ألكسندر دوما.. غوغل يحتفي بالأديب الفرنسي الذي انتقم لوالده في "كونت دي مونت كريستو"

Writer Alexandre Dumas (1802 - 1870), author of 'The Three Musketeers' and known as Dumas 'pere'. (Photo by London Stereoscopic Company/Getty Images)
الكاتب ألكسندر دوما، مؤلف رواية "كونت دي مونت كريستو" الشهيرة (غيتي)

دائماً ما يثير الكاتب والأديب الفرنسى ألكسندر دوما (1802-1870)، صاحب روايتي "كونت دي مونت كريستو" و"الفرسان الثلاثة" وغيرهما من الأعمال الأدبية التي تحولت لأيقونات أدبية عالمية، الجدل حول الحقبة الاستعمارية لفرنسا.

احتفى محرك البحث غوغل بدوما في ذكرى نشره الجزء الأول من روايته قبل 176 عاما بصحيفة فرنسية، قبل أن ينشر الأجزاء الـ17 المتبقية في وقت لاحق خلال عام ونصف.

وولد دوما لأب فرنسي ينحدر من مستعمرة سانت دومينيك (هايتي حاليا)، وعمل في الجيش بعد أن انتقل لفرنسا مع ابنه، بينما كانت جدته لأبيه مستعبدة ذات أصول أفريقية.

وأسهمت هذه الخلفية العائلية الفريدة من نوعها في ميلاد أديب أنتج العديد من المسرحيات الناجحة، ومقالات أدب السفر والرحلات، والروايات ذات الشهرة التي تخطت حدود فرنسا وترجمت لأغلب لغات العالم.

ووصفه الكاتب المسرحي الإنجليزي واتس فيليبس في أواخر حياته قائلا إنه كان من "أكثر الناس سخاء وطموحا في العالم، وكان أيضا أكثر الناس تسلية وزهوا بالنفس على وجه الأرض. لسانه مثل طاحونة هوائية، لا تعرف متى تتوقف ما أن يتم إطلاقها، خاصة إذا كان الموضوع عن نفسه".

اتخذ دوما لقب جدته لأبيه (دوما) التي كانت من الرقيق الأفريقي في هايتي، وبعد أن انتقل لباريس عام 1822 كتب أول مسرحياته في نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر بينما كان عمره في نهاية العشرينيات، وذاع صيته منذ ذلك الحين على خلفية شعبية مسرحياته التي حققت له أيضا ربحا يكفي للتفرغ لمواصلة الكتابة.

وتحوّل دوما إلى مجال الرواية بعد نجاحاته المسرحية العديدة، وحققت له قصص المغامرات شعبية جارفة، واشتهرت بصفة خاصة روايته "الفرسان الثلاثة"، وعاش حياة مترفة مستفيدا من أرباح وشعبية كتاباته، ونشرت روايته على حلقات في الصحف الفرنسية، وأسس شركة إنتاج ووظف كتاب سيناريو لإنتاج القصص تحت إشرافه ومتابعته.

في كتابة روايات المغامرات، استند الأديب الفرنسي إلى تجارب والده الجنرال توماس ألكسندر دوما ديفي دي لا بايتيري، الذي تمتع بمكانة مرموقة في الجيش الفرنسي.

لا يزال دوما أحد أكثر المؤلفين الفرنسيين قراءة على الإطلاق، وقد ترجمت كتبه إلى أكثر من 100 لغة مختلفة. وسار على خطاه ابنه ألكسندر دوما فيلس الذي أصبح روائيا وكاتبا مسرحيا ناجحا.

توفي دوما يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1870 عن عمر يناهز 68 عاما، تاركا وراءه أكثر من 100 ألف صفحة منشورة بين مسرحية ورواية ومقالة وقصة.

الجنرال الأسود

لم تكن رواية "كونت دي مونت كريستو" مجرد واحدة من أعمال دوما الأدبية الكثيرة، بل كانت أيضا بمثابة نوع من الخيال المكتوب الذي كتبه بوصفه نوعا من الانتقام ورد الاعتبار نيابة عن والده.

