح -وكل ما نسميه معاداة الشيوعية" السائد خلال ذلك الزمن.

عارض "لو كاريه"، كُلا من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحجة أن رغبتهما في السعي إلى الحفاظ على مكانة بلديهما كقوتين عظميين تسببت في اندفاع "للأوليغارشية – حكم الأقلية" (Oligarchy)- ورفض الحقيقة، وازدراء الناخبين والنظام الديمقراطي، معتبرا أن الولايات المتحدة "تتجه مباشرة إلى أسفل الطريق نحو العنصرية المؤسسية والفاشية الجديدة".

وفي روايته الأخيرة "عميل يجري في الميدان" كتب أن بوتين كان "جاسوسًا من الدرجة الخامسة.. فسّر الحياة كلها من منظور مؤامراتي" وحكم روسيا بـ"عصابة من الستالينيين غير النادمين"، منتقدا في الوقت ذاته سياسة ترامب الخارجية باعتبارها تابعة لروسيا وتعيق الحكومة البريطانية لمواصلة التعاون مع الولايات المتحدة، في ظل رئاسته التي لا تبالي بالوحدة الأوروبية ولا الناتو ولا حقوق الإنسان.

كان "لو كاريه"، مدافعًا صريحًا عن التكامل الأوروبي وكان ينتقد بشدة خروج بريطانيا من الاتحاد، واتهم "لو كاريه" السياسيين اليمينيين مثل بوريس جونسون، بالترويج للحنين القومي إلى النظام الطبقي، والحرب العالمية الثانية، والإمبراطورية البريطانية، معتبرا أن السياسيين يخلقون حنينا مزيفا إلى إنجلترا غير حقيقية، وهو شيء لا يمكننا العودة إليه!

وفي 2019، كتب "لو كاريه" أنه يعتقد أن روابطه الخاصة بإنجلترا، "تلاشت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وهذا نوع من التحرر، وإن كان محزنًا".

المصدر : الجزيرة + الفرنسية