كان دوما الأب جنرالا أسود حارب في الثورة الفرنسية، وخانه نابليون في النهاية.

وتحكي رواية دوما الابن قصة إدموند دانتيس، وهو شاب واعد يخونه سرا أصدقاؤه، الذين يشعرون بالغيرة من جاذبيته وقدراته المهنية ويحتالون لإيداعه في السجن. يهرب دانتيس في النهاية، ويصبح ثريا جدا بعد العثور على كنز دفين، ويتنكر لينتقم من كل من ظلموه.

ويبدو في القصة الثرية نوع من الإرضاء ورد الاعتبار لأي شخص يشعر بالخيانة، لكن خيانة دانتيس في الرواية تحمل تشابها مذهلا مع قصة الحياة الواقعية لما حدث لوالد دوما، الاختلاف فقط أنه لم ينل الفرصة لينتقم لنفسه أبدا.

الكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوما
غوغل احتفى بذكرى نشر دوما للجزء الأول من روايته قبل 176 عاما (مواقع التواصل)

الانتقام بالرواية

وُلد دوما الأب عام 1762 فيما يُعرف الآن باسم هايتي في منطقة الكاريبي، وهو ابن كونت فرنسي أبيض وامرأة سوداء مستعبدة. قدمت الإمبراطورية الفرنسية الحماية القانونية للأشخاص مختلطي الأعراق في ذلك الوقت، لذلك في سن الرابعة عشرة، شق الأب طريقه إلى فرنسا والتحق بالجيش. وتمتع بشخصية كاريزمية قوية، وترقى في الرتب في وقت نشبت فيه الثورة.

ورغم أن الجيش الثوري أصبح سيئ السمعة بسبب تجاوزاته، ظل الأب ثابتا في نبله مخلصا لمبادئه. وهو ما جعله يقع لفترة وجيزة تحت شك لجنة السلامة العامة لكونه متساهلا للغاية في معاملته للعدو، وعندما أخمد مقاومة الفلاحين في فيندي الفرنسية، منع رجاله من النهب أو السرقة. وربح الجنرال الأسود معركة تلو الأخرى وأرعب أعداءه، وعندما حارب النمساويين أطلقوا عليه لقب الشيطان الأسود، بحسب موقع فوكس الأميركي.

خدم دوما الأب جنرالا إلى جانب نابليون، وعندما بدأ نابليون في تعزيز سلطته في طريقه ليصبح إمبراطورا، واصل أليكس خدمته. لكنه جعل نابليون متوترا "كان دوما الأب أكثر وسامة وجاذبية، وكان مخلصا حقا لفكرة الجمهورية".

وبعد أن تشاجروا أثناء الغزو الفرنسي لمصر عام 1798، قرر نابليون اتخاذ إجراءات صارمة. وفي عام 1799، تم أسر دوما الأب في حرب نابولي. بدلا من التفاوض من أجل إطلاق سراح أحد أفراد الجيش المهمين، تركه نابليون هناك يقضي سنوات في الأسر.

وأطلق سراح دوما الأب في عام 1801 بعد تقديم التماس من زوجته ماري لويز، وسرعان ما رزق الزوج بطفل، هو ألكسندر الذي أصبح أديبا. لكن الأب لم يتعاف تماما من السنوات التي قضاها وراء القضبان، فبحلول وقت إطلاق سراحه كان مصابا بشلل جزئي، وعمى في عين واحدة وصمم مؤقت.

توفي الأب بعد عدة سنوات، وقد يكون سبب وفاته سم دسّ له عندما كان الابن يبلغ من العمر 4 سنوات فقط، ولم يتم دفع معاش الأب التقاعدي ولا مكافآته العسكرية أبدا وتركت أسرته لتعيش فقيرة. وبعد قرون، عندما احتل النازيون فرنسا، دمروا التمثال الوحيد المتبقي له في باريس لأنه يصور رجلا من أصول مختلطة الأعراق.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية